بيير بابان

الفصل الرابــع:

تكويـن الصـورة

ترجمة: إدريس القـري

يجتمع صحافيون ومتخصصون متنوعون بمحطات الإذاعـة والتلفزة كل صباح على الأقـل، من أجل تهيئ النشـرة المتلفـزة انطلاقا من مستجدات وكالات الأخبار وانطلاقا من الضرورات الجهوية. عندها يتكرر السؤال: هل لدينا صور؟ هل يمكننا الحصول على بعض منها خلال النهار؟ هكذا حدث مرات أن اختيرت الأخبار في علاقة مع الصور التي يمكن أن تكون متوفرة للأستديو! أكثر من ذلك فإن نوع الصور، مزينة للأخبار كانت أو عنيفة، هو الذي سيحدد التعليق الإخباري وسيسمع المشاهد أحيانا "إن هذه الصور تم الحصول عليها في تفرد من طرف قناتنا" أو أيضا "أن هذه الصور يمكنها أن تصدم بعض الحساسيات" وهو ما سيكون له أثر زيادة رصيد القناة بالطبع!

يمكن القول بأن التلفزة هي، بدون نقاش ،تكوين الصورة[1] La mise en image بالبيت ولكن، ماذا عن وسائل الاتصال الأخرى بهذا الصدد؟

قلنا إن اللغة السمعية البصرية على المستوى المادي هي العناصر التالية بشكل غير قابل للفصل بينها:

صـوت

مضبوطة الإطار

مضخـمة بفعل العـامل

كـــلام باعتبـارها الإلكتروني

ممزوجة

مضعـفة

صـورة

لن تكون الصورة، إذا اعتمدنا على تعريف كهذا، سوى واحدا من ثلاث مكونات فيما يبدو. عندها سيكون معنى تكوين الصورة، هو صناعة صور ضوئية جيدة قصد إدخالها بشكل مفيد إلى الصلصة السمعية البصرية. والحال أن الأمر يتعلق بشئ آخر تماما. فتكوين الصورة هو إنتاج اللغة التي تحفز وتغذي الكامن التخييلي للجمهور، وذلك عن طريق بنيتها وشكلها وإيقاعاتها. وهو ما كان غاستون باشلار Gaston Bachelard يسميه بـ "القوى المتخيلة" Les forces imaginantes. أو أنها أيضا إثارة تمثيل ذهني للواقع يمس كل الحواس والبصر منها بصفة خاصة. فأن تكون (بضم التاء وكسر وتشديد الوار) الصورة معارض لأن تكون الكلمات mettre en mots التي هي صيغة تشير إلى تمثيل فكري وتجريدي أكثـر.

لا يعبر تكوين الصورة إذن عن عنصر خاص بوسائل الاتصال، بل يعبر عن ميزة أساسية وعن صفة عامة تشمل كل اللغة السمعية البصرية. ولا يشير تكوين الصورة إلى إنتاج الصور الضوئية فقط، ولكنه يشير أيضا إلى إنتاج الأصوات والإيقاعات والنبرات والاهتزازات التي تمكن من الرؤية، أي التي تحدد مقاربة وتمثيلا بصريا للواقع.

بهذا المعنى، ينبغي فهم الإذاعة باعتبارها تشكل جزءا من اللغة السمعية البصرية بشكل جوهري، حيث أنها لغة صور تخلق صورا لدى الجمهور. لقد كان ج. رويتر J. Reuter مدير إذاعة Veritas بمانيلا يذكر دائما باعتباره أحد كبار الحرفيين، لأنه جعل صوت الشعب الفيليبيني ينتصر كما قاد كوري أكينو Cory Aquino إلى الرئاسة عن طريق قوة الموجات الأثيرية. لقد كان معتادا، وهو يبدأ دروسه حول الإذاعة مع طلبة شعبة الاتصـال، على القول: "إن كل قوة الإذاعة تتمثل في الخيـال". كما كان معتادا على قص حكاية ذلك المسؤول عن قناة كبرى بالولايات المتحدة الذي وظف امرأة للعمل في برنامج ولم يكن يعرف عنها إلا رنة ونبرة صوتها. وقد تلقت هذه المرأة بعد أسبوع عشرة طلبات للزواج. هكذا كون المستمعون لأنفسهم صورة انطلاقا من وعود إذاعية محتملة. إن الواقع لا يوافق في الحقيقة الإبداع المتخيل، إذ كانت هذه المرأة البدينة تجد صعوبة في العثور على زوج لها! وعلى الرغم من الطابع الخاص لهذه القصة، فإنها تجسد تماما حكمة أهل الإعلام القائلة: إن كلامكم عبر الأثير يعادل ألف رسالة بريديـة.

تأتي قوانين الانفعال بعد قوانين الشكل مع العلم أن الشكل الأول هو حتما الصورة. فالتعبير حسابيا معناه معرفة تكوين الأعداد mettre en chiffre والتعبير علميا معناه معرفة تكوين المفاهيم mettre en concept والتعبير بالسمعي البصري معناه معرفة تكوين الصورة تلقائيا دون إرادة مقصودة للتزيين التوضيحي ودون زخرفة، وإنما تبعا لمتطلب باطني وطبيعي معيـن.

كيف يتم تكويـن الصـورة؟

متعددة هي الأعمال ووجهات النظر حول الصورة والخيال. ويمكن لتأملنا أن يستلهم منها ولكن، ليس هدف تأملنا هذا الإحاطة بالموضوع في مجمله. فالذي يهمنا هنا هي الصور التي تصنعها وسائل الاتصال، أي الصور الخارجية التي تمكن مشاهدتها على شاشة التلفزة، والصور الباطنية التي تتولد بداخلنا بتحريض من وسائل الاتصـال.

