حسن نجمـي

الفصل الخامــس

سحـر خليفة وأمكنتها

 

  

I - أمكنــة اللغــة

إن دراسة المشهد اليومي إذن، وعلى نحو ما رأينا، تقود إلى الإمساك بجوهر الكتابة الروائية في تجربة سحر خليفة. ذلك أن تسييج قوة هذه الكتابة في قضية المرأة أو الثورة أو الاحتلال هو نوع من إفقار التجربة. وقد لاحظنا كيف أن العين تُذَرِّر الواقع تذريرا وتجعله - كما تفعل الصورة الفوتوغرافية مثلا - مطواعا وغامضا في نفس الآن. لكنها تبقي عليه، عكس الاشتغال الفوتوغرافي، مستمرا ومتداخلا.

إنها «توقف» الواقع مجهريا من خلال شذراته اليومية، من خلال تفاصيله، من خلال تكويناته المعمارية وملامحه البشرية حتى تبني مَشَاهِدَها الحية التي تملأ الفعل الحكائي بالحياة وبالخصوصية. وفي اللحظة ذاتها «تَدَعُ» الواقع مندفعا دافقاً في سيرورته وامتدادته.

وهكذا، فكلَّما كان المشهد جيدا، كلما أشَّرَ إلى سياقه.

وكلما تحركت شخصية في السياق، حرَّكَت معها فضاء خصوصيا تمتلكه مثلما يمتلكها. الروايات الخمس نفسها تكاد لا تبرح مدينة واحدة؛ فباستثناء مشهد عابر لتل أبيب نائمة، حيث يتدفق العمال من باب الشاحنة بينما «كانت الشمس ما زالت تتمطى في سماء غائمة» (الصبَّـار، ص. 45)، و«الأضواء والليل» في القدس التي يختزلها مشهد عابر في سور أثري تجثم لصقَهُ «نباتات شوكية لها ثمار حمراء مرجانية» (عبـاد الشمـس، ص. 15). وباستثناء مشهد متباعـد لأريحا «أخفض مدينة في العالم، أقرب مكان من نواة الكرة الأرضية»، حيث «الأرض خصبة هناك..» (لم نعد جـواري لكم، ص. 91). باستثناء ذلك تظل نابلس مدينة سحـر خليفة بامتياز: وحدانية المكان المركزي قصد قيادة جيدة للمتخيَّل وضبط قوي للتفاصيل والخصوصيات والشخصيات[1].

إن سَحَر تكتب بوضوح كامل في سجلها الواقعي[2] ما في ذلك شك، لكن ينبغي مع ذلك الإبقاء على حدٍّ جذري فاصل بين الفضاء المكتوب والفضاء الذي تقدم الكتابة صورا معينة عنه. وذلك بدون حاجة للعودة إلى تأكيد الحقائق التي أكدها باختين وأكدت عليها مناقشات خصبة بين جيرار جينيت، ما شري، ألان روب غريي... مثلا، من حيث إن الواقعية في الكتابة لا تعني مطابقة ما هو واقعي،لكنها تعني فيما تعنيه: الامتثال لقواعد الطبيعة الاجتماعية[3]، التقاط الخصوصيات الثقافية والرمزية، صلة الفضاء الروائي بالفضاء الواقعي عبر تشابه (Analogie) أو تماثل (Homologie) لا عبر اتصال آلي مباشر[4]. من ثم، يتعين ألاَّ ننسى الخاصية اللغوية والجمالية للفضاء الأدبي. ذلك أن ما تكتبه الكاتبة من واقع يظل خطابا عن واقع، خطابا ممكنا وغير ممكن في نفس الآن.

لقد حاولت الكتابةُ هنا أن لا تغمر الواقع بدفق وحتمية اللغة. بمعنى أن تظل قريبةً من الواقع وهاربةً منه في نفس الآن. ومن ثمَّ قوة البناء المَشْهَدي: أن ترسم المشهد أكثر مما تقوله، أن تجعل وظيفة المشهد هي خلق الترقُّب أساسا لا ترسيخ الاحتمال الجاهز.

إن اللغة هي كل شيء. وهذا معناه أن «كلية الواقعي تقدم نفسها في شكل لغوي»[5]. معناه أيضا أن قراءة الفضاء في اللغة الروائية تستلزم نسيانا خاصّاً: أن ننسى الفضاء في الواقع، وأن نتخَلَّصَ من «طغيان الاشتغال المرجعي»[6]؛ أي أن نقبل بأن المحتمل الوحيد الممكن هو أن لفضاء النص، في تجربة سَحَر، علاقة معينة بفضاء الواقع.

لقد كان هنري لوفيفر يعتقد أن كلَّ لُغَةٍ لُغَةٍ تتموضعُ في فضاء معيَّن، وأن كل خطاب يقول شيئا إنما يقوله عن فضاء معيَّن، بل «يتعين أن نميز الخطابَ في الفضاء، الخطابَ حول الفضاء وخطابَ الفضاء. وإذن هناك بين اللغة والفضاء بعض العلائق أكثر أو أقل إهمالا»[7].

ولا يتعين إدراك العلاقة بين الفضاء واللغة من خلال حصرها، بسذاجة وآلية، في محاولة تمييز معجم الألفاظ الدالة على فضاءات أو علائق فضائية مختلفة، بل الأمر - في نظرنا - أعمق من ذلك. إنه يطرح بنية المساحة اللغوية كلها، كمستويات تحقق التعدد اللغوي والصوتي..، لو كانت التجربة غير التجربة، ولو كان الأمر يتعلق بدراسة مستقلة. لكننا مع ذلك نرى أن من الضروري مساءلة هذه العلاقة كمدخل أساس لفهم بعض تجليات الفضاء في تعبيرات سحر خليفة.

إن أحد مظاهر أحادية الصوت رغم تعدد الشخصيات في روايات سَحَر خليفة هو الطغيان الواضح لفضائية التعبير. هل يتعلق الأمر مثلا بشخصيات شبيهة بشخصيات سارتر، حيث العالم - بالنسبة إليها - مكانٌ مَخَارِجُهُ منغلقة، بدون مسارب ممكنة للخلاص، وحيث الإنسان مُطَالَب بتحديد شروط وجوده فضائيا[8]؟

ومنذ روايتها الأولى ظلت لغة سَحَر فضائية بامتياز:

1 - لم نعــد جـواري لكــم

- «قالت سهى بتأكيد: "أما الفنان فهو البناء، قمة البناء.» فقال فاروق ساخرا: "أي أنكم في الأعالي، ونحن في أسفل السفح" (ص. 68).

- «أنا أريد أن أنظف الجراح، أن أُسَطح التغضنات، أن أضيء القاع، أن أعيد لعلاقاتنا عمقها ونظافتها» (ص. 96).

- «فاضت دموع حنانها. فمد يده ولمس استدارة وجهها بأصابعه، كنحات يتحسس تمثاله المفضل» (ص. 102).

- «كرهت حتى لم يعد في داخلي مكان لأي شعور آخر» (ص. 121).

2 - الصبـــار

- «ونقلته أحلامه إلى ما وراء الجسر. إلى اللَّوحات السماوية المفروشة على امتداد الوهاد والوديان» (ص. 10).

- «قال أسامة بحدة ونفاذ صبر:

- الصورة واضحة، ألا ترى؟

قال الآخر وهو يهش الذباب عن وجهه:

- للصورة أكثر من بعد واحـد» (ص. 28).

3 - عبـــاد الشمــس:

- [عن سعدية] «خامة ممتازة، مادة قابلة للتشكيل» (ص. 29).

- «خط يقرر خط المصائر. والخط عمودي جدا. اكسره إذن. اجعل عمودك وترا مثلثا، فتصبح حافته منحنى» (ص. 62).

