محمد أمنصـور

النسر والألواح

 

 

المواطن الذي يسمع بعينيه

اختفى اللوح الأول، واختفى اللوح الثاني بعده، فاحتشد الناس وكادت الفوضى تعم. تداخلت الأصوات والعيون والمناكب فشاعت الضوضاء وكثرت الأقاويل. قيل إن نهرا ما سيتفجر متى أكمل النسر حمل الألواح، ومن الناس من زعم أن عددها كان عشرا فصارت ثمانية، كما منهم من أكد أنها لم تكن أكثر من تسعة، وهي الآن سبعة . أما المواطن الذي يسمع بعينيه فقام في الحشد الكبير، وقال :

- إن الشجيرة الوحشية، ماهي إلا مكيدة تدبرها أشباح المغارة. ويوم ينبثق النهر منها سيرى الناس كيف يمتد الماء بين الجبل والبحر،وكيف يمتد الجبل إلى جزر يكثر فيها الموز والقردة والببغاوات.. ولم لا؟

كذلك قال المواطن الذي يسمع بعينيه، وأقسم باليمين المغلظة أنه، حتى قبل أن يختطف النسر اللوحين، كان قد وعى كيف أن الذي اسمه منقوش على اللوح، سيذهب أو يأتي إليه التراب. أما الشجيرة الوحشية يوم يتفجر ينبوع النهر، فتسقط على الرؤوس، ووحده الجبل يثبت أمام العصف. أما القرية، فتلفها الأكفان والدود والظلام، ستغمس كاملة في الماء.

هذا ما أكده المواطن الذي يسمع بعينيه، ونبه إلى أن إدراكه ذاك قد حصل قبل ارتفاع اللوحين، الأول والثاني .

المواطن الذي يرى بأذنيه

شهد المواطن الذي يرى بأذنيه أن قد بدت له الأحرف المنقوشة على اللوح الثاني عكازا وقصعة وأخدودا، وربما بؤبؤ عين كذلك . وفكر (...) " كان النسر قد صد الخطاطيف ففزعت منه. حفيفُ أجنحتها زحزحَ الألواح كاملة ولم يكن اللوح الأول قد رفع بعد. كادت الألواح تسقط على الرؤوس لولا أن الشجيرة الوحشية المدلاة من مغارة الجبل، هيأت أغصانها لاحتضان السقوط!"

تلك كانت شهادة المواطن الذي يرى بأذنيه. ولم ينس أن يقول في الناس:

إن ظلال الشجيرة الوحشية، قد تعيننا يوما على فك طلاسم العكاز والقصعة والأخدود، وما يبدو لي كبؤبؤ عين؛ وإن الذي اسمه مسجل في اللوح الثاني، قد يكون مات أو سيموت الآن لا محالة!".

أما المواطن الذي قيل إن الطين والوطنية أهلكاه، فكان اسمه مقعرا في اللوح الثاني، ولما صرخ، سمع الحشد صوته من تحت التراب وكان لسانه قد استعجم لما بدأ يقول :

" Nous sommes tous des criminels "

الصوت الذي..

قبل اختفاء اللوحين، كان بإمكان عيون الحشود أن تبصر الأحرف المنقوشة على اللوح الأول. لذلك سارع المواطن الذي يسمع بعينيه، فقال:

- تذكروا أنه كان محفورا في اللوح الذي في أقصى اليمين، أن المسغبة والقحط والسيبة مآل العباد في البلاد، ثم...!

وما كادت أسماع الجموع تبصر الذي يخرج من فم المواطن الذي يسمع بعينيه، حتى قيل كلام كثير في تناثر أجنحة الخطاطيف، ومن الناس من قال إن النسر، إنما اتخذ من اللوحين متكأ لعشه في المغارة، تؤويه وفراخه ليلا...

كانت الأعناق المشرئبة قد تعبت. وكانت قامة الجبل تبدو رشيقة، ولكن أشد ارتفاعا مما تعوده سكان القرية. أما الألواح، فترنحت أمام العيون. سبع ألواح، وصوت مشروخ يتسلل من تحت التراب إلى أسماع الحشود:

– "Nous sommes tous des Criminels "

(1985)

 

 

موارد نصيـة

محمد أمنصـور

النسـر والألواح

(قصص قصيرة)

المحتــوى

 حفريات حائط العشق

ما أنا إلا بشـر ....

غبـش لحكايات المحـار

أحـــــــــوال

االنسر والألواح. المواطن الذي يسمع بعينيه

وجوه في المرايا ...

نخلة للحداد الـمُـرّ...

جكــارا

حكاية شُلَّمَنْرَأَى

البوهالي والدينونة

 

 

 

 

 

جماليـــات إضــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.