يمكن معاينة ثلاثة طرق لتكوين الصورة كما يلي: تكوين الحضور La mise en présence، تكوين الشكل La mise en forme، وتكوين الاستيقاظ La mise en éveil توافقها ثلاث طبقات من الصور:

تكوين الحضــــور ــــــــــــــــــــــــــــــ الصورة الوثيقة

تكوين الشكـــــــل ــــــــــــــــــــــــــــــ الصورة المفهـوم

تكـوين الاستيقــاظ ــــــــــــــــــــــــــــــ الصورة النموذج الأصلي

يجب أن لا نعتقد بأن هذه الطبقات محسوم أمرها في الواقع. فمن الممكن أن تكون صورة في الواقع وثيقة ومفهوما ونموذجا أصليا في نفس الوقت. تشير هذه التمييزات إلى عناصر غالبة في طريقة صنع ومعالجة واستقبال الصورة. عناصر غالبة تميز هذا النوع السمعي البصري أو ذاك، كما هو الشأن في الأدب حيث تميز عناصر غالبة جنسا أدبيا في اختيار تسلسل الكلمات المميزة لهذا الجنـس.

تكـوين الحضـورCARSPECIAUX 172 "MT Symbol" الصورة الوثيقـة

تحدث الأفكار التفكير وتحدث الصور الرؤية. وينتج التأثير الصادم للصورة أولا عن الشعور بالبداهة اليقينية التي تخلقه لدى المتفرج حيث كان يقال بالأمس: هذا صحيح فقد قرأت عنه بالجريدة، بينما اليوم يقال: هذا صحيح، فقد شاهدت ذلك في التلفزة. فالصورة تجعلنا حاضرين وتشكل منا شهودا.

"لماذا تمتلك وسائلنا الإعلامية العصرية هذه السلطة العجيبة؟..." يقدم ج. إلـول J. Ellul تفسيرين لهذا السؤال: أثر الواقع وأثر الكتابة:

"عندما يرى مشاهد التلفزة مظاهرة شعبية وهي تحدث عبـر نقل مباشـر فإنه يلبس عقلية المشارك فيها. وعندما يشاهـد جنودا مدججين بالسلاح يتقدمون نحو مجموعة عزلاء إلا من حجارة ودون درع واق إلخ،. فمن البديهي أنه سيكون مأخوذا بمشاعـر التضامن مع هؤلاء الضحايا المساكين. وسيكون الأمر يقينيا بالقدر الذي نراه به."

يعود الكاتب ليدقق طرحه بملاحظة هي أن أثر الواقع ينحفر أكثر بالفورية وإن كانت هذه الأخيرة في الواقع مزيفة:

"بثت التلفزة الفرنسية خلال المعارك الدائرة بين المسلمين والمسيحيين في أقوى لحظات حرب بيروت، بثت لثلاث مرات نفس المقطع بالضبط من معارك الشوارع بعد حوالي أسبوع من بثه سابقا، مدعية في كل مرة أن الأمر يتعلق بشريط صوره في الحين مصور جرئ بالكاميرا[1]."

المشاهدة والفورية والبث المكثف التي تضفي طابع الكونية والطابع الاجتماعي على الحدث، تلك هي العناصر الكبرى التي تخول للصورة الإعلامية قوتها. فالتلفزة هنا هي الوسيط الكبير بحيث أن المظاهرة الشعبية تجري بقاعة استقبالي، فأنا أسمع الطلقات وأرى الجثث تتساقط في الشوارع وحافلات الشرطة التي ينزل منها رجال مخوذون. أرى خراطيم الماء والدخان. وباختصار فإنني هناك حاضر وقلبي يدق بعنف.

يسمى نوع الصورة الذي يحول المرء إلى حاضـر بالصورة/الوثيقة، ووظيفتها ثلاثية هي: الاعتماد، والوصف، والتورط.

الاعتمـــــاد: إن الرؤية هي عصب الحجة ونقيض الإيمان. وستكون أولى وظائف الصورة هي التأصيل. تلك هي ميزتها الأكثر ثقافية والتي تنتسب بشكل ما إلى الاستدلال. إن إتاحة المشاهدة هي طريقة الإثبات في السمعي البصري.

الوصــف: يتعلق الأمـر هنا بصور كتب الدراسة من صور مخططة ومسطحة، وهي الصور التي تنتسب إلى تفاصيل الكتابة التي لن يقول عنها الفيلسوف غاستون باشلار كلاما طيبا: "إن الصورة المألوفة توقف القوى التخييلية. فالصورة الملقنة في الكتب والمراقبة والمنتقدة من طرف الأساتذة تجمد الخيال."

وأخيرا فإن الصورة الوثيقة تورط، إلا أن هذه الوظيفة الأخيرة لا تحدث من تلقاء ذاتها. فهي تتوقف على المتفرجين إذ ستشعر أم بنفسها معنية أكثر من عازب أمام وثيقة تعرض لاغتصاب طفل. وتتوقف هذه الوظيفة بالخصوص على عناصر الإيحاء Connotation التي تنضاف إلى الوصف الموضوعي للوثيقة.

بإثارتها للرؤية وللأذن أيضا، تكون لوسائل الاتصال سلطة خاصة في تحقيق الحضور واعتماد المتفرج والاستشهاد به. إن تكوين الحضور هذا يتطلب الصور الوثائق الأكثـر تعددا بدون شك ولكن، الأقل سمعية بصرية من حيث أنها ربما أكثر قربا إلى الكتب منها إلى التفخيمات الإلكترونية.