- «أنا لا أنكر أهمية باب "حل لمشكلك سيدتي" فقد أثار هذا الباب من التساؤلات والتجاوب ما لم يثره أي باب آخر. ولكن، كم مشكلة تعرض في هذا الباب؟ مساحة الزاوية كلها لا تزيد عن صفحتين من كامل المجلة. فما مساحة الباب؟ نصف صفحة، أي أقل من نصف قدم مربع» (ص. 144).

- «كان يجيل عينيه مرتفعا بهما نحو أعالي الصفصاف ثم ينزل بهما نحو قعر الجدول الجاف» (ص. 224).

4 - مذكـرات امرأة غيـر واقعيــة

- «لتشوش الصورة والمنظار والخلفية المنظور منها وإليها، احترت في ممكن الخطأ واصله..» (ص. 34).

- «ماتت حرارة الألوان في نفسي» (ص. 58).

- «واتهمتها بأنها عديمة العواطف من جديد، وأنها تسير بين خطين متوازيين ولا ترى الأبعاد الأخرى» (ص. 108).

- «الأطر تحددنا، وإننا في سبيل الإطار نضيع الحس» (ص. 120).

5 - باب السـاحــة

- «اندفعت الدموع إلى عيني سَمَر واختلطت الأبعاد عليها» (ص. 125).

من الواضح جدا أن وعي ولا وعي التعبير مسكونان بقوة التشخيص الهندسي والتصويري. فالسارد، والشخصيات الكاتِمَة الصَّوت، لهم نزوع فضائي. إن كل شيء، كل فرد موجود في المكان كأنه المكان ذاته. ذلك أن اللغة تقف قاصرة عن استيعاب قوة المشاعر والمواقف والرؤى، فلا تجد بُدّاً من أن تستعير سياق التمثُّل، أي في النهاية كان لابد من الفضاء للتعبير عن الزمن وعن الفعل الروائي.. وعن كل شيء.

إنه بفضل الفضاء إذن تتمكن الكاتبة من أن تتعلق بالاشياء وأن تمسك بالمسافات الداخلية للشخصيات. هذا الفضاء الذي ليس «مجرد فعل سيكولوجي - بتعبير جورج ماتوري[9] - وإنما هو مرتبط بمجتمع معين»، هو هنا المجتمع العربي الفلسطيني بالذات في مختلف أبعاده وشروطه التاريخية والظرفية.

نعرف أن اللغات الإنسانية، عبر مختلف العصور كانت دائما ممتلئة بمعجم فضائي، وليس من الأكيد أن كاتبا يمكنه التخلص من هذا الجاهز تماما. لكن سحر خليفة في استعمالاتها له تختار بعناية ما يصدر منه داخل تجربتها الذاتية ونزوعها الجمالي الواضح، معمارا وتصويرا. من هنا ثَرَاء استعاراتها الفضائية، ومن هنا إسهام المعجم المعبر عن الفضاء في «الدينامية الفضائية»[10] لكتابتها الروائية.

يكاد الفضاء يقدم نفسه بمثابة لغة مستقلة. فأكثر من استثمار فضائية التعبير الصحفي (الباب، الزاوية، المساحة...)، والخضوع لهيمنة التقاطب في اللغة المتداولة (الأعلى/الأسفل، السطح/العمق...)، هناك خصوصية التعبير الشخصي عند سَحَر: إضاءة الأعماق، الوجه المنحوت كوجوه التماثيل، الأمكنة الكامنة في الصدور، اللوحات المتعالية، ابعاد الصورة، نساء - خامات قابلات للتشكيل، خطوط المصائر، أعمدة الوجود وحافاته المنحنية، المتوازيات، الأبعاد، الصور، الأطر...

ومرة أخرى تغدو الكتابة تشكيلا، حيث يؤثر الفضاء في اللغة، يُطَوِّعُهَا لتجاري امتداداته ولتحفظ الفوارق التي له عن الزمن. يجترح الفضاء، داخل الجسد اللغوي، مفرداته الخاصة مثلما تظل اللغةُ تحدده أيضا. بمعنى أن الفضاء يُمْنَح لنا مع اللغة وداخلها.

من هنا يمكننا إدراك أن كل فضاء هو فضاء لغة بالضرورة.

وينبغي، كي يفهم بعمق معنى فضاء اليومي كجوهر للكتابة الروائية لسحر خليفة، أن ننتبه إلى أن التعلق بهذه اللغة الفضائية هو انتصار معين للفضاء، نوعٌ من تعزيز «القوى المُفَكِّكَة للزمن»[11].

II لأشيــاء والأمكنــة

لم ننته بعد من فضاء اليومي، بل إننا في صلبه بالذات. ذلك أن اليومي هو هذه البانوراما اليومية المنتشرة عبر امتداد النظر. إنه هذا الركام من الصور التي لم نختر أن نراها، بل نفتح الرواية تلو الرواية في هذا المتن فتتدفق علينا. لكن لنحذر، فهي مصفاة ومؤطَّرة وتقودها لغة مخدومة. صور تقول الحكي كلَّه، تشي باسرار الباطن كما تكشف الملامح والاشياء والأفعال والمقاصد والأمكنة. صور تأتي إليك كما لو لتُلْهيك عن الحكاية التي تبحث عنها وتمنحك حكاية أخرى. ومن ثم تقود النظر وتحول التأويل عن سكته الجاهزة إلى معنى غير المعنى، وتملأ النفس بإيقاع آخر.

هكذا يغدو القارئ شاهدا طارئا على متتالية من الصور الفضائية لم يخترها. لكن له حرية أن يراها كما يريد أن يراها، أن يجدد معناها في مغامرة نظر لها معرفتها وفتنتها. الأمر يتعلق بالاشياء والأمكنة التي نقرأها عبر ثنايا النصوص الروائية كما لو كنا نراها صورا معلقة على جدران. تلك التي نغمض العين ونراها كما لو كانت وضعتها الكاتبة تحت الجفون القارئة.

إن المسألة أعمق من مجرد تحليل خطاب روائي. إنها مسالة نَظَر. مسألة عين خاصة يحتاجها - فيما نعتقد - كل عمل نقدي. ذلك أننا لا نفهم كيف تلاحق القراءةُ الفعلَ الروائي من خلال اللهاث خلف المحكي، متجاوزة الصور والتفاصيل التي يقضي الكاتبـ (ة) عمرا في جمعها وتمثلها. وهي تفاصيل قد لا تعني شيئا ذا بال بالنسبة للمحكي، وقد لا يكون لها من معنى إلا في حد ذاتها.

أفكر مثلا في هذا الشَّغَف بالأشياء في كتابة سحـر:

• «أقعت أمام إحدى الشجيرات الشوكية تراقب الضوء. استدارت بوجه غارق في نشوة كالحلـم.

- انظـر.

- نظـرت.

- أنظُر للداخل. أترى ثمارها، لونها أحمر بلون الدم... بلون الحرية. يا إلهي. أتراها؟ وهذا هل رأيته؟

وأطلقت تنهدات مشحونة بالعواطف الدفينة:

- هذه الأشياء تثيرني. انظر إلى خيوطه.

ونظر. عش عنكبوت تتلألأ خيوطه من خلال أشعة الضوء. واستدارت إليه ووجهها يقطر إحساسا يبلغ في حدته رهافة العاشقين.

- أترى؟

ابتسم ملاطفا.

- آ، هذا لم أره، معك حق، قوة ملاحظتك غريبة.

ولمعت الفكرة في رأسه. الحرية، وخيوط العنكبوت.

لهثتْ:

- لأني أعشق الأشياء» (عبـاد الشمـس، ص. 15).

