حسن نجمـي

الفصــل الأول

الفضـاء، أية استراتيجية؟

 

  

I. فضــاء الاستراتيجيــة

لماذا الفضاء الروائي؟

وقبل ذلك، لماذا الفضاء؟

لنقل إن استراتيجية الفضاء هي في الحقيقة استراتيجية متعددة. استراتيجيات. بعضها يسائل المنظور المشترك للفضاء داخل المحكي الأدبي (وبغير قليل من المجازفة: داخل الواقع المعيش)، وبعضها الآخر يمكن أن نسميه «استراتيجيات التميز»[1] التي يتحقق فيها منظور متميز أو فرداني أو خصوصي للفضاء، أي تحقق نوع من الانزياح عن المنظور العام والسائد.

بتدقيق أكبر، يمكن أن نقول أيضا بأن استراتيجية الفضاء الروائي (والأدبي عموما) هي استراتيجية كتابة واستراتيجية قراءة على السواء. وربما بسبب من هذا التداخل، انتشر مفهوم الفضاء دونما أي «حاجز يعين له الحدود»[2] ليصبح الفضاء ضيقا بكل شئ، بكل حقل وبكل الصفات: فضاء أدبي، فضاء إيديولوجي، فضاء العلم، إلخ...

وإلى جانب كونها استراتيجية كتابة وقراءة، يمكن الحديث مع ذلك عن «سلوك استراتيجي» من ذلك النوع الذي يتحدث عنه دريدا، القائم على «الموضع داخل الظاهرة»[3]. وذلك عبر «ترتيب استراتيجي معين، يقوم داخل الحقل نفسه وسلطاته الخاصة، وبقلبه ضده استراتيجياته نفسها، بإنتاج قوة تفكيك تنتشر عبر كامل النسق»[4]. وإذن، استراتيجية تفكيك كما سنرى لاحقا.

إنها بمعنى آخر، ليس فقط استراتيجية فضاء مكتوب ينبغي أن نقرأه كما يقدم نفسه للقراءة، بل استراتيجية الإمساك بالمتوقع واللامتوقع في كتابة روائية ممتلئة - من حيث هي كتابة أدبية ومن حيث هي كذلك كتابة ذات خصوصيات أساسية - بالفضاء، بشعرية الفضاء، بسيمياء الفضاء، بإيديولوجيا الفضاء، بهندسة الفضاء، بميثولوجيا الفضاء.

لندقق أكثر في أدواتنا.

ماالذي نقصده بمفهوم الاستراتيجية ذاته؟

الاستراتيجية هي النقطة التي تجمع وتوحد كل العناصر والمكونات من أجل عملية شاملة. «إنها ليست فكرا ولا تأملا مجردا، لكنها عمل يضيؤه الفكر»[5]. إنها باختصار شديد هي السلوك والتنفيذ، بالوسائل الجيدة، لتصور معين. إنها أيضا عقلنة للاختيارات، حساب وتقييم للوسائل. «ومن وجهة نظر فلسفية، فاللغز الذي ترفعه فكرة الاستراتيجية ذاتها هو السؤال التالي: أن نؤمن بفعالية فكر استراتيجي، هو أن نسلم بأن المجتمعات الإنسانية تستطيع، بمقياس معين، أن تقود وتسيطر على تاريخها. أن نرتقي إلى الاستراتيجية هو أن نقوم بميثاق ثقة في عقلنة ومعقولية الفعل والتاريخ»[6].

وبهذا المعنى، فإن «كل استراتيجية للفضاء تستهدف عدة أهداف»[7]، كأن تكون منطقا لبناء أنساق متخيل أدبي من خلال مراكمة لفضاءات متعددة، تكوينية أو موصوفة أو تكون تفكيكا لمجمل عمليات وآليات هذا البناء وإعادة تركيبها وفق منطق القراءة النقدية الجمالية كما سنوضحها لاحقا. ومن ثم، يمكن أن نعتبر أن الأهداف المحددة لاستراتيجية هذه الدراسة هي إيجاد أجوبة ممكنة لعدة أسئلة مركزية: ما هو الفضاء الأدبي؟ ما هو الفضاء الروائي الذي يهمنا أساسا؟ ما هي قيمة ومكانة الفضاء في الكتابة الروائية؟ كيف ينبغي النظر إلى الفضاء الروائي، هنا والآن؟ كيف يكتب الأدب العربي الفضاء؟ كيف نقرؤه؟ والنقد العربي، أين هو من إشكالية الوضع الاعتباري للفضاء الروائي؟ والرواية الفلسطينية بالذات، وسحر خليفة كفلسطينية وكامرأة ضمنها؛ ما طبيعة منظورهما للفضاء؟... إلى آخر الأسئلة المقلقة.

ربما جاء هذا العمل النقدي ليتلمس الطريق نحو الإجابة. ربما سيتولى مهمة التوضيح، لكننا بالأساس نتطلع هنا إلى أن نجعل من الفضاء «حبة الكتابة» بالمعنى البارتي، أي أن نتيح لهذا المكون أفق النتوء في قراءة غير معزولة عن سياقات التاريخ والمجتمع والذات الكاتبة، وغير مستخفة بخصوصيات وبنْيَات الخطاب الروائي. نتوء يؤسسه نتوءُ قراءة.

II. استراتيجية الفضــاء

يتعين أولا أن أشير إلى أنني سأسعى، على نحو ما فعل باحث عميق، إلى أن «أموضع الفضاء المتخيل لنص ما داخل سياق إيديولوجي. وبدقة أكثر، فإن نيتي أن أقدم الفرضية التي يتشكل بمقتضاها الفضاء المتخيل لنص أدبي المكان المفضل الذي تنكشف فيه إيديولوجيا معينة»[8]. على أن هذه الدراسة لن تشغل كثيرا بتحليل الفضاء الروائي في علائقه بباقي عناصر ومكونات الخطاب الروائي، وإن كانت تأخذ بعين الاعتبار، على الأقل كخلفية نظرية وكإضافة مداوِمة. لكنها تهتم أكثر بمعنى هذا الفضاء في مختلف مستوياته وتعبيراته.

وإذا كان يوري إيزنزويغ قد درس الفضاء انطلاقا من فهمه له، وبشكل خاص، كـ «مرجع فضائي» أو كـ «فضاء مرجعي» لنص لغوي[9]، مما استلزم ربطه بإطار دلائلي (سيميائي) عام، ثقافي وحضاري من شأنه أن يَشِمَ الفضاء المتخيل - بما هو فضاء متَمَثَّل - بعمق دلالي، فإنني إضافة إلى ذلك أود أن أقارب المستويات الجمالية لكتابة الفضاء ولقراءته، وأنفذ عبر ذلك كله، سيميائيا وإستتيقيا، إلى طبيعة ونوعية الوعي بالفضاء كسؤال مركزي.

لقد شكل الفضاء على الدوام «محايثا للعالم»[10] تنتظم فيه الكائنات والأشياء والأفعال، معيارا لقياس الوعي والعلائق والتراتبيات الوجودية والاجتماعية والثقافية، ومن ثم تلك التقاطبات الفضائية التي انتبهت إليها الدراسات الأنثروبولوجية في وعي وسلوك الأفراد والجماعات، والتي تنبه، - ضمن ما تنبه إليه - إلى نوع من اختراقات الفضاء لنا، لأجسادنا، لأفكارنا، لوجداننا ولمعارفنا.

ومثلما يتفاعل مع الزمن[11]، فإن المرء كذلك بقدر ما ينظم الفضاء ينظمه الفضاء. اختراق متبادل. تفاعل يدخله المرء عبر سيرورة تجربته في الوجود وعبر اضطراد تشَكُّل تصوراته وخبراته وتشييد معرفته. ولذلك يمكن القول بأن تاريخ الإنسان هو تاريخ تفاعلاته مع الفضاء (مثلما مع الزمن). وبالتالي، فإن الفضاء يلعب دورا حيويا على مستوى الفهم والتفسير والقراءة النقدية. وهو لكي يلعب هذا الدور يأخذ وضعا اعتباريا نظريا: فمن جهة، يتعين تكوينه وتحديده كمفهوم نقدي (سوسيولوجي، بنيوي، سيكلوجي، إدراكي...)، ثم توظيفه منهجيا وإجرائيا بعد ذلك[12].