تكـوين الشكـل CARSPECIAUX 172 "Symbol" الصـورة الإيحـاء

ما المقصود بالصورة الإيحاء؟ إنها صورة بـ : 30% موضوعا و70% هالة روحية، أو أنها صورة ذات 30% من العناصر الوصفية أو التمثيلية للموضوع و70% من العناصر الحساسة المحيطة به. وهي عناصر متنوعة تشمل: الضوء، والكتل، والخطوط، والألوان، والتكوين، والحبكة، والجزيء وهلم جرا.

سيتحدث أهل الصورة والمربون برضـى عنه الاصطلاح Dénotation والإيحـاء Connotation. المعني بالاصطلاح هو التعيين المادي للواقع ولموضوع الصورة المركزي بصفة خاصة، فنقول: إن هذا الموجود بمركز الصورة كلب له شعر أبيض، إلخ. وبالإيحاء نعني مجموع السمات التي تؤثر بموضوع الصورة المركزي، وذلك بتخويله معنى خاصا ومؤثرات حساسة. هكذا يكون الكلب المصور في وضع مواجهة لمصدر الضوء ذا فروة متعددة متقزحة[1] بالضوء وهو ما يكسبه صفة ساحرة تكاد تكون أسطورية، فرأسه يقع على يمين الصورة وأرجله في وضع السير على خط طويل أفقي وهو ما يمنح أثر السير إلى الأمام، إلخ.

للصور في وسائل الاتصال صفة غالبة من الإيحاء تهدف إحداث الحد الأقصى من التأثير على المتفرج الذي ينتقل من الأثر إلى الواقع ومن الانفعال إلى موضوع الصورة. لنتجنب الاحتجاج على امتهان المعنى الموضوعي، للواقع. فالمعنى يوجد في الأثر المحدث. عند مشاهدة الكلب الأبيض الملون بنور الشمس وهو يسير نحو يمين الصورة أحس بنفسي أخف ومدعوا للتقدم إلى الأمام. بل ستأجرأ على القول بأن هذا المظهر المنخرط في الكون والمتمثل في الكلب والسير والضوء، والذي يسكن جسدي، هذا المظهر إذن مثار [ضمنيا] في فهم واتجاه معين، ذلك هو معنى الصورة الإيحاء.

إن تضمين الإيحاء في واقع ما - موضوع صورة - هو إعطاءه معنى عن طريق الأثر المحدث. ينظم رجل يرغب في تشريف زوجته حفلة باذخة بمناسبة ذكرى ميلادها الخمسين: اختيار مكان رومانسي ودعوة أصدقاء متعددين، تزيين المنزل، وحضور مصور لتصوير كل شئ، أجهزة تكبير الصوت وال ميلاد هذه المرأة أكثر من مجرد حفلة فرد. لقد كانت بشكل ما حفلة التاريخ الإنساني وحفلة الحب.

الصورة إيحاء: ففي صورة كهذه تصبح الهالة أهم من الشئ نفسه. فهي لا تلونه فحسب، بل تمنحه معنى وبعدا كونيا. في الفن الديني تمنح الهالة الروحية وجه القديسين تماثلا تاما مع ما نعنيه بالإيحاء. فعبر هذه العلامة يتخلد كائن ما ويدخل دائرة المطلق ويصبح مثلا، أي نموذجا واتجاها بالنسبة للجميع. إن الهالة هي الصورة المميزة بالمعنى الأول للامتياز.

استعملنا مع مصطلح الإيحاء مصطلح الإخراج المرتبط بتقنيات المسرح. ويمكن الحديث أيضا عن البث عبر الأثير وهو مصطلح يرتبط بالتقنيات الإذاعية. لماذا لا نتحدث عن تكوين الشكل؟ تعني كلمة شكل حسب قدماء الفلاسفة في نفس الوقت المبدأ الحميمي للأشياء وهيأتها الخارجية. المبدأ الحميمي هو الروح. أما الهيأة الخارجية فهي الرابط بالآخرين والعلاقة بالكل. فالقول بأن الصورة تكون (بضم التاء وكسر الواو)، الشكل هو القول بهذين الشيئين ملتحمين: فهي تمـنح الروح وتموضع داخل المجموع. شخص علماء الاجتماع وملاحظون الوضع الحالي في أننا ندخل عصر الاخبار. أتفق مع هذا التشخيص، شريطـة عـدم قصـر المصطلح على معنى المعلومات والمعارف. فعصر الاخبار هو عصر تكوين الشكل بالمعنى الاشتقاقي لـ داخل - الشكل In-forma [1].

ماذا يضيف الإليكترونيك للصورة - الإيحـاء؟

إن دور الإليكترونيك واضح: فهو يجعل الصورة تهتز ويجعل منها شبكة، وذلك بتعويض الريشة بالشعاع الضوئي والحرف المتمدد على الورق بالموجة التي تهتز. إنه الانتقال الكامل من الرسم إلى التصوير الضوئي ومن الكلام الطبيعي إلى الكلام المبثوث إذاعيا. إن الرسم هو تغطية مساحة بالعلامات وبالألوان بينما التصوير الضوئي هو الكتابة بالضوء. أن تتحدث بشكل طبيعي معناه أن تتوجه إلى جمهور محصور بإيماءات وبكلام. أما الظهور على التلفزة فمعناه أن تجعل شعاعا ضوئيا يهتز على آلاف الشاشات. إن خاصية التفخيم، باعتباره جوهر اللغة الإليكترونية، هو تنشيط الصورة وتحريكها، فكيف يتم ذلك؟ بتضخيم معاملها الحواسي وتوسيع مساحتها وربط المشاهديـن فيما بينهم بشكل شبـه آني.