• «ولي مع الأشياء حكاية. لا حد فاصل بين الإنسان والحيوان والنبات والجماد. كلها أشياء في نظري. والناس أشياء؟ أستغفر الله، بل الأشياء ناس. أقصد الأشياء عوالم، والناس عوالم. عالم الناس وعالم القطة وعالم التفاحة وعالم القصة وعالم الأغنية، كلها عوالم. أتعامل مع الأشياء بعاطفة تبلغ حد المراهقة، واخالها تبادلني نفس الشعور، إلا الناس، أراهقهم فيرهقونني» (مذكرات امرأة غير واقعية، ص. 9).

• «أشياء بسيطة ولكنها عوالم» (مذكرات امرأة غير واقعية، ص. 73).

إن قوة الملاحظة لا تخلو من «غرابة» فعلا لأن الشخصيات تلهو بالنظر إلى الأشياء، فيما يشبه تزجية للوقت. تماما كما تفعل أحاديث العشاق: تتحدث عن أشياء وأشياء فيما يبدو أن الشيء الأساس لا يتم الحديث عنه. لكن هذا الشيء مع ذلك موجود هناك في منطقة الصمت الأكثر نطقا، في منطقة الغياب الأكثر حضورا.

ينبغي أمام كل هذه الشذرات أن يتوقف القارئ على أهمية الغياب، أهمية الدور الذي يلعبه المسكوت عنه. فما لا يَنْقَالُ لا يعني أنه غير موجود. لنتذكرك الأهمية التي يوليها امبرتو إيكو للغياب، وخاصة القيمة التي للغياب البنيوي من حيث «إن شيئا ما ليس هنا، ولأن شيئا آخر يظهر محله»[12]، مما يستدعي صيغا ممكنة لا شتغال الفكر وإنصاتا خاصا للنص. ومن ثم «يذكرنا هايدغر بأن الإنصات للنص كتجَلٍّ للكائن لا يعني أن نفهم ما يقوله النص ولكن ما لا يقوله»[13].

هكذا يمكن للأشياء الصغيرة أن تصبح عوالم، تضيء ما لا يُضَاء عادة في قراءاتنا العربية المشبعة بالجاهز. الأشياء التي يفتح الانتباه إليها أعين القراءة النقدية على ما يشكل بعضا من شعرية الكتابة الروائية. وفي الظن أنه لولا قوة هذه التفاصيل الفضائية، وأمام هشاشة المتن الحكائي المركزي، لما كانت لكتابة سحر خليفة من قيمة.

في «باب الساحـة» مثلا يصبح الجدار كالمرآة، جدارا يوقظ الذكرى ويوقد النظر أيضا: «نظر إلى الحائط وشعاع الضوء يتأرجح، وتذكر أياما أولى..» (ص. 175)، «وارتسم الضوء على الحائط والتقط تفاصيل الأشياء..» (ص. 191)، «نظر إلى الحائط وشعاع الضوء، واوراق الظل، وخيوط الشمس تتراجع» (ص. 192). كأن المكان شخص آخر يُحيي في الشخصية الروائية (حسام) فتنة التذكر.

وهنا، كما لدى مارسيل بروست، تتحد الشخصيات بالأمكنة، بالجدران والنوافذ والشرفات والغرف والبيوت والأسوار...، وحتى بالأشجار والزهور والفواكه والحيوانات الأليفة. لقد انتبه جورج بولي في كتابة بروست إلى أن المكان يرتقي بالكائن فيه إلى المستوى الذي يجعله يندمج فيه، مثلما يُسِرُّ الكائن إلى المكان الذي يوجد فيه بشيء من وحدته الخاصة، وهو نوع من تقابل التبادلات بين الأشخاص والأمكنة[14]. «إن الأمكنة تلعب في خيال الناس دورا لا يختلف عن ذلك الذي يلعبه الأشخاص. إن فتنتها وسحرها يصبحان فتنة وسحرا إنسانيين. إنها تحمل إسما يؤنسِنُها ويُفَرِّدُها، تعرض نفسها وتتوارى، تخفي أسرارها، تحث على الرغبات، ترفع حُجُب الجمال»[15].وأكثر من ذلك يؤكد بولي: «إن الأمكنة أشخاص»[16]، أي يصبح المكان، بمعنى ما، شريكا حقيقيا للشخصية في الفعل الروائي.

إن في تقديم سَحَر لأمكنتها روحٌ مختلفة. لا يتعلق الأمر بعملية وصف، بل بحرص على جعل المكان أكثر قربا من القاريء كما لو كان يسكنه. إنه وعي بأهمية «التنظيم الخاص للفضاء»، ذاك الذي يتحدث عنه باختين، حيث يتحد الإحساس بالوعي، ويكون من المفيد «عقد موازنات بين الهندسة المعمارية والرسم»[17]، بين ما يبدو أنه وظيفي - معماريا وروائيا - وما هو جمالي كليا.

وفي أغلب الشذرات المعمارية لا نعثر على ما سَتُحًمِّلُه الكاتبة خطابا معينا في السيرورة الحكائية أو السردية. وذلك كما لو كانت الكتابة متجهة فقط نحو تحويل المعالم الخارجية للأبنية إلى مشاعر وأمزجة للتخاطب بين الكتابة والقراءة. إن الواجهات والمقاطع والمساقط الأفقية والقرميد الأحمر لا تحضر إلا لتشكيل إيقاع جمالي مجرد ولتعميق الإحساس بقوة الفضاء المرئي وما يحيل عليه من ذاكرة أو بشر أو أشياء.

هناك مثال مضيء في «الإحساس بالعمارة»[18] يمكنه أن يسعفنا في هذا السياق لفهم خطاب التفاصيل الفضائية: «لنتصور أنه بينما كان أحدهم يمشي مطأطأ الراس، تلقى انطباعا عن رؤيته سروالا من الجينز الأزرق. وإشارة جيدة كهذه تكفي. فيعتقد هذا الرجل أنه رأى رجُلا مع أن كل الذي رآه كان ميزة بدت مسدلة على جانب السَّاق. ومن هذه الملاحظة الصغيرة يستنتج أن رجلا مرَّ به على الرصيف. ويعزو ذلك ببساطة إلى أنه حيثما بدت تلك الميزة، فلا بد أن يكون هناك جينز، وحيثما كان هناك جينز فلا بد أن يكون هناك رجل في داخله. وعادة ما تنتهي ملاحظته عند هذا الحد. فهناك أشياء عديدة تبقي العين في حالة عمل في شارع مزدحم بحيث لا يتمكن المرء من إعمال ذهنه في المشاة من حوله. لكنه لسبب ما قد يود رجُلُنا هذا أن يأخذ نظرة عن قرب لهذا الشخص، فيلاحظه بشكل أكثر تفصيلا. لقد كان مصيبا بشأن سروال الجينز، ولكن المرتدي كان فتاة شابة وليس رجلا. وإذا كان هذا المشاهد شخصا فضوليا فإنه سيسأل نفسه: «كيف تبدو يا ترى؟» وسيلاحظ عن قرب أكثر، مضيفا التفصيل تلو التفصيل، حتى يأخذ صورة أكثر أو أقل صوابا عن الفتاة».

هذا معناه أن الوقوف عند التفاصيل والتقاطها، الواحد تلو الآخر، يشكلان أداة أساسية لتركيب المَشَاهد المرئية والإمساك بفعاليتها الجمالية والشعرية في الكتابة الروائية. «وبشكل موضوعي، ليست هناك فكرة صحيحة عن مظهر الشيء، ولكن هناك فقط عدد كبير من الانطباعات الذاتية عنه. وهذا صحيح بالنسبة للأعمال الفنية كما هو بالنسبة للنواحي الأخرى. فمن المستحيل القول على سبيل المثال بأن مفهوم الرسم هذا أو ذاك هو الصحيح، وفيما إذا كان يعطي انطباعا للمشاهد أم لا، وما هو ذلك الانطباع؟ والذي يعتمد على العمل الفني فحسب، بل على حساسية وذكاء وثقافة وبيئة المشاهد أيضا. كما يعتمد على مزاجه في تلك اللحظة»[19].

