زينب حفني:

حكاية عقلة الإصبع

 
 

المثل الشعبي القائل «إذا وقعت البقرة كثرت سكاكينها» تنطبق بالفعل على أحوال العرب والمسلمين هذه الأيام، فإذا وقع زلزال في مكان ما، قيل: المسلمون خلفه. وإذا حدث فيضان في بقعة ما، قيل: العرب وراءه! ويظهر أن مارجريت تاتشر، رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، اعتقدت ان المسلمين السبب في إصابتها بالأزمة القلبية، فما أن تعافت من مرضها حتى أطلقت تصريحاتها النارية في حق الإسلام، مطالبة الرئيس بوش بمواجهة الإسلاميين، لأنهم من وجهة نظرها خطر على الحضارة الغربية، مشبهة الإسلاميين بالبلشفيين في الاتحاد السوفيتي السابق، الذين كانوا يشكلون خطرا على النظام الرأسمالي حتى انهارت الشيوعية داخليا، وكانت كذلك قد اتهمت بعد أحداث 11 سبتمبر علماء المسلمين بأنهم لم يدينوا هذه الهجمات بنبرة قوية!! ربما أرادت تاتشر لفت الأنظار إليها بعد أن أضحت في بؤرة النسيان، كعادة الكثير من الساسة الذين يحاولون تحريك الأضواء ناحيتهم بعد انتهاء أدوارهم، وانفلات الكراسي من تحتهم، مما يجعلنا نلتمس بعض العذر لها احتراما لشيخوختها ولحنينها لأيام مجدها!! لكن الذي يبعث المرارة قيام وزير العدل الأمريكي جون اشكروفت بنعت الإسلام بأنه «دين يطالب الله فيه الشخص بأن يرسل ابنه الى الموت من أجله، بعكس الدين المسيحي الذي أرسل الله فيه المسيح للموت من أجل الناس»!! المعهد العربي الأمريكي قام ببعث رسالة احتجاج الى الرئيس بوش يطالبه بعزل وزير العدل أو التراجع عن أقواله، مما يسجل نقطة ايجابية جديدة في حق المنظمات الخاصة التي أثبتت مواقفها الفعالة، خاصة في مؤتمر العنصرية الذي أقيم العام الفائت في ديربان بجنوب إفريقيا، حيث نجحت هذه المنظمات في إثبات عنصرية اسرائيل والصاق صفة الصهيونية بها، بعد تخاذل الجهات الرسمية العربية في التشبث ببنود الوثيقة المكتوبة، وهشاشة الساسة العرب في مواجهة الوقائع الجارية!! لقد أصبحنا للأسف لقمة سائغة يلوكها كل من يملك أضراسا قوية، ولا ادري لماذا تقف أمتنا العربية مكتوفة الأيدي تجاه سلسلة الإهانات التي تنصب عليها كل يوم! هل هذا يعود لإدراكها أنها أضحت مقعدة، عاجزة، لا حول لها ولا قوة؟! بالتأكيد هناك حالة من الإحباط صارت تخيم على المجتمع العربي، وغيوم من اليأس أصبحت تحوم في الفضاء العربي، وشاعت عبارات المستحيل وغير الممكن في الشارع العربي، وارتسمت ملامح الهوان والضعف على الوجوه العربية، لكن هذا لا يعني أن ينتظر العرب والمسلمون النجدة من الآخرين لتطبيب جراحهم، أو الجلوس القرفصاء في منازلهم، وإرهاف سمعهم لطرقات الأبواب، لتذوق اطباق التمر الممزوج بالعسل المحمولة إليهم من منظمات حقوق الإنسان، التي تندد دوما بالعنصرية، وبالانتهاكات الحاصلة في دول العالم الثالث، فقد أثبتت الحقائق أن الأمر عندما يرتبط بحقوق العرب والمسلمين يأخذ منحى مغايراً!! لكن الأمل يظل متجها نحو المنظمات والمؤسسات العربية القائمة في الخارج، التي بإمكانها فعل الكثير، بان تسعى من خلال مواقعها المستقلة في تحسين صورة العرب والمسلمين، والمطالبة بوقف سلسلة الاتهامات الجوفاء التي تطلق بين حين وآخر في حق أمة العروبة، كونها دليلاً على العنصرية وانعدام مبدأ المساواة بين كافة الشعوب، والتي ستؤدي حتما إلى نتائج وخيمة في تأجيج النزعة الدينية والعرقية داخل المجتمعات الغربية.