تفخيـم الخاصيـة الحواسيــة

يتمظهر هذا التحسيس بواسطة الإليكترونيك في صورة الفيديو بقدرما يتمظهر في الصورة المثارة بواسطة الإذاعة.

إن ما يكشف بوضوح عن طبيعة وآلية عمل الصورة الإلكترونية هو كون الصوت الإذاعي يولد ألف بطاقة بريدية وأن 70% إلى 80% من رسائل المينيتيل Minitel كانت عبارة عن رسائل غرامية ذات خيال إباحي بين سنتي 1985 و1989 بفرنسا. "الحب عبر الهاتف" هو عنوان الأغنية التي نالت جائزة الـ Hit-parade (ترتيب الأغاني الأكثر شعبية) سنة 1985. ضحكت للخبر، فأعادني شبان إلى انتباهي قائلين: "إن الحب عبر الهاتف أكثر أهمية منه في الواقع، فلا إحراج هناك، وبالإمكان تخيل الآخر وعمل ما هو مرغوب فيه بحرية في نفس الوقت الذي يظل فيه الآخر موجودا عن طريق صوته." رد فعل مماثل [تلقيته] بالنسبة للغرام عبر المينيتيل: "إنني أشعر بمراسلي بين أطراف أصابعي."، إنه تعبير محير بدون شك بالنسبة للكثيرين، ولكنه مع ذلك مؤكد بالوقائع. وللاقتناع، ليس هناك سوى الاهتمام بالملصقات الإشهارية للرسائل المسماة عاطفية، إذ ينبغي أن يكون هناك أنصار كثيرون حتى يكون من الممكن صرف هذا القدر من المال في الإشهار. ما الذي يحدث إذن من خلال الهاتف والإذاعة والمينيتيل؟

إن آلية العمل بسيطة. فالصوت والنص أو الرسم الذي تحمله لي الموجة الإلكترونية يهيج بقوة جسدي وإحساساتي. كما أنه، على الخصوص، ينشط خيالي الذي يعيد تركيب جسد مراسلي، جسد، بدون شك، حسب احتياجاتي أكثر منه كما هو في الواقع. في هذه الحالة تخلق دائرة تفاعل متبادل على قاعدة الاهتزاز والخيال. إن الإلكترونيك أداة فعالة حقيقية بالنسبة لعلاقات حب معينة! لنتجنب الاعتراض على ابتعاد المراسل، فقد كتب مونتيني Montaigne مسبقا في القرن 16 قائلا: إن "التلذذ والتملك ينتميان بشكل رئيسي للخيال، فهو يحتضن بدفء أكثر وباستمرارية أطول ما سوف يطلبه مقارنة مع ما نلمسه بالفعل أمامنــا[1]."

توسيـع المســاحة

لا يحدد الإليكترونيك الصورة على الدعامات الإشهارية، وذلك عن طريق قدراته المادية فحسب، بل إنه يذهب أبعد من ذلك جاعلا من الفضاء صورة شاسعة. فليست الصورة الآن مجرد شئ نشاهده، بل هي منظرنا الطبيعي وبنيتنا التحتية. ينبغي التجول في الحارات الصاخبة والوهاجة ضوءا بالمدن الكبرى قصد فهم الصورة الإعلامية بشكل كامـل: آلاف أضواء النيون، والإشهارات الضخمة، والحشد الذي يتدافعنا. ضوضاء السيارات والموسيقى والومضات والغمزات. مونتمارتر وتايمز سكوير وغينشا!... ولنزن إذن الأثر الممارس علينا. لسنا نحن الذين نشاهد الصور، بل إنها هي التي تشاهدنا، ونفس الأمر ينطبق على التلفزيون. إن الشخص الذي لا يشاهد إلا نشرة الأخبار وبعض البرامج المحددة في طريقه إلى التحول إلى نوع نادر من البشر. فالتلفزة بالنسبة للأغلبية بيئة وتعرض للتأثير، إنها الهواء المتنفس ونفس الشئ يسري على المذياع. أما عن مسجلة الجيب فحدث ولا حرج.

في هذه الآفاق تفهم عدم إمكانية فصل صورة الشاشة الصغيرة عن هذه الصورة الأخرى الأكثر كبرا المسماة بالصورة المميزة للأشخاص l'image de marque. فصورة وزير ما أو نجم على التلفزة لا تنفصل عن صورته المميزة وعن كل البنيات التحتية التقنية والاجتماعية والاقتصادية التي تمكنه من الظهور على الشاشة. والملصق على الحائط لا ينفصل عن الحملة الإشهارية، كما أن صورة البابا لا تنفصل عن أسفاره. نتيجة ذلك هي مقدار عدم كفاية هذا التحليل المدرسي للصورة حيث تلقن لبعض الطلبة بنية خطوط الصورة الضوئية على طريقة بنية حروف الأبجدية! [1] تشير الصورة إلى نسيج واسع من التأثيرات نتخبط داخلها كسمكة في الماء أكثر مما تشير إلى علامة واقع غائب.