هكذا تتنامى التفاصيل المعمارية لدى سحر. كل تفصيل لا يقول إلا ذاته: «البناية الكبيرة بقرميدها الهرمي الأحمر» (لم نعد جواري لكم، ص. 5)، «.. بعض أعمدة رخامية تتناثر هنا وهناك» (لم نعد...، نفس الصفحة)، «فالتقوا بهم أمام بواباتهم الحجرية القديمة» (لم نعد جواري لكم، ص. 164)، «وصعدت الجماعة الدرجات الحجرية المتآكلة..» (لم نعد...، ص. 165)، «.. أعمدة رخامية. سقوف معقودة. ساحة سماوية مبلطة بالحجارة الضخمة. بركة تحيط بها أشجار الليمون وأصص الفل والجميل. وزخارف عربية على الجدران» (الصبـار، ص. 31)، «ورأيت دارنا، دار العائلة بقرميدها الأحمر المنصوب على الأيام..» (مذكرات امرأة غير واقعية، ص.120)...

أعمق من ذلك أن التفاصيل المعمارية تشكل علامات للإحالة على واقع في العالم الخارجي. وبالتالي، فإنها تنتمي إلى ملفوظ الروايات مثلما تنتمي إلى الفضاء المرجعي، بحيث يغدو هذا الاندماج «يشتغل أساسا كإرساء مرجعي»[20] يحيلنا على تماسك النص الروائي الكلي لسحر خليفة، على تَخَاطُب وَحَدَاتِه فيما يشكل مطوَّلَة روائية على نحو ما أشرنا إليه آنفا. ومن ثم يصعب أيُّ تَلَقٍّ للنص الروائي يتم فيه الفصل بين الفضاء الروائي والفضاء المرجعي تماما كما يحذرنا بيير زيما من «تبني منظور يكون فيه المجتمع «خارج» الخطاب: خارج الدلالة وتركيب الجملة»[21].

وعموما فإن المرجع الفضائي لكتاية سحر خليفة ظل مرجعاً حَضَريا بامتياز، وحظيَتْ فيه مدينة نابلس بأن جعلتها الكاتبة محور كل التلاقيات والمنظورات، حتى عندما تستحضر مدنا أخرى (تل أبيب، أريحا مثلا) إنما تستحضرها عبر صوت الراوي العالم بكل شيء الذي يخيل إليَّ أنه «مقيم» في نابلس لا يبرحها.

III - نابلـــس: معنـى المدينـة

تكتسب مدينة نابلس في كتابة سحر خليفة، بوصفها مدينة إقليمية صغيرة ذات طبيعة ريفية، قيمة مركزية. إنها تشكل مثال الفضاء الحضري المفتوح على قيم الأرض الزراعية ورمزيتها من جهة، كما تتيح من جهة أخرى إمكانيات رصد «أشكال التغير الاجتماعي على مستوى شامل، وبخاصة في حركة تبادل السكان واختلاف أساليب العمل بين القرية والمدينة (أو المدينة الريفية كما في حالة نابلس)، وأثر الاحتلال الإسرائيلي في توجيه هذا التبادل بحيث يحقق بعض أغراضه من خلاله»[22].

تنبغي الإشارة منذ البداية إلى أن مدينة سَحر مدينةٌ مهزومة، فليست لها نفس قوةِ الوطءِ التي يمكن أن تكون للمدن الكبرى في العالم: «والمدينة هادئة رغم ما يعتريها من هجوع الهزيمة» (مذكرات امرأة غير واقعية، ص. 120). لكنها مع ذلك ليست آلة تدور في حلقة مفرغة. . إنها تلم شذرات فضاءاتها الطبيعية والمادية لتنسج ظلالا للشخصيات والأفعال، ولتملأ الفضاء الروائي بعلامات واستعارات غنية. في الرواية ذات الجزأين «الصبار» و«عباد الشمس» نعثر على مدينة تُحَوِّلُ المادة والأشياء والإيماءات إلى رموز تغذي متخيل الكتابة.

إن فضاء اليومي أساسا هو فضاء مدينة: دفق حركات وتجارب صغيرة، منطلق اتجاهات ورجوعات، تجليات قلق وانشغال وذاكرة. إن نابلس بالخصوص تصبح على لسان الراويـ (ة) «مثل كائن يظهر نفس الجوهر العاطفي في إيماءات يده، في مشيته وفي نبرة صوته»[23]. تتقاطع مشاهد الأزقة والساحات والمقاهي والحوانيت والمنازل والوجوه والروائح والأصوات لتشكل فضاء خصوصيا وإيقاعا خاصا هو نفسه جوهر المدينة، جوهر العلاقة اليومية مع المدينة، وإن شئنا معنى المدينة.

وليست نابلس هنا «ديكورا لحياة» الشخصيات، بل «قاعدتها الثابتة»[24]، بحيث يمكن القول إنه بفضل سحر خليفة أصبحت فضاءات هذه المدينة الفلسطينية نصا، كما أصبح الفضاء نصا في الرواية الواقعية للقرن التاسع عشر في أوروبا وما قبله[25]. تقرأ المدينة فتتيح لك قراءة الإنسان. ليس ثمة وصف لهزيمة في حرب داخل الكتابة، لكن المدينة وحدها تملأ الذات القارئة بأنفاس الهزيمة: دكاكينها مغلقة، ليلها بارد رطب ينخر الرئتين، ربيعها ما زال شتاء، طرقاتها مهجورة ملوثة بالوحل، ناسها نيام «وسيارات الدورية لا تنفك تذكر بالعين البصيرة واليد القصيرة» (الصبار، ص. 58). مدينة «لا تنسى الفضائح». لم تعد تطبخ كل يوم، غدت دورها خزقا، وما عادت طبقتها البورجوازية «وجاهة» (عباد الشمس، ص. 21)

• «عجيبة أنت أيتها المدينة! عجيبة كصندوق عجب. الصورة تلو الصورة، تلو الصورة، ونحن أطفال صغار نجلس على حافة مقعد خشبي، ننظر من خلال فتحة الصندوق والدنيا (...). عجيبة أنتِ أيتها المدينة. الصبر والصبَّار والصابون وطيبة القلب والسخام والرخام وتناقضات العالم كله» (عبـاد الشمـس، ص. 21)

• سكنا المدن لكن شروش الصحراء مازالت ممتدة تهدد ببَنِي هلال والموحدين والأندلس. البيئة وتغير البيئة وما يمليه التغير من تغير في طبيعة العلاقات بين الأفراد، بعضهم ببعض، وبأنفسهم» (عباد الشمـس، ص. 124)

• «من الجبل تبدو نابلس كانون نار، والمصابيح تأتلق كحبات الدَّق..» (باب الساحة، ص. 14).

• «من أين لهذه المدينة كل هذا السَّنى! وامتداد الأفق الغربي يبلغ ضباب البحـر..» (باب الساحـة، ص. 55).

ثمة وعي حاد بفضاء المدينة، إحساس جريح بقوة التناقض والانهيار الباطني. نَفْسُ القبول المخلوط بالرفض لفضاء يشبه القَدَر. إن «المدينة هي أولاً وعي بفضاء مغلق و«أنا» جماعية مجسَّدَة في هذا الفضاء»[26]. ومن ثم هذا الحرص على الانتماء إلى المدينة وهذا السعي الصامت نحو الانفلات منها، في نفس الوقت.

تحدث أمور كثيرة في المدينة.. كما لو أن لا شيء يحدث. تحدث عدة تغيرات.. كما لو أن لا شيء يتغير. كأن ما يتغير لا يطرح السؤال، ربما لأن التغيير لم يحدث في النفوس وفي العلاقات. هكذا على الأقل تبدو المدينة كما تقدمها اللغة، ذلك لأننا لا نعيش المدينة إلا كلغة.

