زينب حفني:

نساء «مسترجلات»!!

 
 

 

اختير اليوم الاول من فبراير في كل عام، ان يكون «يوم المرأة العربية». وهذا العام اهتم المؤتمر، مثل سابقيه بالتركيز على ضرورة تهيئة ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية تلائم المرأة العربية العصرية. والسؤال الذي يردده الكثيرون من الجنسين عند اقامة كل مؤتمر نسوي.. هل نجحت المؤتمرات في تذليل الصعاب التي تواجهها المرأة العربية داخل مجتمعاتها؟! هل بالفعل ساهمت البنود التي يتم وضعها، في تحسين وضع المرأة في بلدها؟! أم أن كل المقترحات داخل أروقة المؤتمرات لا تتجاوز في ردود أفعالها، قيمة الحبر الذي أهدر في كتابة بياناتها؟! وهل التهاون في تطبيق المقترحات، تقع مسؤوليته على المسؤولين المشرفين على تنفيذها؟! أم ان كافة الافراد داخل المجتمعات تقع عليهم المسؤولية الكبرى؟! وهل من الممكن فصل الصورة القاتمة التي تحيا فيها المرأة العربية اليوم، عن التردي الفكري والاقتصادي والاجتماعي، الذي يعد نتيجة حتمية للأوضاع السياسية المتأزمة داخل الأقطار العربية، التي أصبحت تعيش على قنابل موقوتة؟!

هل من الاجحاف القول بأن المرأة العربية، وحدها التي تعاني من هذه السلبيات القاتلة معنويا، ام ان الرجل العربي صار ايضا يدور في ساقية البطالة، ويتجرع من كؤوس الفقر الذي ارتفعت شعبيته في مجمل البلدان العربية؟! هل تقييد ادوار المرأة بحجة انها مخلوق هش، غير قادر على تحمل المسؤوليات الجسام، جعلها تستسلم طواعية لوضعها؟! أم ان المرأة تتحمل جزءا من هذا الاثم، كونها استسلمت لمصيرها الذي كبلها فيه المجتمع، دون ان تحاول كسر القيود المفروضة عليها، والمطالبة بحقوقها التي اندثرت تحت اغطية الاعراف والتقاليد الذكورية، التي توارثتها الاجيال؟! ام ان المجتمع برجاله ونسائه يقع عليه الوزر الاكبر، من خلال تأييدهم للادوار الثانوية الموكلة للمرأة، ودفعها على القبول بنصيبها الضئيل من «قالب حلوى» المجتمع؟! واتذكر هنا عبارة جميلة تحمل مضمونا ساخرا للأديب الايرلندي جورج برناردشو «لا تحاول ان تغير فكر المرأة.. فتحرمها بذلك متعة تغييره من تلقاء نفسها!!». فهل فقدت المرأة في عالمنا العربي متعة تغيير واقعها!!

في حادثة نادرة في المجتمعات الاسلامية، صرح رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد، بأنه يفضل تعيين النساء في المناصب العليا لأنهن اكثر كفاءة من الرجال، متابعا بأنه يعتمد على الكفاءة وليس على نوع الجنس!! هذا القول الذي ادلى به رئيس الوزراء الماليزي، يعكس حالة نادرة في التاريخ الاسلامي المعاصر عامة وفي العربي خاصة، حيث ان الاغلبية اليوم لا تقر بتفوق المرأة على الرجل، بل هناك من يستهين بقدراتها، ويستخف بانجازاتها، وان من تقحم نفسها في مواقع مقتصرة على عالم الرجل، تنعت «بالمرأة المسترجلة»، كأن النبوغ والتفوق العلمي من خصائص الرجل فقط!! والشيء الآخر الذي أثار دهشتي سلبا صورتان، احداهما في مصر، من خلال المؤتمر الذي عقد عن المرأة المبدعة في العام الماضي، من اجل تذليل الصعاب الموضوعة امام المرأة لكي تنتج، حيث اقترحت واحدة من الناقدات، منح جائزة خاصة لكل رجل يُقدم الدعم للمرأة المبدعة، ويتيح لها الفرصة للتميز والابتكار، وقد تساءلت حينها ان كان هذا الاقتراح يعني بالفعل مساندة المرأة في نتاجها الابداعي او الفكري، ام انه تأكيد على ان المرأة لا تقوى على الصراع بمفردها دون عون الرجل!! أليس هذا بخسا في حق ملايين النساء اللاتي استطعن الصمود بمفردهن، ودفعن اثمانا باهظة من اجل قلب عجلة التاريخ لصالحهن، دون ان ينتظرن أيدي ذكورية تأخذ بأيديهن وتدلهن على طريق النجاح!! ألا توجد نساء وقفن بجانب ازواجهن ليصبحوا رجالا عظماء؟! الا يعطينا صمود المرأة الفلسطينية داخل الاراضي الفلسطينية، صورة مضيئة لقدرة المرأة العربية على الصمود من اجل تحرير وطنها؟!