الترابط الداخلي للمشاهدين

عندما يكشف الباحثون عن أن التعاطي للتلفزة يقود المشاهدين إلى تبني أسلوب حياة مشابه لذلك الموصوف في المسلسلات وفي برامج شعبية أخرى، فإنهم يعبرون بذلك عن أن الصورة شبكة وبأنها تخلق التناضج والتنافذ[1]. هناك تناغم بين صورة التلفزة وصور الإشهار وصور الناس المتسكعين في شوارع مدننا، كما لو أن الشارع كان يستنسخ وسائل الإعلام: نفس التلوين المتنافر ونفس الحرية في اللباس، نفس الجرأة في المواقف ونفس التعدد في السلوكات ونفس الاهتمام بالهيأة Look. إننا بعيدون عن الفقر في اللباس وفي لباس الطبقات الاجتماعية لبداية القرن. على غرار المذياع الذي يربط المستمعين بنفس الموجة، تتساقط الصور الإعلامية على رزمات من المشاهدين حيث تنطبع نفس الصورة على مجموعات إنسانية هائلة بسرعة الكهرباء: ET أو Turtle في السينما، نجدها مطبوعة على قمصان T (Tee-shirt) وفي الألعاب وفي الحكايات المصورة Bandes dessinées. وها نحن مبرمجون بـ: ET أو بـ Turtle !

غدا ستوفر تلفزة الدقة العاليةH.D. صورا بحوالي 000 700 جزيئ الصورة مما سيمكن من توفر شاشات ذات حجم كبير. غدا ستغطي الأقمار الاصطناعية والهوائيات المقعرة للبيوت الأرض كلها. غدا ستغدو الصورة شبيهة أكثر فأكثر بنسيج عنكبوت يلف المشاهـد.

سيعترض البعض بأنني تجاوزت في هذه الصفحات حد المعنى الكلاسيكي لمصطلح الصورة لكثرة ما ألبسته الزي الغريب للإليكترونيك. لا يمكن اختزال الصورة إلى التفخيم الإليكتروني وحده، فنقطة الإلحاح هي التالية: تحدث قوة ودائرة الاهتزازات أثر صورة على الجسد، فإذا نظرنا إلى رسم مكشاف للذبذبة Osciloscope سنلاحظ بكل تأكيد أن هناك صورة، أي منحنيات في الارتفاع وفي العمق وعلامات كثافة مماثلة للجسم، كما سنلاحظ تقطعات وتغطيات مماثلة لإيماءات الجسد. أقدم الفرضية التالية: إن رسومات التفخيم هاته تؤثر على الجسد على طريقة الصورة التي تؤثر في الرؤية وبأنها تثير، نتيجة لذلك، ما هو أفضل من صور كتبنا، أي أنها تثير وظيفتنا المتخيلة. إن رسومات التفخيم مثيرات للصور لأنها تعتبر إحساسا بالصور. إنها إعادة اكتشاف الثنائي الذي لا ينفصل: صورة - إحساس. لقد كان لالاند Lalande يعرف الصورة هكذا: "هي تكرار ذهني واهـن، عموما، لإحساس... سبق اختباره[1]."

تكويـن الاستيقـاظ CARSPECIAUX 172 "MT Symbol"الصورة النموذج الأصلي Archétype

إن كل إنتاج ضخم يحمل طابع النموذج الأصلي إلا ويلعب على الصور الأساسية للشيطان وللإله، للنار وللماء، للجنة ولبرج بابل. إن النموذج الأصلي هو المظهر الكوني للدوافع، للحاجيات ولصور الأجداد. هناك في كل كائن اب مختبئ على شكل أسد حام، حكيم على شكل فيل أو سلحفاة وفتى على شكل أيل أو حصان. لكن النموذج الأصلي يغطي أيضا، في وسائل الاتصال، التجارب الإنسانية الكونية الكبرى، وهذه التجارب هي التي سنجد في الدرامات والمسلسلات الصابونية[1] (Soap-operas) اللامعدودة: الحسناء والوحش La belle et la bête، الخوف من الشيخوخة وظهور الشيب، ثم التنافسات العائلية ورحيل الأبناء. إن النموذج الأصلي هو الكوني المنمذج في نجـم وفي وضعيـة.

إذا ظل الإنجيل هو الكتاب الأكثر مبيعا في تاريخ الإنسانية، فلأنه بدون شك متعهد من الكنائس، ولكن ذلك يعود قبل كل شئ إلى كونه يمثل أكبر خزان للنماذج الأصلية الإنسانيـة سواء بالنسبـة لمـواضيـع الصورة أو بالنسبـة للمغامـرات. وقد فهمت جـريـدة France-soir اليومية، التي توزع عددا ضخما من النسخ، هذا الأمر جيدا ونشرت يوميا الإنجيل، بعيدا عن أي دعاية، في حكايات مصورة مشددة على النماذج الأصلية وقصصها المؤنسة مثل شمشون ودليلة، إيزو وجاكوب، إلخ.

لقد عارض الكثير من الفلاسفة والأطباء النفسانيون نظريات س. ج. يونغ حول النماذج الأصلية، فهل هي نظريات صحيحة؟ هل هي ذات قيمة علاجية؟ ليس من مهمتنا مناقشة هذا الأمر، ومع ذلك يبدو لنا أنها توفر تفسيرا سيكولوجيا للظواهر الإعلامية والإلكترونية. من المدهش أن تخصص جريدة كصحيفة France-soir مقالا مطولا ليونغ إبان موته كاعتراف بجميله، معترفة بذلك بأنه أحد مفاتيح نجاحها الشعبي. يبين التفسير اليونغي واقعين أساسيين لوسائل الاتصـال:

1) أن التفخيم الإلكتروني يثير بواسطة مؤثراته النفسية الحواسية هذا الخزان الكبير من الدوافع ومن الصور الذي نسميه نحن المتخيل والذي سيسميه يونغ اللاشعور الجمعي.