وليست المدينة مع ذلك كتلة إسمنتية صماء، بل يخترقها دفق إنساني حي. كما يجعل منها شرط وجود. إنها في الفضاء الروائي الذي شيدته سحر خليفة تشكل أحد المكونات الدلالية والتعبيرية والإخبارية. يتداخل فيها الواقعي بالمتخيل، الفيزيقي بالميتافيزيقي، المعيش بالمحلوم به، أي تتداخل التجربة الملموسة بالمعنى الذي تشيده الكتابة. ومن ثم نقول بأن الحقل الدلالي للرواية تصوغه لنا أشياء المدينة أساسا. ومعناه أن مدينة سَحَر، ربما ككل المدن الروائية، مهيأة لكل قراءة سيميائية تتعامل معها كنسق من العلامات، كما هو الشأن بالنسبة لنسق الموضة أو الطبخ أو غيرهما. النسق بما هو نسيج يتداخل فيه الخطاب، الممارسة الاجتماعية ومجموع المعطيات الحسية المتجانسة[27].

إن نابلس ليست مدينة محايدة، فهي مختَرَقَة بكل علامات السلطة والهيمنة الإيديولوجية. وهي تنْكَتِبُ روائيا، وهي تُقْرَاُ كذلك، إنما تقدم نفسها وفق مقتضيات استراتيجية ذات أبعاد سوسيولوجية وثقافية ولسانية. وإذا كانت الكاتبة - في ظني - قد زاحمت الشخصيات وتحكمت فيها أكثر مما كان ينبغي، فإنها لم تستطع أن تفعل ذلك تماما مع الفضاءات، وخاصة مع الفضاء الحضري. ذلك أن الكاتبة حين كانت تجعل الشخصيات تتواصل، تتلاقى، تشتري، تبيع، تجلس في مقهى، تركب الحافلة، تمشي في طريق أو ساحة...، كانت تنتج المدينة أو بالأحرى كانت تتيح للمدينة أن تولد كفضاء وكخطاب. بهذا المعنى، فإن المدينة ليست فحسب هي التي تتحدث عنها الكتابة بالإسم، ولكنها أيضا تلك التي ينبغي أن نعيد تركيبها من خلال تجميع شذراتها وأجزائها وأمكنتها الواقعية والمتخيلة. وذلك لنعثر على خطاب المجتمع الفلسطيني القائم داخل اللغة وخارجها.

لقد تساءل باحث فرنسي[28] عما إذا لم تكن المدينة خطابا للمجتمع، لكنه يؤكد أن المدينة إذا كانت لغة فإنه لن تتكلمها إلا الجماعة وليس الأفراد. وهكذا فإذا كان الطابع الحضري (L’urbain) نسقا من العلامات، فإن المدينة هي «خطابُ» المجتمع باستعماله لهذا النسق. ومن ثم، فالمدينة التي تمنح نفسها للخطاب أو للنص هي مدينة ناطقة ينبغي الإنصات إليها. ما الذي تقوله عبر شتات وشظايا أصوات المنازل والمقاهي والطرقات والساحات والسجون والبشر والحيوان؟

لا نريد أن نغرق في قراءة تختزل الفضاء في الأمكنة. لكننا نهتم بالأمكنة التي لم تجعل منها ترسبات التاريخ الأدبي أشكالا جاهزة. كما نفضل الاستئناس، إلى حد ما، بسيمياء الفضاء التي تفتح العين على «المكان المتميز، داخل النص، [وهو] ينشأ في مواجهة ما ليس هو، كلحظة الانتشاء بالنسبة لباقي الديمومة الزمنية»[29]. ذلك أن الأمكنة الأثيرة تُوجِدُ صورا أثيرة ومصطفاة، على نحو ما يوضحه جان إيف تاديي، «صور الضوء التي تأتي لتضيء الفضاء المعتم للمعرفة»[30].

***

إن الطريق مثلا في كتابة سحر تكاد لا تفضي إلى أية أمكنة كما لو كانت طريقا في الغياب. والشارع يبدو مع شخصياته أقل رحمة. عاجز عن أن يمدد شبكة صلاتها وعلائقها كأنه لا يصلح إلا أن يعيشه المرء بصمت وصبر في الرواح والإياب، حيث لا شيء يتغير، وحيث «الدوار ما زال مكانه. وساعة الدوار ما زالت تمشي ببطء» (الصبــار، ص 176).

شخصيات الطريق والشارع مقطوعة من كل الجهات كما لو كانت في جزيرة ضائعة مطلقا، مثل الشخصيات البروستية، «في عزلة الفضاء»[31]: في «لم نعد جواري لكـم» لا تصبح للكلمات أي معنى في طريق ضائعة (ص. 8)، في «الصبـار» تمتد الخطى على الرصيف دون إحساس بأن شيئا قد تغير (ص. 176)، في «عباد الشمس» يصبح الضرب في الطريق كالضرب في الغيم: نوع من «قراءة الفنجان» (ص. 234)، في «مذكرات امرأة غير واقعية» ثمة هروب مستحيل للبطلة عفاف من المكان إلى اللامكان، الشوارع ليست إلا لإثارة الجراح وإحياء الصور، والطرقات لا معنى لها إلا كفضاءات للبكاء (ص. 104 - ص. 123). فضاءات أزمة.. حقا.

أما «باب الساحـة» كمكان، فقبل أن تكرس له سحر خليفة رواية كاملة تحمل اسمه بدأت حكايتها معه في «عباد الشمس». محكي آخر، مواز، ينبغي الإنتباه إليه: إن باب الساحة «ميدان حجري قديم» (عباد الشمس، ص. 22)، وهنا حيث تصطف الطاولات للجلوس العام، للنظر العمودي، ولإيقاف السيارات قبل التسلل إلى الأزقة الحجرية لقضاء أغراض مائلة... يأمل المرء أن يُصْلَبَ كي يتغلب على حبوطاته: «علقيني يا بلد من شَعَري في باب الساحة» (عبـاد الشمـس، ص. 30).

كأن سحر خليفة تربي أمكنتها الأثيرة في الظل قبل أن يأتي زمن القطف. وها هي في روايتها «باب الساحة» تقدم لنا سجلا متكاملا عن تفاصيل الساحة الحجرية، حاراتها، درجاتها، معمارها، زواريبها...، وقد غدت مكانا يفترشه الجند المحتل ومسلخا «يعلق فيه العملاء على الكلابات مثل الغنم. وسموها الساحة الحمراء» (باب الساحـة، ص. 39).

وهكذا يمكن أن نجمع أشلاء الأمكنة لنصوغ محكيات موازية يتصَادى فيها الفضاء والزمن. وكل مكان يولد في سيرورة الكتابة قد نعثر له على ذاكرة خصوصية، فضلا عما يمكن أن يحيلنا عليه من عناصر الذاكرة الجماعية. يستدعي المكان الزمنَ. يصبح سندا وإطارا محدِّدَين لمنظور الشخصيات إلى ماضيها وإلى حاضرها.

IV - السجــن: رومانسية الفضــاء

إن فضاء السجن في كتابة سحر هو أحد الفضاءات المهيمنة. مكوِّنٌ آخر يُلْحِمُ وعي الكاتبة الموزَّع عبر رواياتها الخمس: (المطولة). فلا تخلو رواية واحدة من تجليات هذا الفضاء ورمزيته وعنفه وثقافته. وباستثناء «مذكرات امرأة غير واقعية» التي تقدم لنا نموذجا لسجن رمزي تعيشه امرأة بالذات، فإن الروايات الأخرى تقدم السجن كمؤسسة للعقاب والمراقبة والتدمير، لكنه بهذه الصورة وَقْفٌ على الرجل وحده ولا صلة للمرأة به إلا كحبيبة متخَيَّلَة أو باكية أو زائرة. هذا بدون أن ننسى إشارة واحدة في «لم نعد جواري لكم» تقول فيها شخصية نسائية عن أخرى: «إنها تبدو كمن تعيش في «زنزانة» نفسية، «فرغم حريتها السطحية إلا أني أعتقد أنها مكبلة من الداخل» (ص. 48).

