تسقط من دنيا
الأشياء ، تلطم بكل الأمواج ، تدفعها الرياح بكل قوة في اتجاهات متغايرة
، تتعثر في هوات سحيقة تتخلل طريقها في الحياة . تقاوم و تقاوم ، تخار
قواها ، آلمها وقع السقوط تلو السقوط
.
آثار الصفعات
بادية عليها ، تبكي حينا ثم تمسح الدموع
.
تترنح قليلا ثم
تبسط قامتها المكسورة ، تزفر من أعماق
الذات كل
المعاناة
.
تشهق نفسا
عميقا استعدادا لحبس الأنفاس زمنا لا تدري أجله . تشد عضلاتها و تعزم على
الانطلاق قدما ، عكس التيار
.
المرآة قدامها
ندبات و خدوش تتخللها ، رسمتها أحداث الزمن العسير الذي عاشته ، تحاول أن
تتبين طيفها فيها ، تلحظ هيكلا آدميا متعبا ، تتلمس في المرآة وجهها
الشاحب ، تمرر سبابتها على كل نقطة فيه ، تمجهر كل تفاصيله ، فتجد أنها
قبيحة و أن الوجود أقبح من ملامحها ، تهوي بيدها على شفتيها لتحبس صرخة و
أنينا من الأعماق ، ترفض وجهها القبيح ، ترفض ذاتها و تتمنى ..
- لا بد أن
أغير شكلي ، هو سبب كل متاعبي ، أجل الوجه أولا ، لا يهم الباقي ، الشكل
أولا
.
لعل العيب في
انفي ، أجل هو كبير و غير متناسق مع شكل وجهي ، يبدو قطعة غريبة ألصقت
عنوة في فراغ ، سدا له ، حتى شكل الوجه كريه ، مربع يحصر كل التعابير ،
لا يحسن التمثيل ،لا يحسن التشكيل
..
الشفتين
كبيرتين و تعطيان للناظر إحساسا بأنهما سترميانه ببحر من الشتائم ، كل
الوجه غير جميل
.
كل الوجه غير
جميل حتى، العينين ضيقتين ، مخيفتين و كأنهما تخفيان عالما مجهولا يطل
على الناس و لا يمكنهم أبدا أن يكشفوا كنهه
.
وجهي ، نعم هو
الحاجز بيني و بينهم
."
شعرت بالمهانة
و الانهزام و لبثت على استسلامها لحظات و هي تتمتم ..
- هم هكذا لا
يحبون الأشياء الطبيعية ، لا تعجبهم ، يحبون كل ما هو اصطناعي ، كل ما هو
كذب
.
علي أن أدخل
دنياهم ، ما يهمني إن وسخت نفسي مثلهم ، هم لا يحبون الأشياء الناصعة
البياض ، فهي تعكس قذارتهم و تعطيهم إحساسا بالاتساخ.
هم لا يحبون
الأشياء الطاهرة ، تنفرهم ، تحسسهم برذائلهم ..وما يهمني أنا ؟ علي أن
أدخل لعبتهم حتى لا أبقى على الهامش ،
علي أن ادخل
عالمهم بمثل شكلهم حتى لا يلفظوني
.
علي أن أرضيهم
حتى لا أخسرهم ، حتى أختصر معاناتي ولو .. بخسارة نفسي .. لا يهم، لا يهم
.
شحب لونها و
خارت قواها
.
جلست تستعيد
أنفاسها المبعثرة ، مرهقة كالعائد من معركة أحست شيئا ما يتحرك داخلها ،
صوت يرن في رأسها برفق
.
تنتشي جوارحها
له فرحا ، تتحسس وقعه ، تشدها نغمته الساحرة ، يستحيل الرنين عزفا جميلا
، رقيقا يهدهدها، ترمي برأسها المفتون على السرير برفق ، ترتسم على
شفتيها الكبيرتين ابتسامة نورانية عذبة ، ودون أن تنظر إلى المرآة ،
غمرها إحساس بأنها أجمل امرأة في الكون .. و أن أنفها دقيق أبدع الخالق
في وضعه هكذا بالذات ، و أن شفتيها الحزينتين خاتم ماسي يبهر الناظرين ،
و أن عينيها صافيتان شفافتان يلمع فيها بريق يعكس أسمى معاني العطاء و
الرحمة.
تسبح ذاتها
سكرى في يم لا يعرف طريقه إلاها ، تسبح في فضاءها الفردي حاملة معها كل
قناعاتها و جميع مبادئها
حالمة بدنيا
الفضيلة
.
لن تكون فيها
وحدها
..
تسبح ، تحلق
وقد أغرقت وراءها كل القاذورات ، يسقط قناع الخوف لتجرفه الأمواج بعيدا
عنها ، ثم تفتح عينيها لتجد أنها ثابتة و أن العالم يدور من حولها و يدور
.. و أن نظرها إليه باستمرار هو الذي يعطيها إحساسا بالغثيان ، و يحجب
عنها رؤية الجمال و يولها مرارة
.
و أن ثبوتها هو
الذي أتى بالأمواج لترتطم بها
..
وقفت شامخة
كالجبل ،تصارع في صمت و تحد ، ترفع رأسها إلى السماء و قد اعترتها نشوة
الإيمان.
|