وهكذا، تغدو استراتيجية الفضاء استراتيجية تأويلية في جوهرها، حتى وإن كانت في الأصل وفي الأساس تكوينية وملتحمة ببناء النص. أقصد أنها بحث عن المعنى كما انكتب، وكما ينبغي أن يقرأ. إذ «مما لاشك فيه أن فكرة الاستراتيجية التأويلية توحد الكاتب والقارئ، وفعل القراءة وبنية النص ضمن إطار إدراكي واحد. ومع ذلك، فإن هذه الفكرة تنطوي على قوى موجهة تعمل ضد المعنى الموحد، فقد غدا النص غاية لاستجاباتنا بعد أن كان منطلقا لها، ولكنه لايزال مجالا فارغا، وميدانا مستقلا، ينظر القصد الجماعي الذي يملؤه»[13]. كما تغدو أيضا تتبعا لمجاري الفضاء عبر «تلاقيات غير منتظرة»[14] من جهة، وعبر منجزات الكتابة التي تصبح جزءا من محددات القراءة ومنطلقا لها.

وتأسيسا على هذا العمق التأويلي، يصبح الفضاء أداة قوية للمعرفة. خصوصا وقد تلقت وقبلت الإبستيمولوجيا وضعا اعتباريا للفضاء بوصفه «شيئا ذهنيا» أو «مكانا ذهنيا»[15]، أي بوصفه شكلا قبليا «ترتسم فيه كل مسافة متخيلة، كما يذهب إلى ذلك جلبير ديران»[16]. وليس فقط أداة معرفة، بل ماذا تعني المعرفة ذاتها إن لم تكن أيضا «الفضاء الذي تأخذ فيه الذات وضعا لكي تتكلم عن الموضوعات التي لها غرض بها في خطابها»[17].

إن هذا الارتقاء بمفهوم الفضاء إلى مستوى التجريد العقلي، إلى ما يجعل نسبة الفضاء «إلى العقل كنسبة العقل إلى الحس»[18]، هو ما قد يجعل القول مثيرا للاستغراب كأن نقول بأن الفضاء ليس سوى إطار روحي تتشكل فيه الظواهر الاستعارية التي تتوزعها الأسماء والصفات. هل لذلك كان جورج بيريك يقول بأن «الفضـاء شك»؟[19]

يدخل الفضاء الأدبي على الدوام في دائرة المنطق الديكارتي، إذا صح التعبير، حيث يغدو بعضا من المطلق الذي أعادت النظر في مقولته فلسفة ما بعد ديكارت، مع بعض التحويلات، وخاصة مع سبينوزا، لايبنتز ونيوتن[20]. ومن ثم، إذا لم يكن يعني الفضاء على امتداد تاريخ طويل إلا تصورا هندسيا، تصور وسط فارغ يملؤه المرء بمعان عالمة، فإن السؤال يطرح نفسه هنا بإلحاح: ما الذي يتبقى أوقليديا في هذا الفضاء - الشك، في هذا الفضاء - المطلق، حيث يشبه الحديث عنه حديثا عن لحظة انخطاف شعري لجسد تخترقه الروائح والأصوات والأشكال والألوان والأشياء والأمكنة والصور والأحلام والحالات النفسية والذهنية المختلفة؟

إن الاستعارة الفضائية تبدو أساسية في هذا السياق للإدراك، للمعرفة، للكتابة والقراءة. ولذلك، ربما، يرى الباحث المغربي عبد الله المدغري العلوي مسترشدا بكتاب استعارات الحياة اليومية بأنه «إذا كان مفهوم الفضاء من أقدم مفاهيم نسق تمثلنا المعرفي، فإنما لأن سلوكنا في مفهمة الأفعال المادية والثقافية يتأسس على مبدأ رئيسي: فنحن في إدراكنا للأفعال ننطلق من التجارب الأكثر حسية لإضاءة الظواهر الأقل حسية (...). وهو نفس المبدأ في مفهمة أفعال المحكي: إذ نستعمل الاستعارة الفضائية لكي نضئ التمثلات، المواقف الملفوظة (الذاتية إذن) حول الخطاب، تلتقي والتقاط الفضاء - الزمـن»[21].

ترى هل مخافة هذه التداخلات بين الأبعاد الثقافية والاجتماعية لمفهوم الفضاء وأبعاده الإبداعية والجمالية، أبدى السيميائيون حذرا واضحا من الفضاء، مفهوما ومصطلحا؟[22]

ربما؛ وربما أيضا لأن الفضاء بكل شساعته الدلالية والرمزية والاستعارية والجمالية يضع أمام خطى الباحث الممتلئ بقصديته وبوضوح غاياته (!) قدرا من الألم لابد وأن يرهق المسارات المطمئنة. أقصد أن مفهوما له كل هذا الثراء والتشعب لابد أن تتوفر لتشغيله طاقة خصبة من التعدد المعرفي بدءا بالتاريخ وصولا إلى المعرفة التشكيلية التي يلح عليها أستاذنا د. محمد مفتاح باستمرار[23]. وغياب مثل هذا التعدد هو الذي جعل الدراسات النظرية والنقدية المهتمة بالحقل الأدبي المعاصر، وخاصة في الساحة الغربية، تتعثر وتتخلف كثيرا عما أنجزته الدراسات المختصة في حقل الفنون التشكيلية (تصوير، معمار، نحت، حفر، إلخ...). لذلك طبعا أسبابه التاريخية والثقافية والمعرفية التي لم ينتبه إليها جورج ماتوري وهو يسجل ملاحظة في نفس المنحى[24].

 III. هـــل للفضــاء تاريــخ؟

وإذا كان من المفيد في هذا الإطار التساؤل حول أصول مفهوم الفضاء والسعي به إلى الانتظام في التاريخ، خاصة وأننا بصدد بحث في مكون واحد من مكونات الخطاب الروائي، فإنه يتعين الوعي بأن هذا المفهوم ليس في الحقيقة إلا حصيلة تطور تاريخي. ذلك أن ما كان يفهمه قدماء اليونان أو قدماء العرب المسلمين من مفهوم الفضاء ليس هو ما فهمته أوروبا النهضوية أو أوروبا القرن التاسع عشر، وليس هو ما نفهمه اليوم من هذا المفهوم في مجموع استعمالاته وتوظيفاته الإستتيقية والأدبية والفلسفية...

لقد تعلمنا أن الاعتماد على التاريخ معناه أن هذا الحقل يمكنه أن يوفر لنا ما قد لايوفره لنا الحاضر[25]، لكننا بخصوص هذا المفهوم لن يقول لنا عنه انتظامه في التاريخ أكثر من أنه ناتج عن تطور. أما ما يتبقى فقد اسسه الحاضر وعمقه، وبالذات بالنسبة لمن يتحدث عن هذا الموضوع من داخل ثقافة لها تاريخ كتاريخ الثقافة العربية.

وإذا كان الأدب يعمل في تاريخ الفضاء[26]، تاريخ مشكل ابدي تعذر حله على الدوام كما يقول الشاعر ميلوشْ: «تحت آلاف أقنعة الحب، الخوف، الغطرسة، التقزز، يكمن المشكل الأبدي، المتعذر حلـه، مشكـل الفضـاء»[27]. فلربما كان الوضع أدهى بالنسبة إلينا - نحن العرب - إذ من الواضح أن الفضاء ليس من المعطيات الأولية الراسخة في ثقافتنا العربية، بل كانت ولا تزال للزمن مكانة الصدارة في الوعي العربي. كما هو واضح كذلك عدم إدراك مستويات التبادل الوظائفي بين الفضاء والزمن لدى الإنسان العربي، إذ يمكن القول بأن تشغيل الوحدة الفضائية - الزمنية لأينشتاين في تجربتنا اليومية العادية يظل صعبا جدا، بل ولعله ليس بالسهولة المتوقعة في تجربة الفكر والإبداع عندنا.