فكرة الكبل الداخلي هذه هي جوهر السجن الرمزي، وهي التي تؤطر فضاء هذا السجن على امتداد رواية «مذكرات امرأة غير واقعية». إن البطلة عفاف، وهي مغمورة بمونولوغها الطويل، تبدو مسكونة بهذا السجن الداخلي الذي تنسجه أسباب عدة:

- «حين أكون معه أحس بروحي ترفرف بأجنحتها كطائر حبيس، وأحس بوجوده قضبان سجن» (ص. 18).

- «في ذاك اليوم وأنا أقرأ عن ظروف المرأة والتربية والسجن وكيف أنها لن تكون حرة حتى ولو أفلتت من كل قيد لأنها في الداخل ليست حرة...» (ص. 30)

- «أي سجن هذا؟ اية حياة هذه؟ لا أهل لا زوج لا أطفال لا معارف لا اصدقاء» (ص. 59)

- «الزواج، والحرمان، والعقم، والسجن، في قلعة كل شيء صامت فيها إلا صوت الغسالة ومواءات عنبر» (ص. 109).

إن السجن بهذا المعنى يبقى مجرد فضاء ذاتي يعبر عن حساسية مفرطة تجاه الواقع، وتجاه الآخر (الرجل). يتداخل المعيش والمتخيل في صوغ هذا السجن الكامن. وذلك لأن عناصره المادية تظل عالقة بالفضاء الذهني للكاتبة. ونحن مدعوون إلى أن نقبل هذا الفضاء كحقيقة لأنه يتحقق داخل أدبية النص الروائي ولقوته الاحتمالية، نظرا لمعرفتنا بالوضع الاعتباري للمرأة في المجتمعات الشرقية. بتعبير آخر، «كيف لا يمكننا أن نفكر في وجود الغابة ونحن نمشي بين الأشجار التي تمنعنا من أن نراها؟ فالغابة هي بالدرجة الأولى حقيقة تصورية ولكنها في الوقت ذاته حقيقة ملموسة يكتشفها الخيال ويغوص في أعماق تفاصيلها»[32].

أما السجن كفضاء روائي منبثق من الحقائق المرجعية الوَقِحَة، فإنه يحظى في كتابة سحر خليفة بكل ظروف التخفيف، اقصد أنه يُقَدَّم كفضاء رومانسي محمَّل بروح إنسانية وجمالية وبغنائية واضحة.

إن الكاتبة التي تميزت بقدرة على امتلاك الفضاءات واحتوائها والتحكم فيها، نجدها أمام فضاء السجن خاضعة لترسبات تاريخ قراءاتها الأدبية. ذلك أن سَحَر لا تخرج عن التعامل السائد مع فضاء السجن في الآداب الإنسانية.

ونحن نقرأ مظاهر الفضاء العقابي في روايات سحر نعثر على امتدادات للسجن كمكان للحلم، البطولة والرجولة. السجن كفضاء مُؤَسْطَر كما في روايات وأشعار فيكتور هيغو، باسكال، بودلير، فيرلين[33]...

لنُعِد تركيب صور السجن الرومانسي كما التقطناها في روايات سحر، كي نمسك بمحكيات موازية أساسية لإضاءة الكتابة:

في «لم نعد جواري لكم» يدخله عبد الرحمان الميثلوني، وهو رسام ومثقف عميق ومناضل، فتتخلى حبيبته عقب صدور الحكم بسجنه سبع سنوات نافذة: «تركته وراء القضبان وتزوجت ثريا مغتربا طارت معه إلى أمريكا.. ولابد أنها كانت في بحر السعادة حين كان هو في أعماق الشقاء!» (ص. 22). وحين بلغه خبر زواجها «بكى لا خوفا من الشرطة، ولا من آلات التعذيب الكهربائية، بل وحشة ووحدة وشوقا!» (ص. 37). ومع ذلك ظل في حاجة إليها «لم أجد حتى طيفها يقف معي، يساندني، يواسيني..» (ص. 43). ورغم أنه كان يدرك أنه يفارقها وأنه يمكن أن يخرج، بل واعتبر دائما أن الأمر في العمق «ليس شيئا غريبا»: «حكايتنا قد تتكرر كل يوم: رجل يُسْجَن ويترك وراءه امرأة بانتظاره.. وقد تنتظره هي، وقد لا تنتظره، ولكنها في الغالب لا تنتظر. وهذا ما حدث: رجلٌ سُجِن وامرأة لم تنتظر. وما من غرابة في ذلك، كان شيئا عاديا» (ص. 81). وبعدئذ، يلتقي السجين العائد إلى حريته بحبيبته ويعيدان العلاقة من جديد، سامية يرجُّها الندم وعبد الرحمان يصفح. وعندما يؤكد لها بأن التزامه يمكن أن يقوده في اية لحظة إلى السجن من جديد تقول له سامية: «ليتك تسجن، لانتظرتك!» (ص. 86). لكنه، عندما سيقتادونه مرة أخرى إلى سجن «الجفر» دفاعا عن الأغلبية غير المبالية» ستغادره سامية، وهذه المرة دون عودة، حيث باعت المكتبة التي تملكها وسافرت إلى أمريكا» (ص. 179).

أما السجن في «الصبار» فيبدأ محكيه باستعادة المرجع الرومانسي أولا، حيث يستغرب «أبو صابر» كيف أن الجياع أسقطوا سجن الباستيل، تلك القلعة العسكرية الباذخة؟ كيف يخلق الجوعُ القوة هناك ويجعل من السجناء هنا مجرد هياكل عظمية ضعيفة النفس وضعيفة الجسد» (ص. 50). «ما أنت شَايْفْ اللي في السجون. الواحد يدخل عرضين وطول ويخرج قدها الفسيخة ما أنت عارف..» (ص. 65).

بعد ذلك تتتالى صور السجن الرومانسي: «لا بأس. السجن للرجال. ولا يعرف المرء متى يجيء دوره» (ص. 55)، اللقب الجديد للسجين (أبو العز) يملأه بإحساس النضج والشهامة: «أبو العز؟ شيء جميل. لقد أصبحتُ واحدا منهم. ما أروع أن تكون أبا لشيء ما، ترعاه وتربيه وتحافظ عليه. وأبو العز. اسم جميل. أجمل من كل ما قيل وما سيقال» (ص. 96)، السجن كمدرسة للتكوين وللتأطير والتجربة: «وفتحت مدرسة الشعب أبوابها. والتَمَّ الإخوان والرفاق في جماعات صغيرة» (ص. 103).

ولتبرير ركام التفاصيل حول فضاء السجن تقدم سحر كل ذلك من خلال عين جديدة. مندهشة لسجين مراهق متحفز لالتقاط كل شيء (ص. 102). وهكذا يصف لنا «باسل» كل المدارات الجميلة لتجربة مغرية: السجن فضاء للغناء، للقراءة، للصداقة، للتعلم، لترويض الحواس على الحذر واستراق السمع، للبطولة (صص: 103، 111، 122، 125...). «ولتحذر إسرائيل من فعلتها. فعلى نفسها جنَتْ براقش. أصبحت سجونها مزارع رؤوس بدلا من أن تكون مدافن كتيوشا». ص. 122).

