موسى حوامدة. طريد الدولة والديـن

موسى حوامدة؛ أديب فلسطين

يضع قضايا الاحتلال في مركز كتاباته

بقلم: سامي عبد الحليم "المحامي" / السودان

 

 للشاعر الفلسطيني موسى حوامدة اصدرت المؤسسة العربية للدراسات والنشر في عام 1999 الطبعة الاولى من ديوان "شجري أعلى" والذي حوى بين دفتيه على "50 قصيدة شعر" وما ان طرح الديوان في الاسواق، حتى قامت السلطات بمصاردة الديوان بحجة انه " يسيء للعقيدة الاسلامية".

في لقاء خاطف بالشاعر في "عمان" اهداني نسخة مصورة من ديوانة "موضوع الاتهام" مع اهداء لطيف وذلك في رابطة الكتّاب الاردنيين في نوفمبر 2000م.

الشاعر موسى الحوامدة اديب فلسطيني، مقيم بالاردن وعضو ناشط بين زملائه في الاتحاد العام للكتّاب والادباء العرب، اثارت قصيدته "يوسف" الواردة بالصفحة (37) من ديوانه الكثير من الجدل واللغط، والشكاوي، وصولاً للتكفير على صفحات الصحف الصادرة باسم "الجماعات الدينية" .

الشاعر موسى حوامدة عميق في استخداماته للمشاهد والدلالات، هو – في إضاءة إضافية – اديب فلسطيني يضع قضايا الاحتلال في مركز كتاباته، وفي قراءة ديوانه "شجري أعلى" لا يمكن ان تغيب هذه التفصيلة عن البال، والجدل الذي يثيره "حوامدة" يجعل من الشاعر يتلفت بريبة على الاشياء والشخوص التي تحاصره، وذلك ليرى مدى الالتباس الذي يصنعه شعره حين ينسرب في المُنصتين، لهذا، وذاك، كتب الشاعر على هامش الصفحة الرابعة العنوان الأصلي لهذه المجموعة هو "استحق اللعنة" وقد تم استبداله لمجرد التمويه فقط" واعقب ذلك في الصفحة التالية بقصيدة قصيرة بعنوان "ملعون" (مدعوسٌ كالخرقة...من لم يرفع رأسه) وهذه اللعنة التي يواجهها الشاعر تنبأ بها قبل أن يعلنها أصحاب "مصنع التكفير".

وبالقدر الذي لا تسعى فيه، هذه الدراسة ، تقديم رؤية نقدية للديوان، بالقدر الذي تجتهد فيه، إشاعة الضوء، على حالة "تكفير الإبداع" إذ في هذا السياق أعلنت في مطلع هذا الشهر مجموعة من المثقفين العرب مقاطعة معرض القاهرة الدولي للكتّاب والذي تم افتتاحه في الرابع والعشرين من يناير 2001 م الماضي وذلك تضامناً مع الكتّاب الذين تم اصدار قرار وزاري بحظر مؤلفاتهم من التداول، التي اعتبرها القرار" مسيئة للقيم الاجتماعية والأخلاقية" وتلك الكتب هي رواية "قـبــل وبعــد" للكاتب توفيق عبد الرحمن، و " الاحـلام المحرمــة" لمحمود حامد، و "أبناء الخطأ الرومانسي" لياسر شعبان، كل ذلك لا ينفصل عن الحملة المسعورة التي واجهها الكاتب والروائي "الطيب صالح" داخل السودان وخارجه، بالإضافة لحملة التكفير التي واجهها المغني اللبناني "مارســيل خليــفة" وذلك بعد تغنيه بقصيدة للشاعر "محمود درويش" تضمنت "آيات قرآنية" .

إن معاناة الكاتب والمواجهات التي تفرضها تناقضات المعرفة وما ينتج عنها من التباسات في استدراك الصور التي يهدفها المبدع، هو نفس ما تكبده الكتّاب والمبدعون منذ الحلاج وصولاً إلى محمود محمد طه، ذلك التناقض الذي "جعل" في ذهن التفكير الثيوقراطي من الكاتب سليمان رشدي "كافراً" ومن ثم احاله في غضون عشر سنوات إلى "مؤمن"، هذا الالتباس الناجم عن مركز معرفي – ديني هش لا يمتلك في اطار تأكيد صواب اعتقاده سوى سلوك اقصر الطرق، وهو "إزهاق الروح".

