الكاتبة والأديبة
(زينب حفني) واحدة من المثقفات السعوديات اللاتي استطعن أن يتفوقن
ويتميزن في تجربتهن الصحافية والكتابية. وهي خريجة كلية الآداب بجامعة
الملك عبدالعزيز في جدة، عملت في الحقل الصحافي، وأصدرت عدة مؤلفات في
النثر الشعري والقصة القصيرة والرواية، ومن ضمن أعمالها الأخيرة مجموعة
قصصية بعنوان: (هناك أشياء تغيب)، كما تكتب مقالاً أسبوعياً في صحيفة
الشرق الأوسط اللندنية منذ عام 1999م، وقد جمعت بعض هذه المقالات في كتاب
بعنوان: (مرايا الشرق الأوسط).
تلتقيها (إيلاف) في
حوارٍ يطل على تجربتها الكتابية، ويناقش إشكالية المرأة العربية ودورها
الثقافي.
***
س: لماذا أصبحت المرأة في
مجتمعاتنا العربية محطاً لنقاشات طويلة وعريضة، حيث طرحت حولها العديد من
الإشكاليات بين مؤيد ومعارض؟ وهل ستستمر مثل هذه الحالة الجدلية؟
نعم ستستمر هذه الحالة
الجدلية!! العلاقة الشائكة بين الرجل والمرأة، قضية أزلية وليست وليدة
الحاضر. والمرأة اليوم في حالة شد وجذب، فهي تريد تحقيق ذاتها بعد أن
دخلت مضمار الحياة العملية، وفي نفس الوقت تحاول نفي التهم اللصيقة
بشخصها، بأنها أهملت أدوارها الأساسية في رعاية الأسرة وتربية النشء
وتهيئته لقيادة المستقبل. كما أن المغريات الحياتية التي تحاصر المرأة من
كافة الاتجاهات، وارتفاع نسب الطلاق، والتي أصبح بعض الرجال يلوّح بورقة
الطلاق في وجه المرأة لإخضاعها لأهوائه، وتدهور الأوضاع الاقتصادية في
العالم العربي، بجانب التربية الخاطئة التي ينشأ عليها الأبناء داخل
البيت، من خلال التفرقة بين الولد والبنت، والتعامل مع البنت بدونية، مما
أدى إلى تضخيم الأنا داخل الرجل الشرقي، كل هذه العوامل مجتمعة ساهمت في
اتساع الفجوة بين الرجل والمرأة. لذا لا بد أن يتربى الطفل الذكر على أن
المرأة تمثل نصف المجتمع، تشاركه أفراحه وأتراحه، وأنها كائن وليس مجرد
جسد مسخر فقط لمتعته. إنني أدعو دوماً من خلال مقالاتي إلى بناء شخصية
المرأة منذ الصغر بزرع الثقة في نفسها، وعلى توسيع مداركها، وتثقيف
فكرها، مما يجعلها قادرة مستقبلاً على الاستقلالية برأيها فيما يخص
حياتها، وتكون أكثر دراية وحنكة في التعامل مع مستجدات الواقع.
س: كيف تقيمين دور المرأة
الثقافي في العالم العربي بشكل عام وفي منطقة الخليج العربي بشكل خاص؟
وهل هو في حركة اضطرادية أم تراجعية؟
لا أعرف ماذا تقصد
بسؤالك!! إذا كنتَ تقصد المرأة العربية بصفة عامة، أعتقد أنها بالرغم من
حصولها على حقوقها السياسية والتعليمية في العديد من البلدان العربية،
إلا أنها تقهقرت اجتماعياً وفكرياً، وهذه للأسف حقيقة لا يمكن إنكارها.
انظر حولك ستجد أن المرأة أصبحت تستغل أسوأ استغلال، وعادت أسواق النخاسة
بثوب عصري من خلال الإعلانات التلفزيونية، والبرامج الغثة المضمون،
والأفلام الهابطة، بجانب ما يجري خلف الأبواب المغلقة!!
أما إذا كنت تقصد المناخ
الثقافي الحالي!! فهو مكبّل مقارنة بالخمسينات والستينات، والجسور
الثقافية بين المثقفات العربيات من جهة، والمثقفات في منطقة الخليج
العربي من جهة أخرى، ما زالت تتخللها ضبابية في الرؤيا، نتيجة سيطرة
الشللية والعلاقات العامة على جو المحافل الأدبية والمعارض الدولية،
والذي حال دون استمرارية التواصل بين المثقفات العربيات. ولا تنسى بأن
المجتمعات الخليجية تختلف تركيبتها بعض الشيء عن المجتمعات العربية
الأخرى، بسبب الطبيعة المحافظة التي تحكم المناخ الاجتماعي. كما أن
الظروف التي تحيا فيها المثقفة الخليجية وتحديداً السعودية تعيق حركتها
نتيجة للاعتبارات الأسرية التي لا تستطيع الخروج عنها، إضافة إلى الإعلام
بأقسامه المختلفة الذي ما زال مقصّراً في إلقاء الضوء على إنجازات المرأة
الخليجية المثقفة.