في «عباد الشمس»، يتم تطبيع السجن تقريبا: «أي والله صحيح. سجون كثيرة يا خال، ونقول السجن وأنه سجن واحد» (ص. 41) - «ماذا تقول؟ ابدا يا صالح تسأل، ابدا ترد السؤال إليَ. بعيدا عنك أحس بغربة. لكني أعرف ما ستقول «خارج السجن تحس بغربة». احترنا يا صالح أين السجن!» (ص. 61). وستكبر الرؤية التي كانت مندهشة: «كبر الأطفال وكبر السجن» (ص. 62). ومع ذلك لم يغير السجن سجينه، نفس الروح، نفس الضحك: يا أبو العز ما زلت تضحك. علمني كيف يموت المرء وعلى الشفة بسمة وفي العينين شعلة» (ص. 152). أما خريجو السجون فالقلوب مفتوحة لهم جميعا بدون استثناء «فهم شموعنا وتاج رأسنا والنجوم المضيئة في سمائنا..» (ص. 183).ويختتم منظور «عباد الشمس» للسجن بالتأكيد على أن «السجن مدرسة، أكبر مدرسة. الواحد منا لا يعرف حقيقة نفسه إلا إذا اختبرها. والسجن يجعلك تكتشف أشياء كثيرة عن نفسك وعن الناس والبلد والحياة كلها من فوق لتحت» (ص. 218).

أما «باب الساحة» فتقدم، ضمن نفس الرؤية الرومانسية، سجنا على الأقل له أهمية كسر الخوف في النفس (ص. 54)، وحتى وهو مكان للعذاب، حيث ينبغي أن يتذكر السجين كل شيء إلا جسده (ص. 63)، فإن كل العذاب يهون مادام الأمر يتعلق بالجسد وحده وليس بالروح التي تظل طليقة: «جسمك الآن في معتقل، أما الروح فلا تُقْبَضُ، كقبض الريح» (ص. 77).

إن فضاء السجن لا يُقَدَّمُ أبدا كفضيحة أو كعار أو هزيمة، بل تقدمه سحر خليفة كأفق للحلم والحب والتسامح. ثمة تثمين للبعد الرمزي والاستعاري للسجن، حتى أننا نجد «الضحايا أنفسهم واعين بالاستعارة»[34]. وبقدر ما يسبق السجن الاستعاري ويعلن عن سجن «واقعي» للشخصيات، بقدر ما يصبح «الواقعي» بدوره استعارة[35].

تُشَعْرِنُ الكاتبة فضاء سجنها. مكانٌ للألم، نعم. لكنه مكان للحلم والحرية الروحية والعثور على الذات. في فضاءات الرجولة هذه تنتصر الذات على الزمن وعلى القضبان.

أي سجن هذا الذي - رغم كل شيء - يظل أكثر رحمة من غيره! ثم أين السجن وسط ركام من السجون المقَنَّعَة؟ وما معنى السجن في الجوهر عندما يصبح المجتمع بكامله سجنا: «مجتمع السجن» (عبـاد الشمـس، ص. 42)؟ ولم الخوف من فضاء ليس في الوراء، بل أصبح بقوة الواقع أفقا للانتظار وتوقعا مستمرا (لم نعد جواري لكـم، ص. 86)؟ أية عزلة للذات هذه وليست إلا جزءا من عزلة العالم؟

إن السجن للجسد فقط: «سجن الجسد، حيث تكون روحنا «غائصة»، يندمج في «ميتافيزيقا المصادرة»[36]. ومن ثم لا ينجح السجن في تدمير الفلسطيني، بل بالعكس يعمق تجربته ومعرفته ويقوي صلابته. ينقلب السجن إلى مدرسة تشكل عنصر تخريب ذاتي للمحتل / للسَّجَّان. ذلك لأن السجين موجود داخل السجن وخارجه. «إنه هنا وليس هنا في نفس الآن»[37]. كما أن القيم أيضا تنقلب، فالفضاء المقيت وهو يصبح فضاء للشرف، يجعل السقوط المرئي انتصارا خفيا[38].

هكذا تتأسس إيديولوجيا مضادة لإيديولوجيا العقاب. إنها تتكون داخل اللغة الروائية كي تنتصر على «واقع». تصوغ الرؤية الرومانسية فضاء مجردا، اقل احتمالا ولكنه واضح و«يمكن تحديد شكله ومعناه من خلال اللفظ الذي يخلقه»[39]، وبالتالي، بقدرما يوحي انغلاق الفضاء بحضور عدواني، بقدرما تأتي الكاتبة بعناصر رؤية منفتحة للتخفيف من وطأة العنف.

تأتي الرؤية الرومانسية كي تجابه قهر النظام وتنتصر للحرية. لكن أعمق من ذلك - بالنسبة لسيرورة البناء الروائي في تجربة سحر - أن السجن بهذا المعنى يصبح محدِّدا لتطور الأحداث ولدينامية الشخصيات. ومن ثم يكتسي مأساويُّ السجن قوة تحريك النص الروائي كما في «الصبَّار» بالنسبة لباسل أو في «باب الساحة» بالنسبة لحسام. ففي التوتر القائم بين ثقل الطوق والتوق للحرية، بين ضوابط المصادرة القائمة وإرادة الانطلاق والتجاوز والتغيير..، تتولد أسئلة الوجود والهوية والانتماء والفعل، وتنشط حركية النص وتحولاته.

عموما، في تشييد معنى فضاء السجن داخل الكتابة الروائية آثرتْ سحر خليفة شكلا رومانسيا. ذلك أنها استحضرت الحركتين المتوازيتين في كل كتابة روائية رومانسية: الأولى حركة نحو «داخلٍ» مَّا (بحث عن الأنا، الحاجة إلى المعرفة، اشتغال الذاكرة)، والأخرى نحو «خارج» معين (الابتهاج بالخلاص الروحي، اندفاع الخيال..)...»[40]. ولعلها كانت موفقة على الأقل في معالجتها للإشكالية الفضائية - الزمنية، من خلال جعل السجن كرونوطوب عتبة يفضي بالشخصيات إلى مستوى الوعي والقلق والمبادرة.

كما تأتي رومانسية الفضاء، من خلال فضاء السجن، لتعميق شعرية المحكي. إن المشاهد التي تقدم لنا من خلال العيون الجديدة المندهشة تكاد تُحَوِّل الفضاء الذي تنسجه اللغة إلى مجرد فضاء مرئي. ولكنه متعدد في نفس الوقت: الشخصيات تستعيد فضاءاتها الكامنة، والقراءة تبحث عن الفضاء الذي توقعته - فيما تقرأ - فلا تعثر عليه.

وهكذا، يُسْتَعَاد اليومي في هذه العزلة المحروسة كفضاء بعيد جميل (الصبار، ص. 113)، وتأخذ الفضاءات المقروءة السجناء بعيدا خارج جدرانهم المغلقة (أبو صابر الذي بدأ عادة القراءة برواية «البؤساء» / (الصبار، ص. 50)، وباسل تستولي عليه فضاءات نجيب محفوظ / (الصبـار، ص. 111). وهذا طبعا بدون أن ننسى الوظيفة التي لعبتها رسالة الأهل التي توصل بها الفلاح السجين في استحضار الفضاء الخارجي، سواء بالنسبة للفلاح نفسه أو لمن قرأها له (الصبار، ص. 107). وقبل ذلك، لا حظنا كيف أن عبد الرحمان الميثلوني، الشخصية المركزية في رواية «لم نعد جواري لكم»، يستحضر الفضاء الخارجي من خلال تأمل رمزية ودلالة وجوده في السجن، تأمل معنى التضحية: «.. ألم تُسْجَن من أجلهم؟ ألم تتعذب من أجلهم؟» (ص. 85) - «ومن أجل هؤلاء انتهى بي المطاف إلى هنا [السجن]..» (ص. 180). التضحية التي ليست إلا حضورا في الفضاء المستعاد الذي يُسْتَحْضَر لتحويل هذا الفضاء المر إلى فضاء رومانسي، يتم فيه إبراز (mettre en relief) الذات والوقوف في مقدمة المشهد، في فضاء النظر. ذلك لأن «البطل» لا قيمة لبطولته إلا في أعين الآخرين وباعترافهم (حالة عبد الرحمان الميثلوني هي نفس حالة الصغير باسل) على هذا المستوى: الشخصية في الفضاء ليست ملك نفسها، بل هي رهينة لنظرة الآخرين.