الصورة السلبية الاخرى، كانت في الرياض بالسعودية، حيث قام مركز سعود البابطين الخيري للتراث والثقافة، بعقد دورة للسعوديات عنوانها «كيف تحافظين على الزوج الأخير»، ويدور مضمونها حول كيفية المحافظة على الزوج وعدم التفريط فيه مهما اشتدت المشاكل، فربما يكون الزوج الاخير!! لقد عقدت الدهشة لساني، وبدل من ان يكون مضمون الدورة تعريف المرأة بحقوقها التي اقرتها لها شريعتها، يلقنونها كيف تتنازل عن حقوقها في سبيل عدم اللحاق بركب المطلقات، والتلويح بشبح الوحدة في وجهها، حتى لو ادى الامر الى جرح كرامتها والدهس على آدميتها من زوج لا يراعي الله في تعامله معها!! ولا ادري ما المشكلة في ان يكون هذا الزوج فرصتها الاخيرة!! لماذا تعتبر المرأة نفسها خاسرة اذا فقدت زوجا غير صالح!! كنت اتمنى ان تسعى هذه الدورة الى نزع آفة الخوف من اعماق المرأة، وتزرع مكانها الثقة بنفسها، وتشجيعها على عدم الاستسلام لحياة تخلو من المودة والرحمة التي تقوم عليها دعائم الحياة الزوجية. كنت اود ان تغرس نبتة التحدي في دواخل المرأة، من خلال تعليمها كيفية مواجهة واقعها، والعمل على تغيير دفة المستقبل لصالحها، بسلاح العلم والمعرفة.

في دراسة اجريت مؤخرا في بريطانيا على «الزوج المنزلي»، وهو لقب يطلق على الزوج الذي يترك عمله ويتفرغ لشؤون البيت وتربية الاطفال، ظهر أن هذا النوع من الازواج معرض لأخطار الاصابة بأمراض القلب بنسبة %28 مقارنة بالرجال العاديين الذين يحيون حياة طبيعية، وهذا الامر يعود حسب رأي الخبراء الى الضغوط التي يواجهها الرجل اثناء مهماته داخل البيت. أليست هذه الدراسة دليلا على قدرة المرأة على تحمل اعباء الحياة!! فكيف إذن الحال بالمرأة العربية المعاصرة اليوم، التي ترعى شؤون بيتها وتربي اطفالها وتشارك الزوج اعباء الحياة بالخروج الى معترك الحياة العملية!! أليس في كل هذا ما يدعوها الى التشبث بحقوقها ومعرفة ما لها وما عليها!!

جميل ان تعقد المؤتمرات، وتقام الافراح والليالي الملاح عند ختام كل مؤتمر، لكن القضية لا تنتهي بوضع البنود كما هو حادث في عالم السياسة، ومسؤولية تغيير واقع المرأة نحو مستقبل مشرق يبدأ من دواخل كل امرأة مهما كان وضعها في المجتمع، وذلك بسؤال نفسها.. هل بالفعل اطمح الى ان اكون عضوا فعالا في مجتمعي؟! هل أنا بالفعل اسعى لأن اكون مربية واعية لأجيال الغد؟! هل أقدر بالفعل على ان اسجل علامة بارزة داخل وطني؟! وبعدها سيكون لكل حادث حديث!!

8/2/2003

 

 

موارد نصيـة

زينـب حفنـي

مقــالات

المحتــوى

المرأة العربية تقهقرت اجتماعيا وفكريا (حـوار)

المثقف.. أصل وصورة!!

لعبـة الغمـز.. ولعبـة  الحبس

الإعلام والمقامرة بالأحلام

حكاية عقلة الإصبع

الشباب بين اللصوصية والشرف

فلتسقط الحرية.. ولتحيا العبودية!!

أكذوبة الإعلام العربي

المرأة وصخب الهتافات

السعـادة.. وقفص الذهب

بين الممكن والمستحيل

نساء "مسترجلات"

ما هو القادم وسط الغيوم؟

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.