زينب حفني:

بين الممكن والمستحيل!

 
 

يقول المفكر العربي زكي نجيب محفوظ، ان هناك خيطاً رفيعا يفصل بين الحرية والتمرد، مثل تمازج النور والظل اللذين يصعب على الإنسان التمييز بينهما من بعيد!! وان الناس في هذا العصر أصبح يختلط عليهم مفهوم الحرية وحدودها!! ومع احترامي لآراء مفكرنا، إلا أنني أرى أن التمرد تعبير إنساني فطري، وأنه شكل من أشكال الاحتجاج على الظلم الذي يلحق بالإنسان على مر الأزمنة، ونوع من الاعتراض الايجابي على السلبيات الحاصلة في كل مجتمعات الدنيا، وان الشعوب لو لم تستخدم ورقة التمرد لكي تغير حاضرها، لما تقدمت الى الأمام، ولما حصلت مجتمعات على حريتها، ولما نالت بلدان استقلالها.

في القرن السابع عشر الميلادي، نشطت تجارة العبيد، حينما كان تجار الرقيق الأوروبيون يقومون بخطفهم من إفريقيا السوداء أو بشرائهم مقابل ألواح من الحديد والنحاس، وبيعهم للإقطاعيين في أرجاء أوروبا، وكانت نسبة الوفيات بين العبيد أثناء رحلة الإبحار تصل إلى عشرين في المائة. هذا التاريخ المأساوي الذي تجرع السود مرارته على مدى قرون، والذي يعتبر وصمة في تاريخ البشرية، استطاع السود محاربته، بالتمرد والعصيان على الأنظمة العنصرية البغيضة، التي كانت سارية في تلك الحقب، حتى نجحوا في الحصول على حقوقهم، بعد أن ضحى الملايين منهم بحياتهم من اجل الأجيال القادمة. مع هذا ما زال الكثير من الأوروبيين والأمريكان الذين يعودون الى أصول افريقية، يتعرضون لأشكال مختلفة من التفرقة العنصرية، وتشهد بهذا العديد من الحوادث التي يقوم الإعلام على اختلافه بنشرها بين فينة وأخرى، إلى جانب افتقار أحياء السود للمشاريع التنموية، واتساع الفجوة بينهم وبين البيض، حيث ان أغلبيتهم غارقون في مشاكل الفقر والمخدرات والجريمة. ومن الذين خلد التاريخ اسمهم، زعيم السود، مارتن لوثر كينج، الذي طالب بمساواة السود بالبيض في حقوقهم المدنية داخل أمريكا، والذي دفع حياته ثمنا لمواقفه النضالية على يد رجل أبيض متعصب. وقد احتفلت مؤخرا الولايات المتحدة الأمريكية بذكرى اغتياله، بعد ان جعل الكونجرس الأمريكي ذكرى وفاته عطلة فيدرالية، مما يؤكد أن النضال حق مشروع لكل إنسان، وان التاريخ يحترم نضال الأفراد، وان التمرد سمة صحية لكل شعوب الأرض، خاصة أن تاريخ الشعوب على مدى التاريخ ملتحم بالأوجاع والمآسي، ولولا سعي الإنسان لتغيير واقعه نحو الأفضل لظلت المجتمعات على تخلفها وبدائيتها!! مما يعزز بأن لا يأس مع الحياة. وهناك حكمة جميلة للشاعر الهندي طاغور تقول.. «سأل الممكن المستحيل.. أين تقيم؟! فأجابه: في أحلام العاجز!!». نعم لا شيء مستحيل في سجلات الأمم، والشعب الذي يستسيغ كلمة المستحيل ومرادفاتها، ويرددها على لسانه دوما، يعني انه وصل الى مرحلة العجز وعدم القدرة على الحراك، والاستسلام لواقعه المخزي!!

لنقرأ تاريخ المناضلين، لنتبين بأن تمردهم على الصور الشاذة في مجتمعاتهم هي التي حررت أراضيهم ومحت الكثير من التعاريج الموجودة في دروب أوطانهم. لقد كان غاندي إبان الاحتلال البريطاني لبلاده يناضل من اجل ان تنال بلاده استقلالها، وكان يُحرض قومه على مقاطعة المنتجات البريطانية كنوع من الاحتجاج لجنوحه للسلم، مع هذا كان يقول إن طريق الاستقلال يجب أن تمهده الدماء.