ومع أن مفهوم الفضاء هذا لم يتبلور في التراث العربي الإسلامي كما هو متبلور اليوم أو على الأقل كما كان متبلورا في حضارات قديمة، فإن عدة اجتهادات كانت ظهرت - أساس في الفلسفة والتصوف الإسلاميين - لكنها استندت جوهريا - وأتحدث عن الفلسفة هنا - إلى التراث الفلسفي اليوناني في مسار التحديات المختلفة التي كانت تتراوح بين الائتلاف والاختلاف مع النصوص والاجتهادات السابقة. غير أن هذا المفهوم (الفضاء، ويسميه الفلاسفة العرب: المكان، الخلاء، الملأ، الأين) في بعديه الميثولوجي والفلسفي ظل يتطور تاريخيا، إلا أنه لم يلتحق بحقل النقد العربي القديم إلا في بعده النحوي كظرف (ظرف مكان)، ونحن نعلم مستوى تبخيس ظرف المكان مقارنة مع ظرف الزمان[28] أو في بعده البلاغي البسيط كما ظهر في إنتاج القاضي عبد الجبار وعبد القاهر الجرجاني[29]. لكن تتعين الإشارة إلى الأهمية النظرية التي منحها ابن سينا لإشكالية الفضاء بمختلف أبعادها ومستوياتها، ومابذله من جهد في إثبات هذا المفهوم ودحض الطروحات المعتقدة بعدم وجوده[30]. أما المدينة الفاضلة للفارابي، فقد كانت شكلا متقدما لإدراك ومساءلة الفضاء في علائقه المثيرة بالمتخيل وبالمعرفة. ذلك أن فهمنا للعالم يصبح منتظما بحسب فهمنا للفضاء، عبر تشغيل مفهوم إجرائي للتناسب يمكن من تخييل الأشياء وتأويلها، أو عبر آلية اختزال العالم في بنية المدينة، بنية الفضاء. هذه البنية التي تؤسس آلية التخييل بما تمنحه لها من إحداثيات يمكن - بالرجوع إليها - إعادة بناء العالم[31]. ولا أعرف، إلى جانب ابن سينا والفارابي وبعض المتصوفة (أفكر في ابن عربي مثلا، دون أن أنسى طبعا جلال الدين الرومي في قصيدته العظيمة «مثنوي»...) من عمق صلاته المعرفية بسؤال الفضاء في ركام تراثنا النقدي والفكري، على الأقل في حدود علمي. غير أن متحفنا التراثي الأدبي حفل منه الشعر الجاهلي بالخصوص بانفتاح كبير وعميق وواع على أهمية الفضاء في صياغة الوجود المادي والإبداعي. الوعي بالفضاء كمكان أولا، ثم كعلائق وكذاكرة وكحنين. يقول أدونيس:

«لهذا الوعي طابع فاجع عند الجاهلي لأنه، في بحثه عن المخارج، لم تكن تحركه فاعلية دينية نحو تعال إلهي يخلص. فهو عالق بالأرض يبحث، من خلال وثنيته، عن تعال من نوع آخر، هو التعالي الأرضي. ليس له غير الأرض - يخلص لها ويخضع لإيقاعها. والإخلاص للأرض دخول في العمل والحركة، أي فروسية وبطولة، من جهة، وهو، من جهة ثانية، يفترض الاتجاه إلى الخارج لفهمه والسيطرة عليه. الصحراء هنا هي الخارج، والصحراء عدو: لاتعطي، وهي مكان التغير والغياب. المكان، لذلك، ذو أهمية أولى في فهم الشعر الجاهلي.

للمكان عند الشاعـر الجاهلي وجهان: وجه يجذب، ففي المكان وحده ترتسم تحققات الفروسية وأبعاد الفارس. ووجه يخيف، إذ من المكان أيضا تأتي مفاجآت السقوط. ومكان الشاعر الجاهلي، ريحه ورمله، نوع من المكان - الزمان: ينحني، يتداخل، ينتقل، يحير ويضيع. إنه المكان - المتاه. من هنا هاجس الشاعر الجاهلي ليجعل من المكان ملجأ. من هنا حسرته حين يرى إلى الأشياء تتهدم وتغيب. فالمكان لغة ثانية خفية في تضاعيف القصيدة الجاهليـة.

 هذا المكان لا يتيح أي شئ إلا بالقوة. تصبح إرادة السيطرة والتملك عند الإنسان، المحرك الأول. هكذا: حياة الشاعر الجاهلي بؤرة نفسية يتـلاقى فيها المكان والزمان، الضرورة والصدفة. وهكذا يعرض نفسه قصديا لصدف الحياة، فمن يملك الشجاعة ليجابه خطـر المكان هو، وحده، يعرف كيـف يكون سيد مصيره»[32].

إن الفضاء بما هو صحراء، في الوجود وفي المتخيل على السواء، يجسد هذا الذي يسميه أدونيس أيضا «جدلا فاجعا». كل شئ فيه «ملك الإنسان وهو لا يملك أي شئ (...) إمكان خالص، لحظة هي استحالة خالصة»[33]. ومن ثم، يبدو سهلا الآن الانتقال إلى فضاء آخر بما هو «صحراء مجازية ولو أنها مؤثثة بما فيه الكفاية»[34]. أقصد الفضاء الأدبي، السردي منه بالخصوص، في حقل الدراسات الغربية الراهنة. هناك حيث يخترق الجسد (رعويا كان أم متشذرا باللغة والصورة وإرغام النسقية)، هذا الجدل الفاجع بين حس الفضاء والوعي به وبين الفضاء ذاته كتعقيد آخر ينشبك فيه سؤال التاريخ، سؤال الجغرافيا، سؤال الفكر وسؤال الواقع المعيش.

وسنرى، فيما بعد، كيف أن بعض منظري ونقاد الأدب الأوروبيين سيخطؤون القراءة وهم يتعاملون مع سؤال الفضاء الروائي كما لو كان نابعا من ضرورة غير ضرورة التاريخ والصيرورة الجغرافية ذاتها التي عاشتها الخريطة الأوروبية. «إنها ليست صدفة كون الروايات الفرنسية (والأجنبية) الأكثر أصالة ستأسس بدورها على رفض للتاريخ، للترابط المنطقي ولليقين. رفض ينضاف إليه (بما ينسخ روب غريي بروست كما نسـخ بروست بلزاك، ولكن بدون أن يعني النسخ عدم التقدير) رفض الديمومة والعمـق»[35]. ومن ثم، ستتجه الكتابـة الروائيـة هناك نحو مجرى الوعي التاريخي وبموازاة مع «ما سماه جورج ماتوري بالفضاء الإنساني، السلب الضمني لـ «كابوس التاريخ» الذي اشتكى منه جويس[36]. كابوس الزمـن الذي أيقـظ في النفس وفي الوعي القيمة الوجودية والجمالية للفضاء.

لذلك، إذا كان قد وقع الاهتمام مجددا على مفهوم الفضاء، وتم إبرازه وتشغيله فيما يشبه انبعاثا، فإنما لأننا ربما، على نحو ما يوضح باحث مغربي، «سنشهد إشباعا في مفاهيم التقدم (بمعنى السيرورة التاريخية) والعقل»[37].

IV. الفضـــاء المعيــش

لقد كان ينبغي الانتباه إلى تلك «المصادفة» التي كررت نفسها مرتين على الأقل في تاريخ الرواية الغربية، ونعني توجه هذه الرواية مباشرة بعد الحرب العالمية الأولى إلى الانشغال بسؤال الفضاء (بروست، جويس...) وتكرار التوجه ذاته عقب الحرب العالمية الثانية مباشرة، وخاصة ما أنجزته تجربة الرواية الجديدة في فرنسا (ميشيل بوتور، ألان روب غريي، كلود أوليي، جان ريكاردو، ناتالي ساروت، كلود سيمون...) هي ليست مصادفة تماما. إنها رد فعل أيضا على ما يخضع له الفضاء الحسي من تحولات معينة تجريها مقتضيات الجغرافيا (حيث الجغرافيا لا تصلح إلا لفعل الحرب، بتعبير لإيف لاكوست)[38].

ولذلك، يتعين ألا تشغلنا قيمة المتخيل في الفضاء الأدبي عن قيمه المرجعية وعن تخومه مع مستويات معينة للمعيش بما هو فضائي في عمقه وجوهره. طبعا، لا يتعلق الأمر بأية حالة إدماج للمـرجع في العلامات الفضائية للنص الأدبي[39]، وإنما يتعلق أساسا بحالة جغرافية تستحق تأملا عميقا، خاصة في وضع حضاري ثقافي وتاريخي كالوضع العربي. ومن ثم، فإن الفضاء الأدبي، وهو يتميز عما ليس فضاء أدبيا، يتقاطع - على نحو ما يوضح ذلك يوري إيزنزويغ - كليا مع فضاء العالم الخارجي، مع الكون المعيش، من حيث قد لا نستطيع أن نتلقى فضاء أدبيا لا يحدده هذا التقاطع بالذات:

«هكذا، يسنح التحفيز [تحفيز العلامة اللغوية] الأقصى المتحكم في الكلية المستقلة للنص الأدبي بكشف الخطاب الإيديولوجي الذي يشيد تمثله للفضاء. وأدبية القرنين 19 و20 تقول لنا إن الفضاء المتمثل، بعيدا عن أن يكون «طبيعيا»، لا معنى له إلا في علاقته برغبة الذات، بالغيرية، بالزمنية (زمنية الدال في الشعر، الزمنية الحدثية الحكائية في نص نثري)...الخ.