إن الرؤية الرومانسية تسكن اللغة التي نتلقى بها وفيها فضاء السجن، لكن بدون أن تجعل منها «لغة للآلهة». على العكس إنها رؤية تتعايش مع كل ما يجعل «الواقعي يتحدث عن نفسه»[41]. رومانسية إرادية تعثُرُ فيها الشخصيات على طراز من الخلاص، وفي نفس الآن تحاول أن ترفضها عبر الانتباه لتفاصيل الواقع: «لماذا توجعنا الأغاني الجريحة؟ شعب رومانسي النزعة؟ لكنا لم نعد كذلك...» (الصبــار، ص. 136). لكنها في العمق تظل رومانسية مقيمة رغم تململ لحظات الوعي وبعض تجليات الواقع: «رومانسية كنتُ وما زلتُ» (مذكرات امرأة غير واقعية، ص. 17)، «أحببته بشفافية فتاة صغيرة وعمق امرأة كبيرة ورومانسية فنانة هاوية» (مذكرات امرأة غير واقعية، ص. 22).

هكذا يأتي السجن الرومانسي كفضاء ذهني ولغوي أساسا ليفجر أي تماسك للإسمنت الإيديولوجي. ليؤسس للإيديولوجيا الشخصية - كما نفضل أن نسميها - حيث تنفتح الكتابة الأدبية - وغالبا دون برمجة مسبقة - إلى ما يُصَيِّرُهَا أدبية، حيث لا تناقض بين الرغبات، المقاصد والرهانات وبين مجرى الكتابة في أخاديدها الخاصة وكيميائها المعقَّدَة.

ذلك ما انتبه إليه أستاذنا محمد برادة عندما رفض كل انتقاد «يغفل خصوصية الكتابة وعلاقتها بالإيديولوجيا. ذلك أن العمل الأدبي غير مطالب بتأكيد أطروحات إيديولوجية تبدو صحيحة على المستوى النظري، بل إن العمل الأدبي، باستيحائه للمعيش وللتجربة المجزأة، الملتبسة، كثيرا ما يعارض الإيديولوجيا الجاهزة، المتماسكة، الممتلكة لأجوبة على جميع الأسئلة، ليشخص لنا وعيا داخليا لم يتبلور بعد ولا يعتمد على مفاهيم وحجج منطقية»[42].

 


 

[1] - انظـر في معنى دلالة الفضاء على الشخصية، كيف يدل ديكور معين على شخصية، سكنى على ساكن، سجن على وضعية سجيـن... (فيليب هامـون: سيميولوجية الشخصيات الروائية (مترجم)، مرجع مذكـور، ص. 71-72.

[2] - يتحدث محمـد برادة في دراستـه: «باب الساحـة»: مساءلة الانتفاضة (مجلة البيادر، م. س.، ص. 109، عن وضوح السجل الواقعي للكاتبة.

[3] - Voir, A. Robbe-Grillet, «La vraissemblance et la vérité», in Magazine Littéraire, n° 103-104, Septembre, 1975, p. 84.

[4] - انظر حديث بيير زيمـا مثلا عن هذا التشابه أو التماثل القائم بين الأحداث النصية والاحداث الاجتماعية، النقد الاجتماعي (مترجـم)، م. س.، ص. 172.

[5] - Susan Sontag, L’écriture même: à propos de Barthes, op. cit., p. 34.

[6] - R. Barthes, S/Z, op. cit., p. 267.

[7] - Henri Lefebvre, La production de l’espace, op., cit., p. 155.

[8] - Georges Matore, L’espace humain, op. cit., p. 17.

[9] - Ibid., p. 22.

[10] - Ibid., p. 34.

[11] - L’espace proustien, op. cit., p. 22.

[12] - Umberto Eco, La structure absente, op. cit., p. 368.

[13] - Ibid., p. 371.

[14] - G. Poulet, L’espace proustien, op. cit., p. 43.

[15] - Ibid., p. 47.

[16] - Ibid., p. 47.

[17] - م. باختيــن، الخطاب الروائـي، ترجمة محمد برادة، م. س.، ص. 149.

[18] - ستيـن أ. راسمويـن، الإحساس بالعمارة، ترجمة عماد الكيالي، م. س.، ص. 41.

[19] - المرجـع نفســه، ص. 42.

[20] - انظر: فيليب هامون، سيميولوجية الشخصيات الروائية، ترجمة سعيد بنكراد، مرجع سابق، ص. 24.

[21] - بيير زيمــا، النقد الاجتماعي...، ترجمة عايدة لطفي، م. س.، ص. 190.

تذكرنا إشارة زيما - هنا - إلى حضور المجتمع «داخل» تركيب الجملة بإشارة مماثلة لرولان بارت إلى «الدور الإيديولوجي للجملة». (انظر: S/Z، م. س.، ص. 270)..

[22] - د. محمد حسن عبد الله، الريف في الرواية العربية، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، سلسلة عالم المعرفة، العدد 143، نوفمبر 1989، ص. 284.

[23] - انظر حديث ميرلوبونتي عن باريس:

La phénoménologie de la perception, op. cit., p. 325.‎

[24] - Jean Yves Tadie, Le récit poétique, op. cit., p. 72

[25] - Ibid., p. 73.

[26] - Jean Duvignaud, Lieux et non lieux, ed. Gallilée, Paris, 1977, p. 16.

[27] - Voir: Raymond Ledrut, L’espace en question, Ed. Anhropos, Paris, 1976, p. 188.

[28] - Ibid., p. 196.

[29] - Jean Yves Tadie, Le récit poétique, op. cit., p. 68.

[30] - Ibid., p. 70.

[31] - G. Poulet, L’espace proustien, op. cit., p. 22.

[32] - Ricardo Gullon, On space in the Novel, op. cit., p. 13.

[33] - Voir, Victor Brombert, La prison romantique, Ed. José Corti, Paris, 1975.

[34] - Ibid., p. 12.

[35] - Ibid., p. 64.

[36] - Ibid., p. 25.

[37] - Ibid., p. 24.

[38] - Ibid., p. 19.

[39] - Ricardo Gullon, On Space in the Novel, op. cit., p. 16.

[40] - Victor BROMBERT, La prison romantique, op. cit., p. 16.

[41] - Iouri LOTMAN, La structure du texte artistique, op. cit., p. 31.

[42] - انظر محمد برادة، «باب الساحة؛ مساءلة الانتفاضة والإيديولوجيا»، مجلة بيادر، م. س.، ص. 107.

 

 

 

موارد نصيـة

حسن نجمـي

شعرية الفضاء الروائـي

المحتــوى

 مقدمـــة

الباب الأول:

 الفصل الأول: الفضـاء. أية استراتيجية؟

الفصل الثاني: السيرورة الحكائية ومشكلة الفضـاء

الفصل الثالث: الفضـاء المفتـوح

الباب الثاني:

تمهيـــد

الفصل الخامـس: سحر خليفة وأمكنتها

الفصل السادس: فضاء الهويـةِ

الفصل السابع: الفضـاء الأنثـوي

الفصل الثامن: «فضاء المحتمل؟!»

على سبيل الخاتمـة

 

 

 

 

 

جماليـــات إضــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع منشورات الموقع

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.