محمد أمنصـور

نخلة للحداد الـمُـرّ...

– .... وجلس إلى جذع الشجرة الفارعة كشأنه كل يوم. واستند بيديه إلى عصاه ماسحا بناظريه قطعان الماعز والخراف. وأغفى، فإذا ليل القرية قفر شديد الظلام. وزحفت أسراب الجراد والجرذان، في غمرة من الريح والرمل الأصفر. ودخل القرية - من غير أبوابها - تنين أعرج بأيد وأرجل كثيرة. ونفض عن ظهره غبارا اشتعلت له الحرائق في المحاصيل والغلال. وجعل الصخر يتشقق، والأرض تبتل، وقد شاع الطاعون والفقد والاقتلاع. وعظم بأس الناس، فتورمت المواجع لهول المكروه. وأيقن الجميع أن العصف مهلك الشيوخ والأطفال، وأن التلف محيق بالماشية والزرع والضرع والأشجار. وتدافعت الأكتاف والمناكب. وساخت الأقدام في التراب. وارتمى الناجون في أشرعة، تفترسها وحشة الهجرات إلى مرافىء لاقرار لها. وقالت العرافة :

- "... ويحي مما أرى يا شيخي القاصد.. أرى أن الذي سينشق عنه الغيم الكثيف، أشلاء منهارة. نحيب مجرح، وحرائق ضياع وسهول.. أرى طفلا يطل على القرية مغمض العينين، يكبر مغمس القدمين في الوحل. وأن القرية، بعد مولده، لاتكون إلا معمدة بالدمع والعرق والدم الفوار.. وأما الأصابع، فتكون مغمسة في الرماد والحصى... وأما الذي لايذهب إلى الدم، فيأتي الدم المباح إليه..

وقال عياد للفقيه المصطفى:

- "... وجئتك لأن امرأتي حامل، ولأنك أوثق تبصرامن العرافة في الكف المصعوق والفنجان المقلوب. ولو توقف النبوءة أو تمنع الغيب، فإني (...).

وقال الفقيه المصطفى:

- "... ولست أعهدك ياعياد إلا عزيزا على تصاريف الوقت الموشوم بالفحم الأول.. ولكن رب الوقت لما يشاء ينزل علينا الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات..."

وقالت زوجة عياد :

- "... وانا مالي ياسيدي ربي مالي.. أإنس هذا الذي في بطني أم جان... اسمع ياعياد!

غدا عند مطلع النهار، تذهب إلى السوق، تبيع خروفا أو عنزتين.. تشتري لزوجتك عطورا وثيابا وفاسوخا وعنبرا. ولاتنسى الحناء والتمر والزبيب والزيتون فإني والله، ما أرى، في هذه الرؤيا إلا نخلة، أو وشما، أو قنديلا يشتعل الليلة أو غدا في هذه الدار...".

وفي منتصف تلك الليلة بالذات، كان المكان يشهد تلك التحولات الغامضة! –

(1986)

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.