إن هذه العلاقة، وليس التمثل الفضائي الممكن، أو الوظيفي، هي ما يشكل نقطة تقاطع الفضاء الثقافي «الواقعي» (الإدراكي، الجغرافي أو غيره). ويكشف الفضاء المتمثل في نص أدبي ما عن إيديولوجيا معينة: ليس لأنه يتطابق، يتناقض، أو يختلف بكل بساطة، عن الفضاء المرئي، ولكن نظرا لمنطق انخراطه في الخطاب الشامل الذي يمنحه معناه.

إنه المنطق، أو بتعبير آخر: الشكل. إنه فقط بطابعه الشكلي لانخراط الفضاء في مجموع النص، يتم تبيان مضمر الإيديولوجيا السائدة التي تفرض رؤية معينة للمشهد (الطبيعي)، للمدينة، للمسافات»[40].

إننا هنا بصدد الحديث عن نوع من «البلاغة الاجتماعية للفضاء»، التي سبق لجورج ماتوري أن اقترحها علينا من خلال دراسته «للفضاء الإنساني»، عبر مستنسخات صحفية، فلسفية وثقافية أكثر منها رموزا ونماذج أدبية كبرى، على نحو ما لاحظه جيرار جنيت[41].

وأتصور أن العودة إلى «خانة» جورج ماتوري التي «يتفحصها» في مستوياتها الاجتماعية تجعل من فهمنا للفضاء الأدبي فهما عقلانيا وممكنا. لقد علمنا نيوتن Newton بأن الفضاء المطلق، بدون صلات مع الأشياء الخارجية يبقى دائما متشابها وثابتا»[42]، وبالتالي «فضاء فارغا»[43]. فالفضاء بهذا المعنى له قوة اختراق حياتنا كلها، معيشا وكتابة، كما يخترقها الزمن تماما، بنفس القوة وبنفس الجوهرانية. حتى حين نكون حيث لا نتصور وجودا للفضاء، نجد له ظلالا أو علامات أو رمزية معينة. وقد نتحدث عن شئ آخر لا نحسب أن له صلة بالفضاء، فنكتشف أننا إنما كنا نتحدث عن شئ آخر بصور واستعارات وألفاظ الفضاء، حسب تأكيدات ماتوري، لسبب بسيط وهو كون هذه الأدوات الفضائية منفتحة وطيعة وقابلة للعمل[44]. وإذا كان علينا أن نستعير تعبيرا لمارسيل غابرييل، سنقول بأن الإنسان غير منفصل عن فضائه، بل إنه هـذا الفضاء ذاته[45].

إن قراءة الفضاء الأدبي لا تنفصل مطلقا عن صلاتها بالفضاء العام، حسيا كان أم مجردا، وبالتالي فإن «تلقي الفضاء مركزي في تلقي رمزية اجتماعية»[46] معينة، في سياق اجتماعي ثقافي وتاريخي معين، بل إن هذه الرمزية الاجتماعية لا تظل بمنآى عن الحدس والتعبير ذاتهما[47]، بتعبير كاسيرر E. Cassirer، سواء فيما يتعلق بالكتابة أو بالقراءة. ولعل من الطبيعي جدا أن نلمس حرصا لدى عدد كبير من قراء ودارسي الفضاء الأدبي على مركزة قراءة الفضاء على المكان وحده أو قراءة الفضاء على المكان وحده أو قراءة هذا الفضاء لا تأسيسا على ما تبتكره له الكتابة ذاتها، بأدواتها الخصوصيـة، مـن وظائـف وأدوار، وإنمـا بالرجوع في الغالب إلى ما تحدده الرمزية الاجتماعية والثقافية والسياسية لهذا الفضاء من معنى ومن وظيفة. ومن ثم، يتعين أخذ هذا «الإرث» من القراءات بعين الاعتبار عند تأسيس كل قراءة جديدة للفضاء الأدبي. سواء في اتجاه خلخلته حسب مقتضيات المنهج ومصالح القارئ. وذلك بالطبع دون استهانة - حتى ولو كانت أدبية أو جمالية - بكون معرفتنا بالفضاء، واية معرفة كانت، لا يمكنها أن تتشكل إلا بناء على تجربتنا في الفضاء المعيش. بل إن الفضاء ذاته، وقبل أن يشتغل عليه المتخيل الأدبي، يشتغل هو، قبليا، على المتخيل.

من هنا أهمية أن نقرأ الفضاء، بما هو وجود وذاكرة وعلائق وأمكنة...، ونحن مسلحون بحس ظاهراتي، بالانتباه الضروري، ولكن أيضا بدهشة الاكتشاف، بالحدس الكامن في أعماق النفس، وبالملاحظة المتجهة إلى حركة الأشياء والعلائق والأفعال والأصوات والروائح والوجوه والألوان. هكذا يمكننا أن ننقذ القراءة من ثقل المعيش. هكذا تتشكل إرادة التقاط معنى العالم أو معنى التاريخ»[48].

V. الفضــــاء والمكـــــان

وإذا كان الانشغال المركزي لدراستنا هذه هو، في الحقيقة، البحث في مستوى ونوع إعادة تشكيل الفضاء المرجعي، دلاليا وسرديا، من خلال الفضاء النصي، فإن ثمة «مطلب إبستيمولوجي» تتعين الاستجابة له، ذلك أن «أسبق الأولويات هو تمييز الحدود بين مصطلحين متداولين، بتسامح عفوي، هما «الفضاء» و«المكان»، لاعتقادنا أن ضبط الحدود بين هذين المصطلحين سيسمح باستثمار طبقات أرضية ما تزال معتمة في القراءة النصية»[49]. واستنادا إلى منظور هيدغر لهذه المسألة، يستخلص محمد بنيس «أن المكان منفصل عن الفضاء، وأنه سبب في وضع الفضاء، أي أن الفضاء بحاجة على الدوام للمكان»[50]. وسنصل في الفصل القادم إلى بعض أسباب هذا الخلط السائد بخصوص الحدود القائمة بين الفضاء والمكان. لكننا إلى جانب ذلك هيأنا هذه الدراسة لتجسد هذه الحدود وتثري عناصر فهمها، خاصة حينما سنتيح لتعبيرات الفضاء أن تتمايز عن تمظهرات الأمكنة كمساحات ومسافات تبوبها الأحداث والأفعال الروائية. هذا فضلا عما يسمح به هدف الدراسة من هوامش لالتقاط تجليات الفضاء من حيث علائـقها بالاقتصاد الروائي، أي بباقي المكونات البنيوية للنص الروائي والإمساك بالمكان في الرواية في علائقه بالمرجعية وبالمتخيل. بمعنى آخر، إذا كان الفصل بين الفضاء والمكان ضروريا ويستلزم كل قراءة نقدية جدية القيام به، فإنه ينبغي بالمثل ألا نلح عليه كثيرا، بل الأفضل أن نكتفي بتشغيل الفضاء على امتداد الدراسة ولا نذكر المكان إلا حيث ينبغي أن يذكر. المكان الذي شوهت ترجمات عربية عدة خصوصياته ومميزاته عن الفضاء، وهو ما يجعل دراستنا تبذل جهدا لتصحيحه وتدقيقه وتجاوزه. ورحم الله الروائي العربي الكبير غالب هلسا؛ لقد ارتكب جناية من ذلك النوع الذي يمكن أن نسميه بالجريمة الرفيعة في حق الحقل النقدي والأدبي العربي. ومات ولا تزال ذيول الجناية حية متواصلة. ذلك أن الرجل اندفع، تحت ضغط شغف غامض بأهمية المكان في الكتابة، إلى ترجمة كتاب غاستون باشلار «شعرية الفضاء»[51] (المكتوب باللغة الفرنسية) عن اللغة الانجليزية بعنوان «جماليات المكان»[52]. وتميزت هذه الترجمة بضعف ملحوظ، ضعف كارثي في كثير من الجوانب، حيث هشاشة الإمساك بالمفاهيم والمصطلحات، مخاطر السقوط التي تستلزمها عادة كل ترجمة، ذهاب مع عكس المقصود تماما وقفز على عبارات وجمل وكلمات ليس بالإمكان تجاوزها دون ارتكاب جنايات قصوى إلى درجة أن المتتبع يستغرب كل سوء الفهم الذي جعل كاتبا عربيا «طليعيا» على هذه الدرجة من الضحالة، بل وجعل الناقد العربي عموما حبيس هذا الضعف وهذا المنجز الردئ.