هل تصدق المقولة القائلة: حيث تكون الحرية يكون الوطن؟! هل الحفاظ على السيادة باهظ الثمن؟! هل تنظيف المجتمعات من الأفاقين والمرتشين والانتهازيين غالي القيمة؟! تراودني هذه التساؤلات بين فينة وأخرى، وأنا أتابع ما يجري على الساحة العربية والإسلامية من أحداث جسام، ومن أوضاع مخجلة، ومن انكسارات متوالية تصيب بنيتها يوما بعد يوم، متسائلة في حيرة.. متى ستنتشل الأمة العربية والإسلامية نفسها من مستنقع التخلف؟! متى ستتحرر من تبعية الغرب؟! متى ستنتشر الديمقراطية على أرضها؟! متى ستأخذ بيد أجيالها الجديدة، لتعبر بهم النهر لشاطئ أكثر أمنا؟! لقد بعثت لي مجموعة من الشباب برسائل مختلفة كلها تصب في بحيرة الوجع!! يقول احدهم.. كيف يمكننا القضاء على تيار العنصرية البغيضة، الذي يشتد يوما بعد يوم على الإسلام والمسلمين، حتى أصبحنا نتوجس أنها حرب صليبية ترتدي ثوبا عصريا؟! وآخر يقول كيف نواجه الحملة الشرسة التي تستهدفنا، وإعلامنا هش مصاب بمرض انفصام الشخصية، في الوقت الذي تصدر فيه لنا أمريكا عن طريق هوليوود أفلاما تمجد مجتمعاتها، وتبين أنها حامي الحمى، ومخلصة البشرية من الدمار، وأنها منبع القيم والمبادئ ؟! وثالث يقول كيف يمكننا القضاء على السلبيات الموجودة في مجتمعاتنا العربية، وتعليمنا بدائي، وجامعاتنا فاسدة، وأساتذتها لا هم لهم سوى إلقاء المحاضرات، والابتعاد عن فتح حوارات هادفة مع الشباب، الذي سيمسك بدفة الغد وهو معاق فكريا واجتماعيا؟! وشاب رابع يتهكم بسخرية.. لن نتغير!! كيف سنتقدم وأساتذة الجامعات يزرعون في أعماقنا بذور اليأس، قائلين لنا: لا تتعبوا أنفسكم بالدراسة، مصيركم التسكع في الشوارع، والجلوس في المقاهي وتدخين النارجيلة!! وشاب خامس يصرخ على الورق.. كيف نحافظ على سيادتنا، وهناك أنظمة عربية تُدار مركزيا من أمريكا؟! رسائل من مختلف الدول العربية، تبين درجة الإحباط التي وصل إليها الشباب العربي، نتيجة الحال التي آلت إليها المجتمعات العربية، مما يؤكد على وجوب الكشف عن الحقائق المتوارية خلف الأستار، واستخدام أسلوب الشفافية، من خلال مواجهة المسؤولين لمشاكل مجتمعاتهم، ووضع حلول جذرية لها، ومحاربة الفساد بأنواعه، وإرساء معالم الديمقراطية، وفتح حوارات جادة مع الشباب تقوم على حرية التعبير المطلقة، حتى لا يفاجأ الجميع ذات يوم بانطماس هويتهم، والى تقديم المزيد من التنازلات للغرب!! هناك حكمة صينية تقول: من الصعب أن نقبض على قطة سوداء في غرفة مظلمة، ولا سيما إذا لم تكن ثمة قطة في الغرفة. أنا خائفة من أن تكون غرفتنا العربية مليئة بالقطط السوداء السمينة، التي غدت تختبئ في كل ركن، غير آبهة بنظام تحديد النسل!!

25/1/2003

 

 

موارد نصيـة

زينـب حفنـي

مقــالات

المحتــوى

المرأة العربية تقهقرت اجتماعيا وفكريا (حـوار)

المثقف.. أصل وصورة!!

لعبـة الغمـز.. ولعبـة  الحبس

الإعلام والمقامرة بالأحلام

حكاية عقلة الإصبع

الشباب بين اللصوصية والشرف

فلتسقط الحرية.. ولتحيا العبودية!!

أكذوبة الإعلام العربي

المرأة وصخب الهتافات

السعـادة.. وقفص الذهب

بين الممكن والمستحيل

نساء "مسترجلات"

ما هو القادم وسط الغيوم؟

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.