2) أن كل النجاحات الأصلية الكبرى، بما فيها تلك المرفوضة أو المهمشة من طرف العلم كالنماذج الأصلية الدينية، نراها تطفو في وعي الشعب.

تبدو آلية العمل بسيطة بحيث أن كل شئ يتم كما لو أن تيار (س) اخترق سائلا داخل آنية، فتضطرب الذرات الهادئة وتصعد الأغبرة المتراكمة في القعر إلى السطح، فتتأسس بذ الصور تعبر عن إنسانيتنا الدائمة. فبعد أن خلدت للنوم فترة تحت رجحان المتطلبات العقلانية والعلمية، هاهي ذي تستيقظ تحت دافع الإله الإلكتروني الصغيـر.

إن هذه الصور التي تحمل النموذج الأصلي هي صور الجمهور وصور المتعة في نفس الوقت. يساند أ. هـوتـر A. Huter مـن جامعة سالزسبورغ Salzbourg القول بأن التلفزيون يعيد إلى الواجهة النزاع القديم بين التلذذ والواجب وبين المتعة والالتزام. فكيف ذلك؟ لا يفعل التلفزيون فعله بواسطة العرض البصري للنماذج الأصلية فقط، بل عن طريق نوع من التحفيز الحواسي أيضا. فهو يمكن من تحريك ولمس وتذوق ما يبديه النموذج الأصلي. فربط الجعة بالرموز الجنسية للانتصاب والقذف يؤدي إلى تنشيط الإحساس بالقوة والحيوية والامتلاء. كما أن ربط نوع من الغسيل بصفاء ثلوج قمم جبال الكيليمانجارو Kilimandjaro يوقظ مذاق المطلق والبراءة الضائعة. وإن هذه المذاقات والحاجات التي يوقظها النموذج الأصلي لا تتقدم للمشاهد كأفكار للتأمل، بل كمتع للاستهلاك. لنأخذ حالة شريط إشهاري للكوكاكولا يظهر الارتماءة الفرحة للشباب في مياه طافحة. توقظ هذه الصورة النموذج الأصلي الفردوسي للثدي الأمومي وللانغماس في المحيطات البدائية. تصاميم فيلمية سريعة ومتنوعة وألوان حارة، إيقاع موسيقي شيطاني وفقاعات منفوخة بالحلم. كل شئ محسوب كي لا يمنح المشاهد أفكارا ولكن إحساسات ومتعة.

لن نحسن التعبير بالسمعي البصري أبدا دون ترك التلوينات والدوافع ذات الطابع النموذجي الأصلي الغارقة في نسيج جسدنا تصعد من أعماقنا. إن التمكن التقني ضروري وكذلك معرفة خدع المهنة. ويتطلب تكوين متخصص جيد الكفاءة في الاتصال تلقينه النهل من الصور والأصوات الكبرى وإن كانت هذه الصور غير متوافقة مع ذاته.

الصـور الجديـدة

كيف يمكن الحديث عن الصورة الإعلامية دون الحديث عن هذا النوع الجديد من الصور التي سميت بالضبط الصور الإلكترونية؟

أقيم بمدينة الفنون والتكنولوجيات الجديدة بمونريال في سنوات 1985 - 1990 معرض كبير تحت عنوان صورة المستقبل. وقد تم الحديث عنه على أساس أنه حدث ثقافي بالنسبة للتطبيقات الفنية للتكنولوجيات الجديدة... "إذا كانت صور المستقبل قادرة على جذب عموم الجماهير... فإن ذلك راجع طبعا إلى كون هذه الجمالية الإلكترونية الجديدة لا تصد عامة الناس كما كان الفن الطليعي يفعل ذلك[1]." إن القول بأن الجمهور يفهم قول خاطئ. إنه يبدو، على الأرجح، تائها. ويفسر هيرفي فيشر Hervé Fisher ، المصمم الرائع للمعرض المذكور، هذا الأمر قائلا:

"إن الأوروبيين أو اللاتينيين مثلهم مثل الكيبيكيين يبحثون دائما عن مضمون نقدي وعن بعد خامس عقلي وعلمي في العمل، مما يولد لدينا الكثير من التردد، والحالة هذه، حول الالتزام الإنساني للفن ومدى توفره على رسالة ما. ويعتبر الكاليفورنيون هذا النوع من النقاش ريفية قديمة... فمادام المنتوج جميلا ومستساغا فإن ذلك كاف إلى حد بعيد. أما بالنسبة لليابانيين فمن المعروف جيدا أنهم يحتفلون بالجمال لذاته... وكون الصور الرقمية les images numériques نادرا ما تكون موعية (بضم الميم وكسر العين) لا يطرح لهم أي مشكل إذ أنهم لا يطرحون حتى السؤال. إن إحدى أكبر النقاشات الدائرة حول أدوات الصور المصنوعة بواسطة التكنولوجيات الجديدة والتي ستكون صورا مرتبطة بثقافة شعبية مبلدة، هو نقاش أوروبي بالتحديد لامعنى له بالنسبة للكثير من الفنانين اليابانيين والأمريكيين[1]."