وإلى جانب سبب بهذا الثقل، يبدو لنا أن الناقد العربي في الغالب لم يهتم بـ «فرق الهـواء» القائم بين الفضاء والمكان، بل ولم يهتم عموما بسؤال لأنه ناقد مستعجل، يكتب للصحف والمؤتمرات وللاستهلاك العابر. لا ينتبه لأسئلة الوجود العربي ولإشكالاته الفضائية، وقد يخطئ فيعتبرها مجرد تفاصيل. لا يعمق القراءة ولا يفكر. إنه يكره التفكير العميق والاشتغال على المشاريع الفكرية. لا يتعب في بناء فكرة. منذور للاستشهادات المتسكعة، غير المحكومة بمنهج أو رؤية، وجاهز لجمع المعلومات والمسموعات. يوزع الألقاب والنعوت والصفات وتتجاوزه الأفكار والتجارب والمعارف والخبرات. يتجاوزه الوقت. ربما كان من الواجب إعادة تعريب كتاب غاستون باشلار «شعرية الفضاء» قصد تصحيح وتجاوز الجناية الرفيعة للمرحوم غالب هلسا، لكن يبدو - قبل ذلك - أن من الأهمية نهوض الفكر العربي، وليس النقد الأدبي وحده، بمهام بلورة وإثراء معرفة خاصة بالفضاء. والحال أننا لم ننتج حتى الآن خطابا عربيا حول الفضاء. نعم، يمكن للخطاب أن يكون نتاج معرفة، ولكنه قد يكون أيضا مقدمة لولادة هذه المعرفة المرتقبة. أقصد أنه يمكن لخطاب نقدي (أدبي) أن يكون مدخلا نحو صياغة نظرية متكاملة حول سؤال الفضاء.

ولعل مثل هذه المعرفة سيتيح لنا - كعرب - أن نجد إجابات ممكنة على أسئلة مستعجلة: الأسئلة التي يطرحها علينا «ما يحيط بنا وما يحددنا»، الأسئلة التي تجابهنا ونحن «نفكر في تمثلات الفضاء، ولكن أيضا في فضاء التمثل قصد تحريك الفعل»[53].

إن هذا الفضاء، من وجهة نظر فلسفية، سابق للأمكنة. إن له أسبقية تجعله موجودا من قبل هناك حيث ينبغي أن يستقبلها. هناك الفضاء إذن، وبعد ذلك تأتي الأمكنة لتجد لها حيزا في هذا الفضاء. «الأمكنة جزر في الفضاء، جواهر [أفراد]، أكوان صغرى منفصلة»[54]، داخل الفضاء. لكن ألا ينبغي أن نتصور في اية لحظة أن الافتتان بهذه الأمكنة - الأكوان أو وصفها أو رصد مختلف علائق وأفعال الشخصيات فيها وبها، ليس من جوهر الفضاء الأدبي كما سنوضح ذلك فيما بعد. إن ذلك جزء من جوهرية النص الأدبي. أساس من أسس إنضاج «الحالة الشعرية»[55] التي تعبر عن ملامح فضائية (Spacialité) أدبية معينة.

وعلى كل حال، إذا كان المكان أساسا للفضاء الروائي أو كان «كل مكان هو مصدر أفق لأمكنة أخرى، نقطة النبع لسلسلة من المجاري الممكنة مرورا بمناطق أكثر أو أقل تحديدا»[56] في النص الروائي، فإننا لا نتفق كثيرا مع صاحب «الفضاء الروائي» من أن «الفضاء الروائي ليس في العمق إلا مجموعة من العلائق القائمة بين الأمكنة، الوسط، ديكور الفعل والشخصيات...»[57]. ذلك لأن مفهوم الفضاء أكثر انفلاتا وشساعة من مثل هذه التحديدات الضيقة، وإلا ماذا نقول بالنسبة لفضاء الحلم، الموت، الذاكرة، الهوية، إلخ...؟ ربما كان المكان أو العلائق بين أمكنة معينة أحد أسس هذه الفضائية التجريدية، لكنها ليست هي كل شئ عند تحديد الفضاء كما ينبغي له. في مثل تحديد كهذا يتقصد التدقيق، لا ينبغي بالفعل للتفاصيل الطوبوغرافية، لأسماء وعلائق الأمكنة، للمشاهد الجغرافية، الحضرية والطبيعية، للتاثيث والديكور... سوى إمكانية لعب أدوار ثانوية ضمن بنية الفضاء الأدبي.

وإذن، «لنقل إن الفضاء هو نوع من الوسط غير المحدد، حيث تتسكع الأمكنة، بنفس الطريقة المحسوبة. لكن كيف تحسب حركة أمكنة متسكعة؟ إن الفضاء لا يؤطرها؛ لا يخصص لها وضعا غير قابل للتغير»[58].

واضح إذن أن الفضاء بالنسبة للأمكنة، ولنستعـد هنا تعبيرا للفيلسوف الفـرنسي ميرلوبونتي[59]، هـو نوعـا ما شبيه بالبقـع اللونية لبـول كلي Paul Klee تلك التي تتبدى على أنها الأقدم في فضاء اللوحة، كما تتبدى في نفس الآن كما لو أنها ولدت لحظتئذ، في مطلع نهارها الأول.

VI. الفضـــاء الـروائــي

مر معنا أن استراتيجية الفضاء هي استراتيجية كتابة واستراتيجية قراءة، بمعنى استراتيجية خطاب أدبي. خطاب مشفوع بكل حمولة وطاقة وامتلاء الكتابة، جماليا ولسانيا وثقافيا ومعرفيا واجتماعيا. لكنه خطاب يمنح نفسه للآخر بصريا وروحيا: بدءا من السواد على البياض في انتظام الصفحات داخل الكتاب وصولا إلى أبعد مستويات المتخيل والتجريد.

حين تساءل جان إيف تاديي[60]: ما معنى الفضاء الأدبي؟ رأى - مسترشدا بكل من كاسيرر وجلبير ديران G. Durand - أنه بالمعنى الملموس «غالبا ما يكون، على الصفحة، تنظيما للبياض والسواد. أما بالمعنى الأكثر تجريدا، فإنه يعني المكان الذي تتوزع فيه العلامات في آن واحد، وتتم العلائق العابرة. هناك حيث يكون «الفكر بحاجة إلى استعارات فضائية» (كاسيرر).

ثمة مفهوم ثالث، يضيف تاديي، يجعل من الفضاء مكان الصور، الإدراكي ثم التمثيلي. فإذا كان التصوير (La peinture) هو «أثر الفضاء التمثلي، فإن الأدب يدخل مسافة إضافية، نظرا لأن علامات اللغة تمثل التمثل». ومن ثم، يجعل هذا الباحث من «كل نص فضاء». وبهذا المعنى، فإننا حينما نبحث عن تجليات الفضاء في النصوص الأدبية، روائية كانت أو غيرها، نعثر عليها حاضرة بشكل من الأشكال، إما مضمنة، أو موصوفة، أو معروضة، أو محلوما بها، أو متأملا فيها كما يقول بذلك هنري لوفيفر[61]. بل إنها تبدو أحيانا كما لو كانت مولدا للكتابة ذاتها. كما لو أنها عنصر البنينة الأساس.

ولأن الفضاء الروائي هكذا، بهذه القوة النطقية، فإنه لذلك لا تكاد الأعمال الدراسية حول موضوع الفضاء في المحكي الأدبي تنطلق دون أن تشكو من كون النقد والنظرية السردية ظلا على الدوام أسِيرَي النظر تجاه هذه المقولة الأساسية، خاصة و«أن الفضاء، في أكثر الأحيان، يرى لا كإطار جغرافي للمحكي، ولكن بالأحرى كعنصر بنينة»[62].

في البحث الطويل عن أصالة مكون الفضاء الروائي في الخطاب الروائي، كان السؤال يبدأ دائما من منطقة التحديد: كيف نحدده؟ بأي مقياس؟ ما علاقته (علائقه) بباقي المكونات الأخرى؟... والواضح أن هذا الفضاء له خصوصيته. فهو يتميز عن فضاءات جمالية أخرى كالفضاء المسرحي والفضاء السينمائي مثلا - كما يوضح ذلك صاحب كتاب «الفضاء الروائي» - لكنه لا يختلف عن المكونات الأخرى للخطاب الروائي من حيث إنه هو أيضا «لم يوجد إلا بقوة اللغة»[63]. ومن ثم، فاللغة بما هي الأساس تظل هي المدخل الضروري لقراءة الفضاء الروائي، بدون أن ننسى ضرورة التبئير بهذا الخصوص. فلا إمكانية للحديث عن الفضاء في الرواية دون تحديد وجهة نظر السارد. لكن قبل ذلك وبعده، لافضاء يمكن أن يقدم نفسه لنا. «يتعين دائما أن ننتجه نحن أيضا»[64]، وفق مقتضيات القراءة التي تأخذ بعين الاعتبار - كما سنتعرف على ذلك - لزوميات الكتابة.

