إبراهيم بن مسعود حجري

ضيفي العزيز

 

وأنا أعبر الشارع القذر كنت أرتجف أمام لسعات البرد القارس، ودوائر الصمت تمددني عميقا نحو التوجس، شبكت أزرار قميصي البالي كي أحمي صدري الهش بعض الوقت، ومازال ضيفي الكريم يسرد علي حكاياه الشهرزادية، صدى صوته الغنين يتردد عبر الجدارات النخرة كفحيح مرهب، تصورت أن النائمين لو استيقظوا لرجمونا حجرا ونحن نزعج فهيم ذروة الانتشاء، صديقي الضيف غارق في حماسه المعهود، وأنا ماثل أمام تراجيع صمتي الصوفي استحضر طقوس ليلي أصوب نظري يمنة ويسرة أتابع حركات غريبة وأصوات خشخشات تتوافد على أذني من حين لحين، منذ أن ولجت بوابة هذه القرية، تذكرت أن مثل هذه الأصوات تنغص علي نومي . تسربت إلى غرفتي مثل النتانة، كلما غرقت في حلمي أيقظتني مثل الوخز، أتجرد من ملاية النوم وأشعل شمعداني، وأبعثر أثاثي البسيط كلما جن الليل حتى غدت لعبة التنظيم والبعثرة شيئا عاديا، وأظل طوال الليالي قاب قوسين أو أدنى من النوم. مل صاحبي الذي لم أره منذ مدة، صمتي المريع وهو يكتشف شرودي الفائق في حركات المخلوقات الغريبة التي أشاهدها ليل نهار تفضح وجه القرية البائس، نفذ صبري فانتهرني:

- أتفكر في نص ؟

- لا ... ولكني ألعب معك لعبة السارد الشارد .

استعاد بعض هدوئه، وضللت أطارد بعيني النجلاوين أشباحي المتناثرة بين الفجاج، ترقص تحت إغراء الضوء الخافت، لعنت وصية الأهل وأنا أكتشف شماتة زوجة خالي التي أغوتني إغراءاتها وأوقعتني في مصيدة شتيمة ( أهل البلد كرماء العيش رخيص، بلد نقي، تستقر هناك، السكن متوفر ... ) غرفتي ضيقة كقبر صيني ومع ذلك أحس أن مخلوقات أخرى ليست من جنسي تشاركني سكني وفراشي ومأكلي. غسلت ذات مرة والليل مرخ أستاره الداجية عناقيد عنب ناضجة ووضعتها بآخر المطبخ لتسترد أنفاسها. واستلقيت برهة على الأريكة، ولما عدت لم أجد العنب، فقط وجدت الخيوط المبتزة، طار عقلي غيظا لعنت، شتمت، وكدت أصدم رأسي بالجدار لولا تمالكت نفسي أخيرا وقلت:

( حطيتها تبرد جاء من لقفها سخونة )، فضلت أن أقضي لب وقتي تائها بين المقهى والشوارع أخيطها تاركا الفرصة لضيوفي المتطفلة، علها تتركني أغط بعض الوقت في نوم عميق، وهذا الضيف بجانبي الآن يغرقني بثرثرته أ عساه يتحمل جرأة ضيوفي / مضيفي ؟ خاصة أنه عزيز ولم نلتق منذ مدة. باغت السهاد ضيفي العزيز فامتنع عن الكلام. استقبلنا الحي بترحابه المعهود، نتانة قبيحة مثل رائحة الأحذية البلاستيكية تزكم أنوفنا. السكون المطبق يفضح وقع خطانا، أمرت صديقي أن يبقى بعيدا عن الباب حتى أستأذن شركائي الأغراب، أولجت المفتاح، فأتاني صوت الخشخشات كثيفا هذه المرة، أدرته فتقرقع الباب مترددا صداه عبر هاوونات الحي، رجعت القهقرى خطوات إلى الخلف، وانتظرت كما العادة أن تخرج طوابير المخلوقات الغريبة. زميلي يستنكر فعلتي، وأنا كليم الغيظ تغمرني سحب الحقد، تشنجت أعصابي. أحس أن كل قواي تختزل في عضلتي ساقي المفتولة، ترصدت عيناي السواد باحثين عن الأشباح، خطوت أصعد الدرج دون أن أضغط زر الكهرباء. كنت أعرف أنه معطوب، خطوت أكثر لكن بحذر شديد مركزا يوكاي في قدمي المستنفرة أضغطها كي تستفز الغرباء، سمعت الخشخشة تقترب ومعها السواد كثقب حالك، صوبت القذيفة ثم رميت بكل قواي أحسست ثقلا بحجم الكرة يملأ قدمي، ويلتصق بالجدار وكررت القذف والأشباح تتناثر كالوابل. فارت قواي فتخلص من قبضتي سرب أشباح كثيرة. أشعل زميلي ولاعته، فلمحنا جحافل الجرذان الضخمة مدرجة في دمائها تلفظ أنفاسها الأخيرة، وأنا مضرج في جداول العرق التي تتفصد من جسدي النحيف، قهقه ضيفي العزيز قائلا:

- سأخبر الدرك، بجرائمك، وأعزز ملف الضحايا بشهادتي..

ضج المكان بمزاحنا وقد نشر الليل أجنحته على القرية ليفرشها في سكون رهيب ووحدها حشود الصراصير والجرذان تعبث بالصمت اللذيذ.

 
 

 

إبراهيم بن مسعود حجري

نهايات لحلم وحيـد

المحتـوى

القصبــة

عاشـوراء

جـذاذة

سبعة رجــال

ضيفي العـزيز

عـذرا يا بحـر!

الطريق إلىالفردوس المقـود

سعـدان في المدرسـة

أبجديات على الرصيـف

موعد مع الشمــس

نهايات لحلم وحيـد

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.