بيان التضامن مع حراس البوابة الشرقيـة

 
 

 

 

ما أسرع المثقفين العرب إلى إصدار بيانات التضامن، وما أحرصهم على حرية الكلمة وعلى سمعة الكتاب العرب! الأمة بخير وثقافتنا العربية بخير.. أقول هذا بعد اطلاعي على حملة التضامن التي أطلقتها مجلة الآداب البيروتية، أعرق المجلات الثقافية العربية، ووقّع بيانها كتّاب لامعون مثل نجيب محفوظ وسهيل ادريس وسماح ادريس وعبد الرحمن منيف وفيصل درّاج ويمنى العيد ومحمد دكروب وغيرهم.

الحملة تسعى إلى إعلان التضامن مع الكاتب المصري جمال الغيطاني ضدّ الافتراءات التي أطلقها ضدّه كاتبٌ عراقيّ اتهمه فيها بأنه المؤلف الحقيقي لرواية "زبيبة والملك" المنسوبة إلى الرئيس العراقي الهارب صدّام حسين. ولأنّ أيّ مثقفٍ لا يقبل بتوجيه تهمة من هذا النوع ودون دلائل مقنعة إلى كاتبٍ معروف فإن على المثقفين العراقيين أن يفرحوا بهذا التضامن وعليهم أيضاً أن يكتموا تساؤلاتهم المريرة عن صمت هؤلاء المثقفين العرب الكبار إزاء جرائم أكبر بكثير من تلفيق تهمة تسيء إلى سمعة كاتبٍ عربي. صمتهم مثلاً على عشرات المقابر الجماعية التي يجري اكتشافها يومياً على أرضٍ بلدٍ عربي . أو لكي نبقى في حدود القضايا الثقافية، صمتهم على وجود آ لاف المثقفين العراقيين خارج وطنهم منذ عقود، وعلى جريمة كمّ الأفواه ومحاصرة المثقفين ومصادرة حرياتهم في بلاد الرافدين. صمتهم على إعدام المفكر الاسلامي الكبير محمد باقر الصدر وشقيقته الكاتبة آمنة الصدر. صمتهم على إعدام القاص الشاب حاكم محمد حسين وعلى تغييب الكاتب عزيز السيد جاسم الذي لم يعرف مصيره حتى الآن وقد فتحت السجون السرية والعلنية. صمتهم … إلى آخر الصمت.

عليّ كعراقيّ أن أكتم مرارتي وأشارك المثقفين العرب تضامنهم مع الكاتب جمال الغيطاني، لكنّي لا أستطيع كتم مرارةٍ أخرى، مصدرها جمال الغيطاني ذاته الذي هبّ كل مثقفي العرب للدفاع عنه وتسابقت كلّ الصحف لنشر حملة التضامن معه. جمال الغيطاني قرر ألا يردّ على التهم تنفيذاً لنصيحة محاميه الذي سيتبنى مقاضاة الموقع الالكتروني العراقيّ الذي نشر التهمة على صفحاته. لكنه اغتنم الفرصة ليشرح طبيعة علاقته بالنظام العراقي الهارب، ويبعد عن نفسه صفة التعاون والارتزاق مع ذلك النظام، ولا يجد غضاضة لتحقيق هذا الهدف في تزوير تاريخه الشخصي وتزوير مضمون كتاب ألفه أواسط السبعينات ليدّعي في مقالة كتبها عبده وازن في جريدة الحياة وتضمنت تصريحات للغيطاني بأن كتابه ذاك الذي يحمل عنوان "حراس البوابة الشرقية" كان يتحدث عن دور الجيش العراقي في فلسطين.

قبل أن أتحدث عن ذلك الكتاب وعن المساهمات القومية الأخرى للغيطاني المدفوعة الأجر من وزارة الثقافة والاعلام العراقية، لا بدّ أن أقول رأيي في حكاية "زبيبة والملك" وما قيل عن علاقة الغيطاني بها.. وتلك مرارةٌ أخرى!