لقد ظل الفضاء مكونا هامشيا أو مقصيا في الخطابات النقدية المعاصرة بالرغم من بعض الإشارات الخفيفة والعابرة إليه، وبالرغم من تطور الوعي الأدبي في العقود الأخيرة. وثمة أسباب كثيرة لا تخلو من تعقيد والتباس جعلت السرديات، بكل اجتهاداتها النظرية المتماسكة، لم تهتم بالفضاء الروائي. أسباب قابلة للنقاش في كل الأحوال، على نحو ما يوضح هنري ميتران[65]، ومنها «الطبيعة غير المضمرة للفضاء [هكذا يبدو له]، أو على الأقل الخاصية غير الطبيعية لنظام معين للأمكنة ولصفاتها الفضائية كوحدات تمثل (بخلاف الشخصيات أو المراحل الحدثية للفعل). لقد انشغلت السرديات، من جهتها، بدراسة مقولات المحكي، بصيغ إحداثها وبالإواليات التي تمفصلها بعضها ببعض، أكثر مما اهتمت بالتمثلات التي تكون المادة، وتكون بنيتها الخاصة (أي التمثلات)...»[66]. ولذلك، تأخذ هذه الدراسة على عاتقها - أن تقاوم - كل منزع يجعل الزمن يحل محل الفضاء على مستوى وصف الاشتغال الأدبي وتحليله على نحو - وفي أفق - ما سعى إليه الباحث المغربي عبد الله المدغري العلوي في إلحاحه النظري الداعي إلى إعادة إعطاء «الفضاء مكانته في الجهاز التصوري لتحليل الخطاب، حيث كان مقنعا، بل ومبتلعا من طرف مفهوم الزمن»، كما توضح ذلك مقدمة باصفاو[67].

إن الفضاء الروائي، مثل كل فضاء فني، يبنى أساسا في تجربة جمالية، بما يعنيه ذلك من بعد أو انزياح (Ecart) عن مجموع المعطيات الحسية المباشرة، أي أن مجاله هو حقل الذاكرة والمتخيل. لكنه مع هذا البعد عن الواقع الفيزيائي يظل متصلا - في كل الأحوال - ببنية تاريخ التجربة الأدبية والذاتية للكاتبـ (ة)، بل وللقارئ أيضا، إذا لم نسقط من اعتبارنا - كما سنرى فيما بعد - آليات اشتغال التصور أو التخيل أو التوهم في القراءة الأدبية، أي محددات تلقي العناصر التكوينية للكتابة. وإذن، فالفضاء الروائي في النهاية لن يكون إلا فضاء وهميا وفضاء إيحائيا. ومن ثم، عناء الوعي به والتسرع النقدي والنظري في استيعابه وتهميشه. بل، ومن ثم تصدع النظرية الأدبية أو النظرية السردية، إذ أن «غياب تأمل لبناء متجانس ونسقي لمفهوم الفضاء كأساس لهذه النظريات يفسر التصدعات النظرية في بناء النموذج كله»[68].

وإذا كان علينا أن نقتنع بأن «الموضوع الرئيسي الذي «يخصص» جنس الرواية، ويخلق أصالته الأسلوبية، هـو الإنسـان الذي يتكلـم، وكلامه»[69]، فإن علينا أن ندرك أيضا أن ثمة على الدوام فضاء معينا يلتصق بالمتكلم وبنسيج خطابه، مثلما يلتصق بفعله وبفعل كل الشخصيات الروائية. إن «الإضاءة الإيديولوجية» اللازمة للفعل التي يتحدث عنها باختين[70]، هي إضاءة لازمة أيضا لكل فضاء في الكتابة الروائية. إضاءة تنجزها قصدية توظيف فضاءات دون أخرى وطرائق إبراز فضاءات معينة في لحظات معينة من المسار السردي والحكائي؛ وذلك بما ينزع نحو ابتكار دلالات معينة أو تحريك دلالات قائمة في الواقع الاجتماعي والثقافي والرمزي.

إن الرواية الجيدة لا تستحضر أو تبتكر فضاء معينا إلا إذا أوجدت له منظورا ووزعت ظلاله وأضواءه بما يخدم استراتيجية الكتابة والقراءة معا. وأكثر من ذلك، وعلى حد تعبير ميشيل ريمون، فإن «كل رواية، فيما يبدو لي، لها نصيب من الاتصال مع الفضاء»[71]، إذ تكاد كل جملة في الكتابة الروائية تحيل على فضاء معين أو تستحضر فضاء معينا ما دامت تعبر عن فعل يتم في الوجود أو تقدم لنا حضورا ما في العالم. وبهذا المعنى، فإن صلة الفضاء بالنص الروائي هي أكثر من وطيدة. نكاد نقول بأن ليست هناك رواية أبدا بلا فضاء. ذلك أنه إذا تخلى المحكي عن الفضاء، فإن السرد يستحضره بصيغة أو بأخرى. والعكس ممكن أيضا. بل إن المحكي هو الفضاء بعينه، «الفضـاء الاستعـاري»[72] بامتياز. وربما طرح السؤال هنا بالذات عن الزمن. نقول إن برغسون نفسه الأكثر انشغالا بالديمومة كان يشترط للإحساس بها والتعبير عنها التعبير الفضائي. وإلى جانب ذلك لم يتحدد الزمن البروستي إلا «حسب لعبة الأمكنة، بتعارضاتها، بتغليفاتها، بتبئيراتها الجمعية: نظام بسيط مؤجل للفضاء (...). وبالنسبة لميشيل بوتور، فالزمن ليس إلا صورا منضدة للأمكنة، وتوفيقية فضائية. إن المرجعية الفضائية تعرض نفسها كأفضل وسيلة لعقلنة الخطاب وتنظيم النسق السيميائي؛ إنها لا تقصي المؤشرات الدينامية (العمودية، الأفقية) التي تمنحها ميزة رمزية، تحفيزية»[73].

ومهما كانت صيغ وإمكانيات الجواب على أسئلة كتلك التي طرحها كتاب «الفضاء والمعنى» حول أشكال الفضاء الروائي: «ما نبعها الخطابي؟ بأية «أدوات» إدراكية تم تشكيلها؟ ما هي الموضوعات التي تنتقيها وتبئرها؟ وحسب أي منظور؟ كيف يمكننا أن نتأمل التمظهر الفضائي؟...»[74] إلى آخر الأسئلة المتصلة بالعلائق بين «الفضاءات المختلفة ومختلف المجاري السردية»[75]، فإن اقتناعنا العميق بكون الفضاء الروائي يرقى «إلى درجة يمكنه معها أن يكون علة وجود العمل [الروائي]»[76]. لكننا مع ذلك أكثر اقناعا بأن تعميق مشكلة فكرية وجمالية كمشكلة الفضاء الروائي، إذا استرشدنا بتعبير لأمبرتو إيكو[77]، لا يعني بالضرورة إيجاد حل معين لها، بل نسعى فقط إلى إثبات «سجل أسئلة» يحتاج بلاشك إلى جهد وإمكانات وأدوات تقنية ومعرفية قد لا نزعم امتلاكها كي تصاغ له أجوبة ملائمة. ومن ثم، تلك الأفضلية التي نجدها في كل المقاربات النظرية والنقدية[78]، حيث إننا بالرغم من كون الرواية، أية رواية، هي «كلية مبنينة ودالة»، فإن الباحث أو الناقد لا يمكنه غالبا الإحاطة بهذه الكلية لاعتبارات منهجية بالأساس. وهكذا نجد في كل قراءة نقدية أنواعا من «الانتقاء» تمنح بعضا من الامتيازات لمستويات على حساب أخرى. ومن هنا يجوب الناقد المسافات المقروءة وينتهي عند ما تقتضيه نواياه ومنهجيته. هنا أيضا حيث «إن عين الناقد تمضي وتعود من المركز إلى المحيط، لكن أيضا من المحيط إلى المركز»[79] لتجعل من المكون الفضائي الواضح والمضمر مركزا للنص الروائي. ونكون أمام حالة «ذهاب وإياب» لفكر نقدي تحدده وتقوده مستلزمات ومتطلبات انشغاله.

وإذا كان انشغالنا بسؤال الفضاء الروائي، ليس فقط انشغالا أدبيا أو جماليا، وإنما هو أيضا انشغال ثقافي ونقدي (أقصد نقد الوعي)، فإنما لأن المثقف العربي يعيش الفضاء كعلائق (كما يعيشه مجموع الناس في العالم)، ويعيشه - أكثر من ذلك - كجغرافيا. إن المثقف الغربي لم يعد مطروحا عليه سؤال الجغرافيا كما كان مطروحا مثلا في الحربين العظميين (على الأقل عند حدود كتابة هذه الدراسة).