أتذكر ونحن صغار كنا مغرمين بقراءة قصة عقلة الإصبع والمارد الجبار، وعلي بابا والأربعين حرامي، وكيف تغلب كل منهما على عدوه. هاتان القصتان أعطتا ردود فعل عكسية، جعلت المجتمعات العربية تعتقد أن طول القامة سلاح فتاك من الصعب على صغير القامة الوقوف في وجهه، نسيت أن هناك أسلحة أخرى كثيرة تقضي على أعتى الجبابرة، متمثلة في الفكر الواعي، والعقل المتقد، وان القامة القصيرة ليست عيبا إذا لم يجعلها صاحبها عقدة تكبر في أعماقه وتشل تفكيره! أما علي بابا فقد أصبح في العالم العربي ملايين على مثيلة علي بابا، في إباحة سرقة المال المسروق والسير في موكب الأغلبية!! العيب ليس في مضمون أدبنا العربي، ولكن العيب في عدم تعليم الشباب العربي المسلم كيف يعبرون للضفة الأخرى بحنكة ودراية، إذا اكتشفوا أ الأرض التي يقفون عليها قاحلة لا تنفع للعيش الآدمي، وستؤدي مع مرور الوقت الى انتشار الأوبئة التي ستسرع بهلاكهم.

لا يمكن ان يحترمنا العالم ما دام المثقفون العرب من أصحاب المواقف، والمفكرون والأدباء في العديد من البلدان العربية والإسلامية، لا يلتفت احد لطروحاتهم الفكرية، ويستهان بأقلامهم، ويتعامل المسؤولون معهم كما يتعاملون مع أطفالهم، بتركهم ينفثون عن دواخلهم ويخرجون ما في صدورهم، حتى لا يحدثوا جلبة وضوضاء في أوساط مجتمعاتهم، ويقلبوا الطاولة عليهم!! لا يمكن أن نرغم العالم على التعامل معنا بندية، طالما هناك مسؤولون داخل البلدان العربية، يلقون بمطالب أفراد مجتمعاتهم في اقرب مرحاض ويسحبون الماء عليها، لتصبح في خبر كان!! لا يمكن ان يقدرنا العالم، وهناك من الساسة من يرتدي ثوب النزاهة والشرف ويشن الحملات على الفساد والظلم والاستبداد، وتفوح من بدنه كل هذه العفونة المسمومة!! كيف يمكن رسم خريطة المستقبل، والمؤرخون العرب والمسلمون يتجادلون في ما بينهم عمّن ستصبح القوة العظمى في المستقبل؟! وهل سيكون هناك قطب واحد، أم قطبان، أم خمسة أقطاب، دون ان يشغلوا أدمغتهم ويضعوا خطة مستقبلية تدفع العالم العربي والإسلامي إلى الأمام ليجد له مكانا بارزا بين الأمم المتحضرة، أو يحاولوا التفكير بعمق في السبل الممكنة للخروج من هذا النفق المعتم!! ليت الأمة العربية والإسلامية تنجح في تحقيق جزء ولو يسير من هذه المطالب، لحظتها تستطيع الاعتراض بشجاعة على كل من يحاول النيل من وحدتها وعقيدتها، أما اذا ظلت الأحوال على ما هي عليه، فيجب أن يتحمل الجميع التهم التي تنهال عليهم من كل حدب وصوب، فما أسهل الصفعات على أصداغ مجتمعات تبلدت حواسها منذ أمد بعيد.

 

 16 /2/2002

 

 

موارد نصيـة

زينـب حفنـي

مقــالات

المحتــوى

المرأة العربية تقهقرت اجتماعيا وفكريا (حـوار)

المثقف.. أصل وصورة!!

لعبـة الغمـز.. ولعبـة  الحبس

الإعلام والمقامرة بالأحلام

حكاية عقلة الإصبع

الشباب بين اللصوصية والشرف

فلتسقط الحرية.. ولتحيا العبودية!!

أكذوبة الإعلام العربي

المرأة وصخب الهتافات

السعـادة.. وقفص الذهب

بين الممكن والمستحيل

نساء "مسترجلات"

ما هو القادم وسط الغيوم؟

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.