الليل يزحف
شرسا، شبحا يأتي إليك كل يوم وفي نفس الميعاد ..يتقدم نحوك ، يغرس مخالبه
في جوفك ، يعبث بجراحك ،، يدميها ،، يحييها ،،
تنزف ألما ،،
تتأوه حسرة ، أنينك خافت مبحوح ،،
تود أن تصرخ ،
يخنق صرختك ، يكسر نداءك ،،،
الاسم مشروخ
... زهرة ...ز .. ه...ر.. ة.
يسقط الماضي
كله أمامك ،، مفتتا إربا ،، إربا ، تنتابك برودة و يعتريك إحساس بالضياع.
تقف كالمجنون ،
تتلمس سريرك ، جدران غرفتك ، الصورة المعلقة عليها ، منذ الأزل ، ،
تمرر يديك ببطء
على جسدك من قمة رأسك حتى أظافر قدميك ،، تتأكد انك موجود ،،محبطا ،
منهكا ، تهوي على الفراش
..
صمت جنائزي
يطبق كثيفا على الحجرة
..
عبثا تبحث عن
النوم ن تسدل جفنيك مرغما .. لكن صدى الصمت يعوي بداخلك ، يزمجر بخلايا
رأسك .. أشياء الماضي تتراقص أمامك في فوضى .. تحاول أن تمسك بها ، أن
ترتبها ،، تفلت منك ،، لم تعد تذكر شيئا ،، تصرخ
..
زهرة ... زهرة
...
تنتفض مرتعشا
.. زهرة
..
تجالس وحدتك
الآن و تئن كالذبيح ،، تغمغم ،،
-
استقت إليك ..
أهفو إلى صورتك
..
تبكي كما لم
تبك أبدا ،، تشهق ،ن يتصاعد بكاءك نابعا من مسام القلب ، يردده فراغ
الحجرة
..
تسند ظهرك على
الحائط ، تتململ ، تتكوم كالكرة ، تحاول احتواء ذاتك ، التي تبدو لك
مبعثرة .. تائهة ،ن كل خلية فيها تبحث عن .. زهرة .. كل خلية تأخذ اتجاها
يختلف
..
زهرة ... زهرة
الماضي كله ،،
زهرة العمر
الآتي ،،
زهرة الوجود
كله ،،،
بالأمس كانت
هنا ،تزين حقل وجودك ،،لم ترها ،كنت منشغلا منغمسا في طلب الرزق ،، لا بل
في جمع الثروة ،،
بدأت صغيرا ،،و
ركضت ،، دون أن تنظر وراءك و لا أمامك ،، دون أن تنظر إلى جانبك لتلحظ
وجودها
..
ركضت ... حتى
كبرت .. ولما كبرت ، جرفك التيار و نسيت .. زهرة
..
كانت تحوم
أمامك كالفراشة ، تسهر على راحتك و راحة أبنائك .. فبدا لك بديهيا ..
وكنت تجمع المال و يعز عليك صرفه ، فكانت تتحمل ذلك و بدا لك ذلك ضروريا
.
ثلاثون عاما و
أنت لا تجد وقتا لتسمعها ، لتحدثها ، لتتباحثا شؤون البيت و الأولاد
..
و ها أنت الآن
تبحث عنها وقد رحلت ، ها أنت تحدث نفسك ... وتسمع تنهداتك المحروقة ،
تدور و تدور في غرفتك ثم ترتد عليك آلامك سيوفا حادة تمزق فؤادك ..
المشروخ..
هذا اسمها الآن
تهفو به شوقا و عذابا ..
- زهرة ..زهرة
الروح ، أحاول أن استجمع شيئا من ذكرياتنا ،، فلا أرى إلا الأشلاء ملقاة
في ذاكرتي ..بقايا الوجع ،، لا أستحضر إلا ومضات ،، أين كنت كل تلك
السنين ؟
في أعماق
أعماقك ، في كل ذرة فيك ، عواء صارخ ،و أنين ،يهزك الصراخ ويقتلك الندم ،
تضع يديك على أذنيك مازال الألم ،
تغمض عينيك ،
تفتحهما ، تقوم ، تقعد ،، تحوم حول نفسك ،، ما زال الألم ، يصاعد موجات
موجات ، في مد وجزر ، لا تستطيع أن تموقع الألم أو بالأحرى ،، لا يمكنك
أن تحدد موقعا فيك بلا ألم ،،
-
زهرة ، عودي
لنعيد البداية من جديد ، لأشاركك البهجة و الكدر ،
زهرة عودي ،
لأفجر براكين المودة الخامدة بداخلي ، لأقول لك ما لم أقله ، لأنظر إلى
عينيك ،،،
آه ،، عينيك ،،
كثيرا ما بكت عيناك ،، كنت حزينة ،كسيرة ، وتحملتن و ،، كنت مغفلا أحمقا
و فهمتن ،،
أدركت الآن أني
وحيد وصغير ، وتائه من دونك ،،
عودي لأعترف لك
بأنك كنت الحياة ،وما شكرت النعمة ، كنت الهواء و كان ..طبيعيا أن أتنفس
، أو اعتقدت ذلك ، وكنت دوما هنا قريبة من ناظري ، قريبة ، حتى لم أعد
أراك ، لم أرك إلا بعد الرحيل
..
|