والشاعر "الحوامدة" في ديوانه، يطرح رؤى معرفية مغايرة عما هو راسخ في الوجدان المستكين / المطمئن، وهو الناعم / القلق، لذا رغم استخدامه للمفردات السهلة ,والتكنيك الابداعي البسيط والدارج في المواويل والاغاني، الا انه صار يفكك الصور التليدة لتخدم فكرته الايديولوجيه، وقلقه الازلي المتمثل في وطنه المحتل، وفي هذا المشهد الذهني والنفسي للشاعر، جاء استخدام "قصة يوسف" على نحو تجعل منه قراءة مخالفة، في ضوء الصراع العربي – الأسرائيلي، ورفضه لكل ما هو "إسرائيليات" وتبجيل لكل ما هو "عروبي" وفي ذلك تأتي القراءة لــ "قصة يوسف" مغايرة تماما، وفق افتراضات الشاعر، والتدليل على ذلك، يكون سهلاً في المتن الابداعي موضع التشكيك، والذي يبتدره الشاعر"لم يسقط يوسف في الجُّب!!"؟ وينهي المقطع الاول "إن المصريات يضاجعن الاسرائليين… ويعشقن رجال الموساد…"..

وفي حقيقة الامر، ليست قصيدة "يوسف" وحدها من الديوان موضع "اللعنة" بالقدر الذي شمل فيه الديوان العديد من القصائد القصار ,التي كدس فيها الشاعر ,محمولات فكرة مناقضة للمألوف, في صور جمالية تجعل المتلقي يعيد قراءتها اكثر من ذي مرة، الامر الذي لفت انتباه الناقد العراقي الكبير "طراد الكبيسي" والذي قال في قصائد الشاعر "اذا امكن كتابة قصيدة "الهايكو" بالعربية على غرار ما فعل بعض الشعراء الغربيين فإن تجارب موسى حوامدة في القصيدة القصيرة جديرة بالاعتبار من وجهة نظر جمالية,,.

كثيرون هم الذين، حاولت معهم سيوف الكنيسة وعموم الكهنة، الا انها ظلت لحظة تاريخية لا تستذكر أسماء الكهنة، أو حتى قاتل جاليليو, إلا انها تستذكر بالإعزاز أسماء اولئك المفكرين, الذين ظللنا نتواتر في قراءة اخبارهم وانتاجهم الفكري، والحوامدة من خلال "ديوانه" يقف على ذات المنحنى الذي انتحاه "النفري" في "المواقف والمخاطبات" من خلال ايمانه بالقاعدة الابداعية "كلما إتسعت الرؤية ضاقت العبارة" والطريف في الامر ان "النفري" رجل دين متصوف وكاتب مبدع, ولكن برغم ذلك ظلت اعماله موضع تشكيك, إذ هو القائل "في موقف إستوى الكشف والحجاب" مخاطباً الذات الالهية: -

وقال لي انظر بعين قلبك

إلى قلبك،

وانظر بقلبك كله إليَّ

وقال لي اذا رأيتني

إستوى الكشف والحجاب

وقال لي وارني عن اسمي

وإلا رأيته ولم ترني

وقال لي إذا رأيتني

خرجت من أهل العذر

وكذا الحال عند نص"يوسف" لموسى الحوامدة، إذ ان لكل نص منهما، طاقته الخاصة على تغيير الدلالات الاصلية المشحونة فيه، والايدولوجيات تقوم على فكرة النص كبنية متكاملة تحكمها عناصره الداخلية، المستقلة عن العوامل الموضوعية الخارجية، وهذا هو سر اللغط والالتباس الذي يصاحب قراءة مثل هذه النصوص، والتي اصطلح عليها في بدايات القرن السابق بــ (الأدب غير الملتزم)، ودائما ما تظهر سلطة غالبة تحاول إقحام الادب في إطار نطاقها المعرفي – السلطوي – الديني ولقد عانى المؤلف إرهاقا كبيرا إبان الماركسية التقليدية والتي عمدت إلى اجبار المبدع على تبني ايدلوجيتها عبر ما يسمى بالأدب الملتزم.