س: يحتكر الرجل التنظير
والتوجيه للمرأة في كل شؤونه وشؤونها. ما مدى مصداقية هذه المقولة في
رأيك؟
هناك مقولة للأديبة مي
زيادة "أيها الرجل حررني لكي تتحرر". الرجل في معظم أرجاء العالم العربي
مقهور اقتصادياً وسياسياً وإن كان يتمتع بحقوقه الاجتماعية نتيجة عادات
وتقاليد موروثة، أباحت له العبث بحقوق المرأة. هذه الضغوط النفسية جعلته
يفجر دواخله في وجهها، من خلال الورقة الوحيدة التي يملكها، وأقصد ورقته
الاجتماعية، مما يفقد المرأة توازنها الفكري، ويضطرها هي الأخرى إلى دلق
أفكارها المشوشة على أبنائها، فتنشأ على المدى البعيد أجيال معاقة فكرياً.
القضية يا أخي الكريم
تتمثل في إعادة ترتيب الأوراق من جديد، باحترام كل طرف خصوصية الطرف
الآخر، وعدم تجاوز الخطوط الحمراء التي تنال من آدميتهما على حد سواء،
وتعوّد الطرفين على مبدأ الحوار والمشاركة.
س: من خلال تجربتكِ
الكتابية، ما هي أهم المعوقات التي صادفتك في مشواركِ الثقافي والمتعلق
بالنشر والكتابة؟
أي كاتب يحلم في بداية
مشواره الكتابي أن يجد لقلمه مساحة ولو ضئيلة على صفحات جريدة أو مجلة،
وقد عانيت كما عانى غيري من أجل تحقيق هذا الحلم. بدأت الكتابة في سن
مبكرة بأسطر طفولية، وعند سن المراهقة نشرت العديد من النصوص الوجدانية
على الصفحات المخصصة للهواة في المجلات المتنوعة المضمون. دخلت فعلياً
عالم الكتابة من بوابة الصحافة، وقمت بعمل العديد من التحقيقات الصحافية،
والتي للأسف نُسبت نتائجها إلى غيري من الصحافيين الرجال، مع هذا لم
أيأس، بل دفعني كل هذا إلى المزيد من التحدي، ثم قررت تطليق الصحافة رغم
عشقي الكبير لها، لكنني لم أتخلَّ عنها نهائياً، وأكملت طريقي من بوابة
الكتابة الصحافية الأسبوعية، كون عالم الصحافة بالنسبة للصحافية السعودية
ما زال مقيداً، لقناعاتي المطلقة بأن الصحافة الحقيقية تلك التي تولد في
الميادين العامة، والصحافية السعودية بحكم انتمائها لمجتمع شديد الخصوصية
ما زالت معظم نتاجها محصور في تغطية النشاطات النسائية، والتحقيقات
الأخرى معتمدة مصادرها على الفاكس، مما يفقد التحقيقات الصحافية نبض
التفاعل مع الحدث القائم. تعرضت لصدامات كثيرة مع بعض الفئات داخل
مجتمعي، بسبب مضامين بعض قصصي ومقالاتي، كونها من وجهة نظرها تجاوزت
بجرأتها الخطوط المسموحة. لكن على النطاق الأسري أعتبر نفسي محظوظة لأنني
أنتمي لأسرة جميع أفرادها يتمتعون بفكر مستنير، ساندوني وشجعوني على
المضي قدماً في مشواري الكتابي، ومنحوني الحرية المسئولة.
س: ما هي النصائح التي
تقدمها زينب حفني للمرأة التي ترغب أن تكون كاتبة أو مؤلفة؟
كل أشياءنا الحميمية في
حياتنا ندفع مقابل إستمراريتها أثماناً باهظة، والإنسان وحده هو الذي
يصنع نجاحاته، وهو أيضاً الذي يحصد ثمراتها. الكتابة ليست قراراً
عشوائياً يتم تطبيقه بين يوم وليلة، إنها رحلة مشقة ومعاناة تبدأ مع
سنوات العمر الأولى، وعلى المرأة التي تحس بجنين الموهبة يتحرك في
أحشائها أن تغذيه بالقراءة، والجلوس ساعات مع الكتاب للتزود من روافد
المعرفة المتباينة، التي تعتبر الزاد الحقيقي لأي كاتب رجلاً كان أم
امرأة. وأن تنمي في دواخلها نزعات العزيمة والإرادة، في عالم غرائبي يرفض
تعرية الحقائق، وفي نفس الوقت ينظر بحذر للمرأة الكاتبة كونها تلعب مع
مجتمعها لعبة "تحاورية العقل" واسمح لي بهذا التعبير. وأن لا تلتفت
للمهاترات التي تجري من خلفها، وأن تضع نصب عينيها أهدافها التي رسمتها
لنفسها، ستصل في النهاية لمرادها.
ـــــــــــــــــــ
عن
إيــلاف
|