لا أفهم ميل بعض العراقيين إلى المبالغة والاختلاق لتأكيد إجرام النظام الهارب ودمويته وكأن الحقائق الموثقة والمثبتة غير كافية لذلك. وفي السياق نفسه تأتي الاتهامات المبالغ بها التي يسوقها كتّاب عراقيون ليثبتوا أن عدداً كبيراً من المثقفين والاعلاميين العرب خدموا النظام الفاشي في العراق لقاء أموالٍ وهدايا ودعوات. فهذه الحقيقة معروفة وهناك الكثير من الوقائع المؤكدة التي تدعمها فما الحاجة إلى اختلاق قصص بوليسية مهلهلة كالقصة التي نشرها الكاتب العراقي سليم عبد القادر حول الغيطاني ودوره في كتابة رواية "زبيبة والملك" .. قصة مضحكة تفتقر إلى الذكاء وأول ما يدحضها هو الكتاب نفسه. وكتاب "زبيبة والملك" ليس رواية على الاطلاق بأي مقياسٍ أدبي ولا يعقل أن يكتب جمال الغيطاني هراء مملا كالذي تضمنه كتاب "زبيبة والملك" . لقد بذلتُ جهداً كبيراً لقراءتها ولم أتمكن من إكمالها رغم أني أستمتع أحياناً بقراءة الأدب الرديء. إنها من الرداءة بحيث لا يمكن أن يكتبها إلا صدّام حسين نفسه، وهي تحمل الكثير من أسلوبه السمج الذي يعرفه من استمع إلى أحاديثه المملة والطويلة على التلفاز. ومن المؤكد أن أديباً عراقياً ما قد قام بمراجعتها لغوياً، وربما عدّل بعض فقراتها . لكنها في مجملها لا تختلف عن أحاديث صدّام المملة والسمجة. ومن الواضح أن نسبتها إلى جمال الغيطاني لا تستند إلى أيّ دليل وتتعارض مع المنطق.

أليس من الأنفع للثقافة العراقية فضح الأدوار الحقيقية للكتاب العرب الذين خدموا الفاشية بدلاً من تسخيف الأمر باختلاق قصص غير معقولة؟ أليس في السيرة المثبتة لجمال الغيطاني وغيره من الكتاب العرب ما يدينه ويبرّر محاسبته أمام الضمير الثقافي العراقي والعربي والانساني؟ فلنعد إذن إلى "حرّاس البوابة الشرقية" الذي يزعم الكاتب عبده وازن نقلاً عن الغيطاني نفسه أنه يدور حول دور الجيش العراقي في فلسطين. لقد صدر الكتاب في عام 1975 عن وزارة الاعلام العراقية ومكان أحداثه ليس فلسطين بل كردستان العراق . وهو يصوّر بطولات الجيش العراقي الذي كان يقوم بأعمال تصفية عرقية ضدّ أكراد العراق، والكتاب يصفهم بأنهم إنفصاليون حاقدون على العروبة وعملاء لأعدائها. وحين شنّ النظام العراقي حربه القذرة على إيران استخدم الاعلام العراقي الرسمي عبارة " حرّاس البوابة الشرقية" بكثرة وكان الغيطاني يفخر بأنه مبدعها. وطوال عقد الثمانينيات كان الغيطاني ضيفاً مكرما لدى الحكومة العراقية، ولم يتفوه يوماً بكلمة تدين ولو تلميحاً الجرائم القومية الكبرى التي ارتكبها النظام ولا بدّ أن الغيطاني قد سمع ببعضها من العراقيين الذين يلتقيهم في زياراته أو من المنفيين الذين يلتقيهم خارج العراق. ويقول الغيطاني إن زياراته إلى العراق توقفت بعد مصرع وزير الدفاع عدنان خير الله (ابن خال صدّام وشقيق زوجته) الذي تربطه به علاقةٌ "قومية" ! مرحى لإنسانية الأدب ومرحى لهذه العلاقة القومية التي تربط كاتباً عالمياً بجنرال زائف صعد إلى سدّة الوزارة على جماجم ضحاياه!!

إن تاريخ صدور كتاب الغيطاني سيء الذكر يؤكد أنه وبجدارة من الروّاد الأوائل في حفلة السمسرة الثقافية العربية التي كان العراق القوميّ ميدانها. وإنه لأمر مشين يسيء إلى الجوهر الانساني للكتابة والأدب أن يأتي كاتبٌ مصري (صار الآن كاتباً عالمياً كما ورد في مقال الحياة) ليمجد عملية إبادة عرقية بدافع التضامن القومي العروبيّ . ومع أن المرتزقة من الكتاب العراقيين بلغوا شأواً بعيداً في تمجيد العنف والجريمة إلا أنني لا أعرف أحداً منهم تجرأ على تأليف كتابٍ عن بطولات الجيش العراقي في إبادة الكرد. ذلك أن الكتاب العراقيين مهما بلغت درجة ارتزاقهم فإنهم أعرف من غيرهم بخطورة هذا الأمر وحساسيته.