والشاعر موسى الحوامدة ، ومن خلال إدراكه لما يشوب التفكير الجمعي من التباس، اخذ يصنع اتجاهاته المعرفية مستفيداً من التناقض الكائن، وفي هذا جاءت المجموعة الشعرية كلها مستهدفة استفزاز ذلك التناقض، باتجاه زلزلته ورجه رجاً، وهذا المنحنى شامل عن الشاعر, فهي ذات النظرة المعرفية التي اراد تأكيدها في ما يخص رؤيته حول الشعر وذلك يتجلى في قصيدته (غــدر) التي تحدث فيها عن بحور الشعر وقيمة الجرس وذلك في بناء عروضي سليم:

بحور الشعر نعرفها/ ونعرف قيمة الجٍرس

ونبني شعرنا حراً/ على بيت من الأُنس

نخون الشعر أحيانا لوجه الجن والأِنس

وذلك في تبرير لإصداره المجموعة بالشعر الحر، ومن جهة اخرى إنسجاماً مع النسيج المعرفي الذي يكوَّن رؤية الشاعر في الحياة برمتها، وهذا الموقف يتضح انسجامه مع بقية قصائد الديوان، انظر قصائد (عبد الله) و (عبد الخالق) و (عبد القادر) و (سبيل)،

يا عبد الله

من ملكك العربية

من أهداك القران

وأعطاك الكعبة

…والخ

ان استهداف الفكر والابداع استهداف مدروس لصالح الاعداء الحقيقيين للامة (قوى التخلف والتبعية والاستعمار)والا كيف اتفقت ارادة الوزارات , القابعة هنا وهناك باسم الثقافة .على استعداء الشعراء والكتاب والمفكرين .لذا نجد الشاعر نموذج هذه الدراسة موسى الحوامدة ,يقذف بجام غضبه على الذين يدعون للتعايش مع العدو الصهيوني في قصيدته (يوسف) وكذا على كل الديكتاتوريات المتقرفصة باسم الشعب والدين في قصيدته (عبدالله) وعلى رجال الدين الذين لا يرون من الدين ,الا منطوق المفردات المجردة في قصيدته (سبيل) وهكذا نجد عموم القصائد في ديوانه (شجري اعلى ) وهو في كل ذلك حاول أن يخلق ما اسماه (مطاع صفدي – مسؤولية المعاناة في الشعر الحضاري –مجلة الاداب –1966-العدد 3) الشعر الحضاري الذي يعتمد البنية الفكرية على استلهام (الاسطورة والتراث )معبرا عن جوانب من الواقع العربي , كحالة ,وهو اعتماد يدين مغزاه السياسي والاجتماعي , كل ما هو قائم ومناقض لمعنى الحياة الحقيقية والشاعر ليست مهمته ان يمارس نوعا من الكتابة كما يقول ادونيس (خواطر حول تجربتي الشعرية)انما مهمته ان يحيل العالم الى شعر اذ يقول : (اخلق له في ما اتمثل صورته القديمة ,صورة جديدة ,فالقصيدة حدث او مجيء والشعر تأسيس باللغة والرؤيا ,تاسيس عالم واتجاه لا عهد لنا بهما من قبل .انه كشف وفتح .وكل ابداع تجاوز ,لهذا كان الشعر تخطيا يدفع الى التخطي . وهو اذن طاقة لا تغير الحياة وحسب وانما تزيد الى ذلك في نموها وغناها وفي دفعها الى الامام والى اعلى ) …..ان الشاعر ومن ارضية مبدئية لا يفهم الاشياء مجزأة فمثلما ينشد الحداثة في الحياة الاجتماعية ينشدها كذلك على مستوى التجربة الفنية لابداعه ,وفي مثل هذا تمثل الموقف نفسه غير موسى الحوامدة شعراء آخرون امثال صلاح عبدالصبور (مأساة الحلاج)والسياب (جيكور) وادونيس (اغاني مهيار الدمشقي ومقدمة لملوك الطوائف ) اذ انشد الاخير في اتساق حداثي بين الرؤية الايديولوجية والنسق الفني الابداعي :

