أنا حالة من الهوس والجنون والنشوة
... عشقي أو فراقي موت ..
لا الغدر ولا الإخصاء، لا الفتك ولا الذبح من شيمي .. اكتب!"
*
* *
المرأة التي ملت الانتظار
" اكتب !
–
عن المعني يتتبع أخبار مملكة فطواكة الغابرة، قال:
"...
لم يكن الرجال وحدهم ضالتها،وإن أحسَّت باستمرار، أنهم
جميعا ملكٌ لها وحدها دون نساء الأرض. أتاها الملك وهي في وقدة الصبا، وإن كان هوس الأنس قد أدركها
قبل ذلك. يطلقون عليها لقب
القديسة أليزابيت الفطواكية، ولا أحد يعلم سببا محددا لذلك. فربما كان لاطلاع بعض الفضوليين على تعلق نسبها بسلالة آيت
القديسين محمد وبختيار والراوندي دور في ذلك. على أن اللقب العجمي "
أليزابيت" ، لن يكون قد أطلقه
عليها إلا هندي عربيد أو لوطي رومي. فما أكثر الأخلاط الذين كانت تحفل بهم ليالي دهاليز المرح
القتال. فالرجل منهم يشرب الخمرة
المعتقة، حتى يثقل رأسه فيتلعب الهذيان بلسانه، فإذا به يقول مالا يدري
على مسامع السمار (...) إن من لم
يشهد طقوس الأنس أو جنون الخمرة والرقص ببلاط الملكة، ستذهب به الظنون
إلى أن الأمر ليس أكثر من حكاية امرأة عبثت بمجدها النزوات؛ ولعل كلاما
كهذا الذي أورده في مذكراته صاحب (مصارع
فطواكة الغابرة)، هو ما يشجع مثل
هذه الظنون. لقد كتب هذا المؤرخ،
أن الملكة كانت تملي عليه، بين الحين والآخر، كلاما كثيرا ينطوي على
غير قليل من أسرار المملكة
:
لا الدمع ولا الدم رصعا يوما فراش الملكة المثلوج. لكنها، وككل نساء الأرض كانت تريد أن تبكي، فالجسد المنهوك قرفا،
وأقاويل الغوغاء، ودسائس العشاق، وأعناق النساء ... مواجع، كانت تفسد على الملكة
لذة الانتظار
...
"اكتب!
الرجل الذي كتب كل شيء
عن الذي استـٌدعي سفره الضخم للإدلاء بشهادته على إثر اكتشاف بعض
مآثر مملكة فطواكة الغابرة، قال :
" ...
ودرست في بلاد يونان وفارس والروم، ما سمي فيما بعد
بصناعة التاريخ. وعرجت على مملكة
فطواكة، على عهد الملك النحرير، طلعة زمانه وصانع مجد أجداده (الفونسو علي الفطواكي) سليل آيت القديسين، محمد وبختيار والراوندي، مؤسسي مملكة فطواكة
على عهد برابرة المماليك البنغاليين. وكان عمري آنذاك قد نيف على الثلاثين، لما أبلغت أن الملك
العظيم، قد انتدبني رئيسا على (
ديوان الكتابة )، أحفظ أسرار
المملكة، وأرعى أنساب نسله الشريف، وأؤرخ لأيام مجده وأخبار بلاطه
العامر. وإذ كنت في أول عهدي
بالاشتغال في صناعة التاريخ، فاتني التنبه، فيما إذا كان الوقت الذي
أدخلت فيه على الأميرة جلنار بنت مرزوقة، صباح خريف أو مساء شتاء. ولكنني لا أنسى أن الأميرة كانت عارية وفي منتهى السكر
والعربدة، تتصاعد روائح البخور والند والعطور، من حولها. كان جسمها المرمري، يتبدى من خلل الدخان، طيفا ملائكيا، لايكاد
يظهر حتى يختفي، في غمرة الأنوار الشفقية. إن الأميرة، حتى قبل أن تعتلي عرش المملكة، كانت تغتسل بالخمرة
متى تلألأ القمر، وأضاءت النجوم السماوات المعتمة. تتجرد من الثياب والحلي والخلاخل، غير مكترثة لتلعُّب عيون
الخدم المدهوشة في عريها المميت" (...) وتبقى على تلك الحال، وكأنها تنتظر عريسا من الجن أو الإنس،
يأتيها من السماء أو تتشقق عنه الأرض. وأما ما قد شاع على ألسنة الغوغاء، من أن فسق الملكة، هو ما
أذهب عنها الملك أياما معدودات بعد اعتلائها عرش أبيها الملك؛ فليس لدي
ما أضيفه في كناش تقييد مذكراتي هذا، إلا ما كتبته بهذا الشأن في مصنفي
الضخم (مصارع فطواكة الغابرة). فقد سطرت في الصفحة العاشرة بعد الآلف، في باب ما جاء في أخبار
القديسة أليزابيت الفطواكية، مايلي
:
"...
ولما هلك الملك الفونسو علي الفطواكي في إحدى رحلاته
الدورية للصيد والغزو، وهو المفتون بسحر عيون الغزلان وركضها في
البراري. أفتى القائمون على سر
البلاط، وأوصياء الملك، على ضرورة استمرار توارث الحكم في ذمة آيت
القديسين محمد وبختيار والراوندي، أن قد حق للأميرة جلنار بنت مرزوقة،
الوريثة الشرعية والوحيدة لأمجاد ملوك فطواكة السعيدة، أن تستجيب لداعي
الوراثة ونداء الواجب الوطني
".
ولم يكن لدي ما أضيفه إلى هذا الذي اقتضت مني صناعة التاريخ ذكره،
في سفر ما أريد له إلا الإبلاغ المبين، فيما يخص شؤون ( مصارع فطواكة الغابرة ). وبحمد الله، فقد أتم هذا الخبر
سطور السفر الضخم، وإني أقول هذا والله أعلم
!
الجريدة التي قالت لها الوكالة
قال المعني بتتبع أخبار مملكة فطواكة الغابرة، والحريص على استقصاء
حقيقة ما تورده المصادر وكثرة الرواة من إشاعات حول عشق أو فسق ملكة
زمانها، جلنار بنت مرزوقة :
"...
وفي خبر آخر لوكالة
(CI/GB) أوردته جريدة (الأصابع
الدامية)، اطلعت على نتائج حفريات
أسفرت عنها تنقيبات علماء الآثار، في الآونة الأخيرة، على مسافة عشر
كيلومترات تحت حائط العشق بالمكان المعلوم، مفاده أن سر مملكة فطواكة
الغابرة، لم يكن في نهوضها على سراديب موغلة في الغور والعتمة، ولا في
أعناق النساء أو جماجم العشاق المرصوصة في الأقبية ... ولكن كان في... وكذلك... ثم... وطبعا... أي نعم جميعهم ... لذلك... حتى إذا... جرت تصاريف
الوقت الفطواكي!"
قال المعني بتتبع أخبار مملكة فطواكة الغابرة:
بهذا الخبر أكون قد أتممت تحرياتي هذه التي وضعت حدا للإشاعات التي
انتشرت على ألسنة الغوغاء حول مصارع العهد الفطواكي الغابر. وإذ أقول هذا، فالعهدة على الجريدة التي قالت لها الوكالة، ما
لم يكتبه حافظ سر التي فعلت ما فعلت!
–
(1987)
|