في التسعينات أقيم في مدينة أربيل (عاصمة كردستان العراق) مهرجان تكريمي لشاعر العرب محمد مهدي الجواهري دعي إليه عدد من المثقفين العراقيين والعرب، وبدلاً من النظر إلى هذه المبادرة بوصفها تقريباً بين الثقافتين العربية والكردية، وتعبيراً عن عراقية الكرد، شنّ جمال الغيطاني هجوماً شرساً على المشاركين الذين وصف مشاركتهم بأنها خدمة للمخططات الاستعمارية لتقسيم العراق وتكريس الواقع الانفصالي في شمال العراق. ولا أدري ما الذي على الكرد أن يفعلوه أكثر من إقامة مهرجان للجواهري ليثبتوا لجمال الغيطاني أنهم عراقيون، أكثر منه بالتأكيد، ثمّ هل هناك كاتبٌ يدّعي العالمية يبني مواقفه الثقافية كلها على أسسٍ قوميةٍ مليئة بالعنصرية مهما حاول الغيطاني وغيره من القوميين استخدام مصطلحات تبدو أكثر إنسانية وبراءة؟ ألم يكن الأجدر بجمال الغيطاني أن يذهب بنفسه إلى أربيل ليتحقق من مزاعم العمالة التي يتهم بها كرد العراق، أما كان الأجدر به أن يستثمر تلك الفرصة ويقدّم اعتذاره إلى الأكراد عن كتابه الذي أطلق فيه على جلاديهم لقب "حراس البوابة الشرقية"؟ أما كان الأجدر به الآن، في أسوأ الأحوال، أن يتجاهل ذلك الكتاب بدل أن يزوّر مضمونه ويدّعي أن أحداثه تدور في فلسطين؟

وأخيراً.. أخاطب مجلة الآداب البيروتية، والأدباء الذين تضامنوا مع الغيطاني.. من الأجدر بالتضامن، الأشخاص أم الحقيقة؟ الأسماء اللامعة أم الشعوب المقهورة؟ الكاتب الذي يمجّد العنصرية أم الكتـّاب الذين غيّـبتهم الايديولوجيا العنصرية أو قتلتهم أو شرّدتهم إلى جهات العالم الأربع ؟؟؟

(خاص بأصداء)

شعلان شريف - الخميس 29 مايو 2003

 

 

موارد نصيـة

قضية «الإمبراطور - جمال الغيطاني»

المحتـوى

سليم عبد القادر: زبيبة والملك لصدام الغيطـاني

نبيل شرف الدين: «زبيبة والملك» عنوان أولى حروب المثقفين بعد سقوط صدام حسين

وائل عبد الفتاح: حروب المثقفين بين نميمة المخابرات وسقوط الديكتاتور.

مصطفى محمد غريب: مهزلة زبيبة والملك والحديث عن الماضي اليساري

وليد العاني: جمال الغيطاني من أصحاب السوابق!!

الآداب تضامنا / مثقفون عرب يتضامنون / الغيطاني يقاضـي

د. إحسان طرابلسي: الغيطاني و«الزبيبة» والقاضي

عبده وازن: ملفـات وفضائـح

عبده وازن: رواية صدام الركيكة.. هل يمكن أن يكتبها الغيطاني؟

شوقي بغدادي: «زبيبة والملك». لا أعتقد أن الغيطاني قد فعلها!!

فاضل السلطاني يهاجم ادوارد سعيد والغيطاني ومنيف ومجلة الاداب

محمد أسليم: تدبير قضية («الإمبراطور» - «جمال الغيطاني»)

ا. خ. «زبيبة والملك» والغيطـاني

علي عبد الأمير: عراقيون يتهمون سامي محمد بتأليف «رواية» صدام حسين

شعـلان شريف: بيان التضامن حراس البواية الشرقية

عبده وازن: مداحو أدب الزعيم

أسعد الجبوري: مخيلة اليورانيوم.

روايات صدام كتبتها لجنة بوزارة الإعلام

محمد رضا نصر الله: هؤلاء شاركوا في الجريمة

سلام عبود: من يكون «الروائي» صدام حسين؟ عن «زبيبة والملك» وكرة الثلج

حسين كركوش: أحقا هي حملات صهيونية يتعرض لها جمال الغيطاني؟

مصطفى محمد غريب: الرواية الرابعة "أخرج عليك اللعنة" والروايات السابقة.. حقيقة مؤلفها وليس كاتبيها

علي عبيد: ليس دفاعاً عن الغيطاني

محمد ناجـي: الضميـر العربي في اجازة!

شاكر الأنباري: بين العراقيين والعرب: مماحكات ثقافية لها بعد سياسي

د. نصار إبراهيم: تعقيب على تعقيب الأستاذ أسليم

محيي الدين السامرائي: ذعر الغيطاني والحنين إلى رئيس المقابر والتماثيل

جماليـــات إضـــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.