يشكل هذا التأويل من وجهة نظري المفتاح الرئيسي لفهم الصورة الإلكترونية. فهي صورة لم تصمم بداية ومباشرة من أجل رأس تفكر، ولكن من أجل رضى الجسد وبهجته، وليس من أجل التفكير الصحيح الاتجاه، بل من أجل التواجد في وضع جيد. عندما تكنسنا الحزمة الضوئية للأنبوب المهبطي faisceau du tube cathodique مثل الشاشة، سيكون الفيديو متعة، وإنها لمتعة أن تكون متأثرا. إن تقليد غوتنبرغ الطويل الأمد لدى الأوروبيين ليس متوافقا في راحة مع هذه المقاربة!

ماالذي يميز صور المستقبـل؟

هناك أولا التقنيات التي تصنعها أو التي تحددها، أساسا، الناظمة الآلية التي تمكن من ترقيم الصورة ومن إبداع الصور الجديدة المسماة تركيبية image de synthèse، ولكن هناك أيضا التخطيط اليدوي Holographie الذي يسمح بالانتقال إلى خمسة أبعاد، وأخيرا الضم شبه الطبيعي لانواع الموسيقى الكهـروصوتية Electro-acoustique إلى هذه الصـور.

إلى تقنيات التحليل والصنع هاته، ينبغي إضافة تقنيات النقل والترابطات، وبصفة خاصة الليف البصري واللايزر والموصلات الفوقية Supra-conducteurs التي تسمح بأقصى التعقيد والسرعة، كما تسمح بتضعيف وتفخيم لانهائيين في نفس الآن.

ما الذي تصبحه إذن الصورة القديمة الممدة على صفحات كتبنا تحت وثبة تقنيات كهذه؟ إن الصورة الجديدة بالطبع، وكما تم وصف ذلك سابقا، هي أولا صورة إيحاء وإخراج. ولكن التحويل يباشر فيما بعد في أربع اتجاهـات:

- تصبح الصورة ضوءا أو إشعاعا نشيطا أكثر منها رسما أو صباغـة. يهدف الفنان كريستيان شيس Cristian Schiess بعمله على أنابيب النيون إلى إبداع "ظواهر مضيئة مجهزة بخاصية سحرية معينة." وهو يكتب: "إن فني هو بالأولوية فن ضوء وإشعاع وفن حركـة[1]."

- تصبح الصورة متحركة بمعنى أنها تتحرك وتلمع في ذاتها طبعا، ولكن أيضا بمعنى أن المشاهد يجعلها تتطور وتغير تأثيرها حسب المكان الذي يراها منه وحسب التفاعلات التي يقيمها معها. هكذا ستغير الصورة بالنسبة لمصور فوتوغرافي لونها واقعيا حسب ما إذا كان سيلتقطها على بعد متر أو مترين. أما بالنسبة للمشاهد فإنه يغدو لاعبا أو مبدعا للأوهام وللمفاجآت.

- تنفجر الصورة إلى خمسة أبعاد. ويفجر التخطيط، بخاصة، الأبعاد خالقا الفضاء على مستوى متنوع. للصورة المخططة يدويا أعماق ومظاهر جديدة حسب موقع المشاهد. ويمكن القول بكل دقة أن المشاهد يخلق، عن طريق فعله، عالما جديدا يضم بهذا الشكل إلى الصورة بعدي الزمان والمكـان. "إن الصورة المخططة باليد تغرق آلة التخطيط بالفضاء المحيط وتتمدد أمامه وخلفه، تحته وفوقه وعلى أركانه[1]."

- تستدعي الصورة التنشيط المتبادل Interactivité. ليس المقصود هو التنشيط المتبادل الفكري للتعليم المسنود بالناظمة الآلية حيث يجيب المشاهد على سؤال وهو الأمر الذي لاجديد فيه ولامثير، ولكنه ذلك التنشيط المتبادل المتضمن لمشاركة ولرد فعل حواسي على مؤثرات ضوئية (صوتية احتمالا) التي تبلغ المشاهدين من كل صوب. فالصورة الجديدة تترك مكانا كبيرا للحرية. ولما كانت هذه الصورة هالة روحية أكثر منها موضوعا للصورة ومنظرا أكثر منها رسالة، فإنها تطلب من المشاهد خلق المعنى والمؤثرات النفسية. إن فهم صور المستقبل مشابه في الوضع لجولة في الغابة، فكل واحد يؤول حسب ما يشعر به ولكن أيضا، حسب الطريق التي يتبعها في هذه اللحظة أو تلك. إن التنشيط المتبادل لعبة تفاعل حواسي بالأسـاس.

بالإمكان إغناء رصيدنا الحواسي عن طريق وساطة الأعمال التنشيطية المتبادلة. وقد كتب بيـل باركر Bill Parker، وهو نحات ومهندس يعمل على خلق التناغم بين الفن والعلم، يقول: "إن عملي خليط من النحت وتصميم الرقص chorégraphie أريد من خلاله السيطرة على الألوان والأشكال وامتداد الحركة الشكلية، مع تمكين هذا الخليط من خاصية التحاور مع المشاهـد[1]."

لاشك في اعتيادية استعمال صور كهاته في المتاحف والإشهار والمهن الفرجوية. أما في التكوين والتلقين، فإن الصورة الإلكترونية لاتقود على المستوى النفسي إلى ممارسة التجريد بالنظر إلى مظاهرها اللعبية ludique أو الحواسية. وحتى مع تخطيط دماغي، فإن الصورة تحتفظ بخاصية ملونة واهتزازية تستدعي المتعة. فنعم إذن للصورة الإلكترونية نظرا لخصائصها في التخطيط التبسيطي والتصوير والتضعيف، لكن لا، إذا تعلق الأمر بتنمية سلوكات في المفهمـة conceptualisation والعقلنـة.