لذلك نسعى هنا نحو مقاربة نقدية لطرائق اشتغال الفضاء في الكتابة الروائية انطلاقا من تجربة عربية فلسطينية. اختيار واع بمقاصده ويهمه أن يدفع بمكون معين له وطأة بليغة ووازنة في هذه التجربة نحو مقدمة المشهد.

نعرف أن الفضاء وحده كمكون لا يمكنه أن ينوب كليا عن باقي المكونات في الإحاطة الشمولية بطبيعة عمل ووعي الكتابة، كما سبقت الإشارة، ذلك لأن «خطاً لا يصنع لوحده دلالة، يلزمه خط آخر ليمنحه تعبيرا» (ديلاكروا)[80]، لكننا اخترنا هنا أن نتحدث عن الفضاء كما لو كان هو الشئ الأدبي بالذات، كما لو كان هو موضوع الكتابة نفسه.

ربما همنا في دراستنا هذه، قليلا أو كثيرا، كيان العمل الروائي بوصفه فضاء، أي ترابط المكونات كلها. لكننا نلح أكثر على مكون الفضاء، على سؤال الفضاء بالذات. «السؤال بوصفه الإمكانية الحقيقية لقيام معنى - بنية ما يزالان في ثنايا التاريخ. فالسؤال مستقبلي بطبيعته مهما التصق بالواقع»[81]. غير أننا لا نتصور طرح الأسئلة في هذا السياق كنوع من الامتياز للبحث، ذلك أننا لا نرى بحثا أو دراسة بدون إثارة أسئلة. إن بلورة البحث في أسئلة هو الذي يمنحه عمقه الإشكالي بطبيعة الحال. لكن «الواحد منا لا يجد أبدا الجواب وحده» (بيتر بروك).

 


 

[1] - نستعير هذا الوصف من بيير بورديو. انظر حـواره «فن مقاومة الأقوال» الوارد في كتاب: حوارات الفكر المعاصـر، إعداد وترجمة محمـد سبيلا، الرباط، مؤسسة البيادر، الطبعة الأولى، 1991، ص. 61.

[2] - Henri LEFEBVRE, La production de l'espace, op. cit., p. 9 - 10.

[3] - جاك دريـدا، الكتابة والاختلاف، ترجمـة كاظم جهاد، الدار البيضاء، دار توبقال، الطبعة الأولى، 1988، ص. 47.

[4] - المصــدر السابق، ص. 154.

[5] - Encyclopédia Universalis, p. 408.

[6] - لعله من الضروري أن نشير إلى أن مفهوم «الاستراتيجية» هو مفهوم عسكري في الأصل من حيث هو السياسة التي تحدد الأهداف وتعين الوسائل لتحقيق خطة معينة. ومن هنا نفهم التعريف الكلاسيكي (العسكري) لمفهوم الاستراتيجية المتداول منذ بازيل BAZIL وصولا إلى ريمون آرون بأنها «فن استخدام القوات العسكرية للحصول على النتائج التي عينتها السياسة». وثمة من يقترح تعريفات أخرى، منها على سبيل المثال: فن العمل على تضافر القوة لتحقيق أهداف السياسة، فن جدلية الإرادات المستخدمة للقوة لحل مشاكلها، فن يترجم إلى أوامر تكون واضحة ومفصلة لكي يمكن تنظيم التاكتيك. وفي الواقع، على نحو ما يوضح «بوفـر» BEAUFRE، فإن اختيار التاكتيكات هو الاستراتيجية».

أما على مستوى الصراع الاجتماعي، فالاستراتيجية تعني «مواصلة السياسة بوسائل أخرى» (كلوزفيتتز clausewitz). لكنها بخلاف الاستراتيجية الكلاسيكية يكون فيها الرهان الرئيسي على الجماهير التي تتبادل هي نفسها الأدوار فتكون أداة وفاعلا وضحية.

والآن، قد تطور مفهوم الحرب، وبالتالي ظهر أدب استراتيجي مختلف: مع الحرب النووية لم تعد مفاهيم الذكاء السياسي، الحساب الاستراتيجي والأمن التاكتيكي تظهر إلا كقيم للاختصاصيين. بل للمسؤولين الذين يضعون قدر الإنسانية بين أيديهم، على نحو ما توضحه بكثير من التفصيل عدة موسوعات مختصة. لقد أصبح هذا المفهوم شائعا في اختصاصات وحقول متعددة (اقتصادية، إيديولوجية، علمية، نقدية، إلخ...) وأصبح الفكر الاستراتيجي شموليا. ومن ثم، يمكن القول بأننا نستعمل - هنا - هذا المفهوم بعد أن أصبح عاطلا لا يشتغل في حقله الرئيسي.

(يمكن الرجوع أيضا، في نفس المعنى، إلى قامـوس: le Robert, Paris, 1976, Tome 6, p. 363 - 364.)

[7] - La production de l'espace, op. cit., p. 432.

 - [8]Uri EISENZWEIG, «L'espace du texte et l'idéologie (propositions théoriques)», in Sociocritique (Claude Duchet et autres), Paris, Ed. Nathan, 1979, p. 183

[9] - Ibid., p. 183.

[10] - J. ALEGRIA et autres, L'espace et le temps aujourd'hui, Paris, Ed. Seuil (Points), 1983, p. 7.

[11] - Ibid., p. 8.

[12] - Voir, Jean REMY, «Espace et théorie sociologique», in Recherches sociologiques, Vol. VI, N° 3, Novembre 1975, p. 279.

[13] - وليـم راي، المعنى الأدبي، من الظاهراتية إلى التفكيكية، مرجـع مذكـور، ص. 182.

[14] - انظـر تقديـم كاظـم جهـاد لترجمته لكتاب ديريدا الكتابة والاختلاف، مرجـع مذكـور، ص. 44.

[15] - Henri LEFEBVRE, La production de l'espace, op. cit., p. 9.

[16] - Voir: Alain CRESCIVICCI, Les territoires Céliniens, Paris, Ed. Klincksiek, 1990, p. 10.

[17] - Michel FAUCOULT, cité par Henri LEFEBVRE, in La production de l'espace,op. cit., p. 10.

[18] - انظر محمد علال سيناصـر، تقديم كتاب ديريدا، الكتابة والاختلاف، مـرجـع سابق، ص. 15.

[19] - Georges PEREC, Espèces d'espaces, Paris, Ed. Gallilé, 1974, 122.

[20] - H. LEFEBVRE, La production de l'espace, op. cit., p. 7. Voir aussi, Paul LEVERT, ««Ici» et «Ailleurs», Quelques questions à propos de l'espace sensible», in Archives de philosophie, N° 45, 1982, pp. 109 - 131.

[21] - Abdallah MDARHRI - ALLAOUI, «Le concept d'espace dans les théories du récit», in Imaginaire de l'espace. Espaces imaginaires, Casablanca, EPRI, 1988, p. 65.

[22] - بهذا الصدد يقول غريماس وكورتيس:

«إن مصطلح الفضاء مستعمل في الدلائلية بمفاهيم متباينة قاسمها المشترك هو اعتباره كموضوع مبني (يتضمن عناصر متقطعة) انطلاقا من الامتداد، المعتبر كاتساع مملوء، ممتلئ، دون حل للاسترسال. إن بناء الموضوع - الفضاء يمكن فحصه من وجهة هندسية (بإخلاء أي ملكية أخرى)، ومن وجهة نظر نفسية فيزيولوجية (كظهور متصاعد لخصائص مكانية انطلاقا من الخلط الأولي) أو من وجهة نظر اجتماعية ثقافية (كتنظيم ثقافي للطبيعة مثل الفضاء المعمر). وإذا أضفنا جميع الاستعمالات الاستعارية لهذه الكلمة أن استعمال مصطلح الفضاء يتطلب حذرا شديدا من طرف الدلائليين».عن محمد بنيس، الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها، الجزء 3، الدار البيضاء، دار توبقال، الطبعة الأولى، 1990، ص. 112 - 113.

[23] - من ذلك مثلا قوله: «لنأخذ مسألة الفضاء - أيضا - بالنسبة للأديب المحض. قد يفلح بناء على تنظيرات معينة في كشف بنية النص، لكنه لا يتأتى له الإجادة إلا إذا كان ملما بالفنون التشكيلية» من حوار أجرته معه مجلـة آفــاق (الصادرة عن اتحـاد كتاب المغرب)، العدد 1، 1990، ص. 164

[24] - Georges MATORE, L'espace humain, Paris, Ed. La colombe, 1962, p. 205.

[25] - Jean Yves TADIE, La critique littéraire au XXème siècle, Paris, Ed., Belfond, 1987, p. 20.

