أسيا علي موسـى

10. صرخات من الأعماق .

 

تسقط من دنيا الأشياء ، تلطم بكل الأمواج ، تدفعها الرياح بكل قوة في اتجاهات متغايرة ، تتعثر في هوات سحيقة تتخلل طريقها في الحياة . تقاوم و تقاوم ، تخار قواها ، آلمها وقع السقوط تلو السقوط .

آثار الصفعات بادية عليها ، تبكي حينا ثم تمسح الدموع .

تترنح قليلا ثم تبسط قامتها المكسورة ، تزفر من أعماق

الذات كل المعاناة .

تشهق نفسا عميقا استعدادا لحبس الأنفاس زمنا لا تدري أجله . تشد عضلاتها و تعزم على الانطلاق قدما ، عكس التيار .

المرآة قدامها ندبات و خدوش تتخللها ، رسمتها أحداث الزمن العسير الذي عاشته ، تحاول أن تتبين طيفها فيها ، تلحظ هيكلا آدميا متعبا ، تتلمس في المرآة وجهها الشاحب ، تمرر سبابتها على كل نقطة فيه ، تمجهر كل تفاصيله ، فتجد أنها قبيحة و أن الوجود أقبح من ملامحها ، تهوي بيدها على شفتيها لتحبس صرخة و أنينا من الأعماق ، ترفض وجهها القبيح ، ترفض ذاتها و تتمنى ..

- لا بد أن أغير شكلي ، هو سبب كل متاعبي ، أجل الوجه أولا ، لا يهم الباقي ، الشكل أولا .

لعل العيب في انفي ، أجل هو كبير و غير متناسق مع شكل وجهي ، يبدو قطعة غريبة ألصقت عنوة في فراغ ، سدا له ، حتى شكل الوجه كريه ، مربع يحصر كل التعابير ، لا يحسن التمثيل ،لا يحسن التشكيل ..

الشفتين كبيرتين و تعطيان للناظر إحساسا بأنهما سترميانه ببحر من الشتائم ، كل الوجه غير جميل .

كل الوجه غير جميل حتى، العينين ضيقتين ، مخيفتين و كأنهما تخفيان عالما مجهولا يطل على الناس و لا يمكنهم أبدا أن يكشفوا كنهه .

وجهي ، نعم هو الحاجز بيني و بينهم ."

شعرت بالمهانة و الانهزام و لبثت على استسلامها لحظات و هي تتمتم ..

- هم هكذا لا يحبون الأشياء الطبيعية ، لا تعجبهم ، يحبون كل ما هو اصطناعي ، كل ما هو كذب .

علي أن أدخل دنياهم ، ما يهمني إن وسخت نفسي مثلهم ، هم لا يحبون الأشياء الناصعة البياض ، فهي تعكس قذارتهم و تعطيهم إحساسا بالاتساخ.

هم لا يحبون الأشياء الطاهرة ، تنفرهم ، تحسسهم برذائلهم ..وما يهمني أنا ؟ علي أن أدخل لعبتهم حتى لا أبقى على الهامش ،

علي أن ادخل عالمهم بمثل شكلهم حتى لا يلفظوني .

علي أن أرضيهم حتى لا أخسرهم ، حتى أختصر معاناتي ولو .. بخسارة نفسي .. لا يهم، لا يهم .

شحب لونها و خارت قواها .

جلست تستعيد أنفاسها المبعثرة ، مرهقة كالعائد من معركة أحست شيئا ما يتحرك داخلها ، صوت يرن في رأسها برفق .

تنتشي جوارحها له فرحا ، تتحسس وقعه ، تشدها نغمته الساحرة ، يستحيل الرنين عزفا جميلا ، رقيقا يهدهدها، ترمي برأسها المفتون على السرير برفق ، ترتسم على شفتيها الكبيرتين ابتسامة نورانية عذبة ، ودون أن تنظر إلى المرآة ، غمرها إحساس بأنها أجمل امرأة في الكون .. و أن أنفها دقيق أبدع الخالق في وضعه هكذا بالذات ، و أن شفتيها الحزينتين خاتم ماسي يبهر الناظرين ، و أن عينيها صافيتان شفافتان يلمع فيها بريق يعكس أسمى معاني العطاء و الرحمة.

تسبح ذاتها سكرى في يم لا يعرف طريقه إلاها ، تسبح في فضاءها الفردي حاملة معها كل قناعاتها و جميع مبادئها

حالمة بدنيا الفضيلة .

لن تكون فيها وحدها ..

تسبح ، تحلق وقد أغرقت وراءها كل القاذورات ، يسقط قناع الخوف لتجرفه الأمواج بعيدا عنها ، ثم تفتح عينيها لتجد أنها ثابتة و أن العالم يدور من حولها و يدور .. و أن نظرها إليه باستمرار هو الذي يعطيها إحساسا بالغثيان ، و يحجب عنها رؤية الجمال و يولها مرارة .

و أن ثبوتها هو الذي أتى بالأمواج لترتطم بها ..

وقفت شامخة كالجبل ،تصارع في صمت و تحد ، ترفع رأسها إلى السماء و قد اعترتها نشوة الإيمان.

 

 
 

 

موارد نصيـة

آسيا علي موسـى

 

عفوا.. إنه القدر (قصص)

المحتــوى

1 - الشرخ .

2. عمي رابح .

3. ثلاثية الحزن الحالم .

4. الصورة .

5. زهرة .

6. الانتحاب الدفين .

7. الظل .

8. الربيع و السلام .

9. كم كنت وحدك .

10. صرخات من الأعماق .

11. مناجاة .

12. عفوا ملاكي .. إنه القدر .

 

جماليـــات إضــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.