من الممكن الاعتقاد بأن إحدى الطرق الكبرى للمستقبل، بالنسبة للتدريبات المعقدة بخاصـة، ستكون هي الإعلام المتعدد multi-média المسير بالناظمة الآلية. ركبت مؤسسة فورد Ford جهاز إعلام متعدد قصد تلقين عمالها الـ 000 40 إصلاح الأعطاب: فهناك من جهة المحرك المطلوب إصلاحه، ومن الجانب الآخر هناك نظام صوتي يمكن من سماع الصوت الصحيح الذي على الجهاز إطلاقه عند إصلاحه. وقد كان رد فعل العمال إيجابيا: "إنه أمر محبوب ومذهـل[1]." لنسجل أن تدريبات كهذه تعتبر تقنية قبل كل شئ: فهي تسمح بربط المتعة بالعمل والتعبير الحواسي بالمهارة اليدوية. فهل يكون إعلام متعدد إلكتروني ما قابلا للتطبيق في التكوين الفكري والمدرسي؟ يمكن الشك في ذلك إذ إنه لا يحمل على التجريد.

كتب باشلار Bachelard يقول: "إن اللغة تتطور عبر صورها أكثر مما تتطور عن طريق مجهودها الدلالي." انطلاقا من اعتبار صور المستقبل يمكن القيام بالتعليق التالي: إذا أردتم فهم تطور الصور فاقصدوا الفنانين وليس الأساتذة.

إن المتخصص في الاتصال بالصور الإلكترونية شخص مثير للفضول! فهو قبل كل شئ كائن ذا خيال حي، شخص يعتبر التماثل أكثر أهمية من التفكير الاستدلالي، وهو أيضا قادر على بث ما يراه وما يحسه. الصورة بالنسبة له اندفاع للضوء وللخطوط اساسا وليست تعلما تفك رموزه. مرتاح داخل المنظر العام للأشياء أكثر منه في تفاصيلها فهو مبدع للفضاء. صحيح أنه يعرف كيفية تشغيل الكاميرا وتقديم تشخيص للواقع من أجل رضى الجمهور، ولكنه يتلقى الإلهام والرؤية من عمق ذاته قبل كل شئ متلذذا بذلك. إنه يسقط ما ينعكس بداخله عبر وساطة التقنيات الإلكترونية. هكذا يكون مبلغ الصور واهبا للروح ووسيطـا.

- تكوين الصورة (La mise en image) مفهوم دقيق المقصود به تكثل الموضوع تخييليا على شكل صورة تلقائية الانبثاق بالتخيل الباطني قبل إخضاعها للتخطيط الذهني التجريدي، لكن هذه العملية لا تتم حسب المؤلف إلا بعد التحفيز الذي تقوم به الصورة السمعية البصرية المصنعة والتي تصنع كي تكون الصور Mettre en image. إنه نوع من التوليد التكويني، لذا وجب التنبيه إلى أننا اخترنا من بين عدة إمكانيات مصطلح التكوين بمعناه التوليدي كما هو متعارف عليه في السيميائيات المعاصرة عموما (تمازج بين البنيوية التكوينية وآليات اشتغال التخيل في علم النفس). (المترجـم).

 

- In p. 4 de l'article de J. Ellul, déjà cité.

- Idem., p. 5.

- Gaston Bachelard, L'air et les songes, Essai sur l'magination du mouvement, éd. Corti, 1987.

- متقزحـة: متعددة الألـوان. (م).

- لقد سبق أن شرحت هذه المقاربة في: L'ère de la communication, Réflexion chrétienne, éd. du Centirion, Paris, 1986, p. 11/21.

- Montaigne, Essais III, 9, Galli inistery of Education, Ontario, Canada, 1989, p. 30.

- André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, P.U.F., Paris, 1960, p. 464.

- Soap. operas: المقصود المسلسلات التي تعالج المشاكل المنزلية والعائلية بأسلوب تستهدف به الجمهور العام. ومن ثم، بساطة الأدرمة وكثرة المسوغات والإيقاع السريع الممطط، مع ذلك، للتشويق وللخيط الدرامي. الصابون هنا رمز للمالوف والمبتذل من المشاكل الواقعية بكل بيت. (م).

- In Pixel, n° 2, 1989, Paris, p. 25/26. Propos recueillis par Michel Corbon et JoCARSPECIAUX 235 "Times New Roman Euro" l Laroche.

- Interview personelle de Hervé Fisher à Monréal, Juillet, 1989.

- In Images du futur, Cité des Arts et des Nouvelles, Technologies de Monréal, p. 79.منذ سنة 1986 والمعرض الدول"صور المستقبل"، يشكل الحدث الثقافي لفصل الصيف بمونريال، الذي يشخص التطبيقات الفنية للتكنولوجيات الجديدة. ويعد هرفي فيشر مؤسسه مناصفة مع جينيت ماجـور . G. Major.

- Idem., p. 65, dans un article intitulé "Thématique de l'holographie d'art américaine".

- Idem., p. 77.

- Idem., p. 77.

- Op. Cit., voir p. 285.

 

 

 

موارد نصيـة

بيير بابان

لغة وثقافة وسائل الإعلام

المحتــوى

الفصل الأول: الإحساس أولي

الفصل الثاني: الأسبقية للخلفية

الفصل الثالث: الأدرمـة

الفصل الرابع: تكويـن الصـورة

الفصل الخامس: تكوين الحكاية

الفصل السادس: التلعيب

الفصل السابع: المـزج

الفصل الثامن: منطـق آخـر

خاتمــة

 

 

جماليـــات صالـون الكتابـة

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.