[26] - Voir Dictionnaire historique, thématique et technique des littératures française et étrangères, Paris, Ed., Larousse, 1985, p. 524.

[27] - Milosz, cité par Georges MATORE, L'espace humain, op. cit., p. 207.

[28] - انظر أبو حيان التوحيدي، المقابســات، تنسيق وتعليق وشرح وفهرسة د. علي شلق، بيروت، دار المدى، الطبعة الأولى، 1986، المقابسة الثالثة والعشرون، ص. 94.

[29] - انظر: د.محمد العمـري، تحليل الخطاب الشعـري، البنية الصوتية في الشعـر (الكثافة. الفضاء. التفاعـل)، الدار البيضاء، الدار العالمية للكتاب، الطبعة الأولى، 1990، صص. 141 - 224.

[30] - لمزيد من الاطلاع، انظر: حسـن مجيد العبيدي، نظرية المكان في فلسفة ابن سينا، مراجعة وتقديم: د. عبد الأمير الأعسم، بغداد، دار الشؤون العامة، الطبعة الأولى، 1987.

[31] - انظـر: د. محمد محجوب، المدينة والخيال (دراسات فارابية)، تونس، منشورات دار أميمة - دار العهد الجديد، الطبعة الأولى، 1989، صص. 30 - 71.

[32] - أدونيس، ديوان الشعر العربي (الكتاب الأول)، بيروت، دار الفكر، الطبعة الثانية، 1986، ص. 16 - 17.

[33] - المصـدر السـابق، ص. 26.

[34] - انظر بنعيسى بوحمـالة، «سيمياء الأنثى المستعادة»، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، العدد 218، 20 مارس 1988.

[35] - Michel ZERAFA, «Après le roman, le romanesque», in Positions et Oppositions sur le roman contemporain. Actes du colloque de Strasbourg (Avril 1970), Paris, Ed. Klincksieck, 1971, p. 200.

[36] - Ibid., p. 201.

[37] - Voir Kacem BASFAO, «Introduction générale», in Imaginaire de l'espace. Espaces imaginaires, op. cit., p. 10.

[38] - Voir Yves LACOSTE, «La géographie, ça sert, d'abord, à faire la guerre», in Uri EISENZWEIG, op. cit., p. 186.

 [39] - Ibid., p. 185 - 186.

[40] - Ibid., p. 186 - 187.

[41] - Gérard GENETTE, Figures I, Paris, Ed. Seuil (Points), 1966, p. 104.

[42] - L'espace et le temps, op. cit., p. 137.

[43] - Ibid., p. 39.

[44] - George MATORE, L'espace humain, op. cit., p. 37.

 - [45]Ibid., p. 16.

[46] - Jean REMY, «Espace et théorie sociologoque», in Recherches sociologiques, op. cit., p. 283.

[47] - Ernest CASSIRER, Philosophie des formes symboliques. Voir Rcherches sociologiques, op. cit., p. 321.

[48] - M. Merleau -  PONTY, Phénoménologie de la perception, op. cit., p. XVI.

[49] - محمد بنيس، الشعر العربي الحديث، بنياته وإبدالاتها، مرجـع مذكــور، الجزء الثالث، ص. 112.

[50] - نفســه، ص. 113.

 [51] - Gaston BACHELARD, La poétique de l'espace, Paris, Ed. PUF (Quadrige), 12ème ed., 1984.

[52] - غاستـون باشلار، جماليــات المكـان، ترجمة غالب هلسا، بيروت، منشورات المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، الطبعة الثانية، 1984.

وتجدر الإشارة إلى أن المرحوم هلسا كان قد نشر فصول هذا الكتاب مسلسلة في مجلة «الأقــلام» العراقية، ونشرها في طبعة أولى ببغداد.

وفي نفس السياق يقول الأستاذ محمد برادة: «قد يكون من بين أسباب استمرار استعمال المكان بدلا من الفضاء في الخطاب النقدي العربي هو الالتباس الذي اقترن بترجمة كتاب غاستون باشلار إلى العربية «La poétique de l'espace» تحت عنوان محرف هو «جماليات المكان» - غالب هلسـا.

إن مترجم الكتاب لم يفهم في نظرنا المحتوى الأساسي لكتاب باشلار، فانعكس ذلك على ترجمة المصطلحات الأساسية وعلى فهمه للأطروحة الباشلارية حيث اختزلها إلى أن «المكان هو المكان الأليف» و«المكانية في الأدب هي الصورة الفنية التي تذكرنا أو تبعث فينا ذكريات بيت الطفولة»!!».

انظر: مداخلة محمد برادة في ملتقى جمعية الإمام الأصيلي بمدينة أصيلة المغربية حول «المكـان والإبـداع»، الملحق الثقافي لجريدة الاتحاد الاشتراكي، العدد 244، الأحد 18 شتنبر 1988، ص. 5.

[53] - Kacem BASFAO, op. cit., p. 8.

[54] - Georges POULET, L'espace proustien, Paris, Ed. Gallimard (Tel), 1963, p. 51.

[55] - Paul VALERY, in Gérard GENETTE, Figures II, Paris, Ed. Seuil (Points), 1969, p. 44.

[56] - Michel BUTOR, Répertoire II, Paris, Ed. MINUIT, 1964, p. 49.

[57] - Jean WEISGERBER, L'espace romanesque, Lausanne, Ed. L'age d'Homme, 1978, p. 14.

[58] - Georges POULET, L'espace proustien, op. cit., p. 19.

[59] - M. MERLEAU - PONTY, Le visible et l'invisible, op. cit., p. 264.

[60] - Jean-Yves TADIE, Le récit poétique, Paris, Ed. PUF, 1978, p. 47.

[61] - La production de l'espace, op. cit., p. 22.

[62] - Pierre HERBERT, Le temps et la forme, Quebec, Ed. Naaman - Sherbrook, 1983, p. 20.

[63] - Jean WEISGERBER, L'espace romanesque, op. cit., p. 10.

[64] - Ibid., p. 11.

[65] - Henri MITTERAND, «Préface», in Denis BERTRAND, L'espace et le sens, Paris - Amsterdam, Ed. Hadès - Benjamins, 1985, p. 9.

[66] - Ibid., p. 9.

[67] - Kacem BASFAO, op. cit., p. 10.

[68] - Abdallah MDARHRI - ALAOUI, Le concept d'espace dans les théories du récit, op. cit., p. 63.

[69] - ميخائيل باختيـن، الخطـاب الروائــي، ترجمة محمد برادة، القاهرة، دار الفكر للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 1987، ص. 101.

[70] - المرجـع السـابق، ص. 102.

[71] - Michel RAIMOND, «L'expression de l'espace dans le nouveau roman», in Positions et oppositions sur le roman contemporain, op. cit., 181.

[72] - Voir GRAS Jean - Michel, in Imaginaire de l'espace. Espaces imaginaires, op. cit., p. 125.

[73] - Voir Dictionnaire historique, thématique et technique des littératures françaises et étrangères, op. cit., p. 524.

[74] - Denis BERTRAND, L'espace et le sens, op. cit., p. 65.

[75] - Ibid., p. 65.

[76] - Roland BORNEUF - Réal, OULET, L'univers du roman, Paris, Ed. PUF., 1981, p. 100.

[77] - Umberto ECO, L'CARSPECIAUX 156 "Times New Roman Euro"uvre ouverte, Paris, Ed. Seuil (Points), 1965, p. 9.

[78] - Françoise ROSSUM - GUYOM, Critique du roman, Paris, Ed. Gallimard, 1970, p. 22.

[79] - Georges POULET, «Lecture et interprétation du texte littéraire», in Qu'est-ce qu'un texte?, op. cit., p. 70.

[80] - عن جاك ديريدا، الكتابة والاختلاف، مرجع سابق، ص. 147.

[81] - محمـد برادة، «فلسطين (و) السؤال الثقافي العربي»، ضمن مجلة بيـادر، العدد 2، ربيع 1990، ص. 37.

 

 

موارد نصيـة

حسن نجمـي

شعرية الفضاء الروائـي

المحتــوى

 مقدمـــة

الباب الأول:

 الفصل الأول: الفضـاء. أية استراتيجية؟

الفصل الثاني: السيرورة الحكائية ومشكلة الفضـاء

الفصل الثالث: الفضـاء المفتـوح

الباب الثاني:

تمهيـــد

الفصل الخامـس: سحر خليفة وأمكنتها

الفصل السادس: فضاء الهويـةِ

الفصل السابع: الفضـاء الأنثـوي

الفصل الثامن: «فضاء المحتمل؟!»

على سبيل الخاتمـة

 

 

 

 

 

 

جماليـــات إضــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع منشورات الموقع

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.