سمنا قيسا وسم الارض ليلى

باسم يافا ,باسم شعب شردته البشرية

سمني قنبلة

او بندقية

هذا انا

لا لست من عصر الافول

انا ساعة الهتك العظيم

أتت وخلخلة العقول

وفي اطاره الحداثوي, استخدم الادب العربي رموزا ,استعارها من فضائها البابلي (تموز وعشتار)او من الادب الفينيقي والاغريقي او قصص الانجيل (في المزامير والانشادات )والقرآن(قصة ايوب,قصة يوسف الخ )وما تجدر الاشارة اليه ان ثقافة الشعراء وانتماءاتهم الطبقية والفكرية حددت الكثير من مواقفهم , وهذا يؤكد ان ثقافة الشاعر تحدد اختياراته الفنية لبيان موقفه الاجتماعي .

ويتاكد فرادة هذا التطابق, في فلسفة باختين اللغوية, عندما توازن بين توجهاته المنهجية وتوجهات نظرية سوسيولوجيا الادب ,والتي ترى ان هناك تناظرا بين البنية الداخلية للنص (لشكل)والحقل الثقافي الايديولوجي (المضمون).

وفي هذا الجانب ؛جانب عدم جواز مقارنة النص الشعري من حيث المضمون مع الاسطورة او (النص الديني ), ينبغي الالتفات الى ان الانفتاح النقدي والفاحص يتأتى من المقارنة والترادف في البيئة المتماثلة ,مع الاحتراس من عدم احترام هامش الابداعات ذات البنية المتماثلة , والتي لا تقدم ذات الرؤية عن الواقع المعاصر لها , يجب احترامها لهذه المفارقة .وهذا الاحترام يقدم بعيدا عن خيارات المنطق العقائدي والاخلاقي .لاننا نفترض الوثيقة الابداعية على انها اثر ابداعي محض نابع عن طبيعة تتسم بالتوقد والحماس ,يسير على الخط المحايد والمعقول بشريا ليس الا(محمد القاسم الياسري )مجلة الطليعة الادبية –بغداد العدد2عام1999م.

ـــــــــــــــــــــــــ

* سامي عبدالحليم ؛شاعر و ناقد سوداني

الدراسة نشرت في جريدة الرأي العام السودانية في7-3-2001

 

 

موارد نصيـة

موسى حوامــدة

طريد الدولة والديـن

المحتــوى

سيف التكفيـر يضرب في الأردن. الشاعر موسى حوامدة طريد الدولة والدين (مجلة النقاد اللبنانية)

إيهاب الحضري: الشعر كفر، الخيال بدعة. حالة موسى حوامدة "نموذجا"

د. صلاح فضـل: موسى حوامدة في «شجري أعلى»، مفارقات الشعر والسياسة والدين

محمد علي شمس الدين: موسى حوامدة أمام لعنة (يوسف). حق الشعر وحدود التأويل

د. ضياء خضيـر: على هامش تكفير الشاعر موسى حوامدة. عمل التاريخ.. وعمل الشعر

علي سفـر: «شجري أعلى» لموسى حوامدة قصائد لتهشيم السياق

فريد ضمـرة: كائـن سماوي ناظم

موسى سامي عبد الحليم «المحامي»: موسى حوامدة؛ أديب فلسطيـن يضع قضايا الاحتلال في مركز كتاباته

بيان من صاحب شجري أعلى: عن الحقيقة الغائبة دائما

موسى حوامدة: تسبيح وشعر «اللهم ادخلهم التجربة».. وهب يا رب أني كفرت!!

ٍٍ موسى حوامدة: دجالون وكذابون !!

ٍ موسى حوامدة: أبارك لكَ الفجيعة

إعادة محاكمة الشاعر موسى حوامدة للمرة الثامنة

 

 
 
جماليـــات صالـون الكتابـة

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع منشورات الموقع

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.