بعد التخبط في إدارة
الشأن الثقافي عربياً ، تبرز للعيان ظاهرة التبعية الأدبية لتفرض هيمنتها
على قطيع محدد من الكتّاب والمثقفين العرب ، فتجعل منهم طابوراً يعمل في
منظمة رعوية، وبالتالي لتصور في الوقت نفسه الواقع الثقافي بالمحفل
الماسوني الذي تتحرك عقارب ساعات أعضاءه وفقاً لمخطط عقل الظلام .
نقول ذلك ونحن نراقب
حركة مرور الثقافة في ساحات العالم العربي ومواسيره وأنابيبه الدقيقة ،
بل وداخل ترع مؤسساته التي لم ما تزال مشلولة دون خلق أو إبداع أو تقدم
باتجاه الحداثات التي ما تزال موضع شك من قبل السلطات التي عادة ما تمارس
دورها التأديبي القمعي بحق كل ظاهرة ثقافية أو موجة أدبية تحاول التخلص
من شوائب عصر الانحطاط وغباره وأمراضه .
البيانات التي تلاحقت
بجمع عشرات من التواقيع لمساندة الكاتب المصري جمال الغيطاني حول ما نسب
إليه بتأليف رواية ( زبيبة والملك ) في موقع ( الإمبراطور )* ظاهرة
فكاهية في غاية السذاجة والغباء ، فبدلاً من أن ينفي الموقعون التهمة ،
أكدوها على الغيطاني . خاصة وإن أغلب الموقعين لم يقرأ ما ورد في مقالة
الكاتب سليم عبد القادر في الموقع المذكور ، مما يمزج الموقف الثقافي
بالمسرح الكوميدي .
ويبدو إن أغلب الموقعين
متورطون ، بعدما أرسلوا بصمات أصابعهم بواسطة الفاكس على وقع الفزعة
العشائرية . والطريف كما كتب ( ا . خ ) _ إلياس خوري كما نظن _ في جريدة
النهار عن بيان مجلة الآداب ( إن البيان لا يشير إلى المسألة التي يتصدى
لها ، فجاء في كلمات غامضة تحفل بالبلاغة القوموية والوطنية أكثر من اهتمامها
بالموضوع الذي تدافع عنه
…
وبعد أن يستعرض كاتب المقال
جوهر الموضوع ورفع الغيطاني لقضية تزوير على الموقع يضيف قائلاً : من
المنطقي أن يدعم المثقفون الدعوى التي أقامها الغيطاني ، وأن يعملوا على
كشف الحقائق منعاً لاستغلال سقوط الديكتاتورية البعثية الصدامية في سبيل
تشويه الثقافة العربية .
غير أنهم في المقابل يجب
أن يساهموا في الكشف عن جميع عناصر الفضيحة الأخلاقية التي صنعها الديكتاتور
العراقي ، وخصوصاً في المجال الثقافي . ومن اختفاء بعض مثقفي النظام وموتهم
الى القمع الوحشي الذي مارسه صدام حسين ضد الثقافة والمثقفين في العراق ،
بحيث صار المنفى العراقي هو أكبر منافي المثقفين في العالم .
وعلينا أيضا أن نكشف عن
كتبة النظام والمرتشين ، والأقلام التي باعت نفسها من هذا النظام العربي
الوحشي ، الذي كان انجازه الأكبر استدعاءه للاحتلال وعدم مقاومته المجلة
لجيوش الاجتياح الامريكي
–
البريطاني
.
لذا تبدو المقدمة الأيديولوجية
لبيان (( الآداب )) ملصقة على الموضوع ، مثلما تبدو الصيغة التعميمية
للدفاع عن الغيطاني غير منطقية . فالمسميات يجب أن لا تحجب بحجة التنوير
أو الدفاع عن العروبة أو في مواجهة الاحتلال الأمريكي ) .
هذا التلخيص البارع
للأزمة الحاصلة ما بين الغيطاني وموقع (الإمبراطور) الذي نشرته جريدة
النهار ، يدفعنا إلى الذهاب بالاتجاه الأقصى المتعلق بنزوع بعض مثقفي
الطائفة القوموية المنقرضة
وبعض مثقفي الاستكتاب في
الجرائد والمجلات الممولة من حكومات القمع وسلاطين التطبيع ، ممن أفلسوا
، لا بالدفاع عن قضايا الأمة ولا بتثوير شعوب العرب على حكامها الدمويين
الفاشيين ، يحاولون الآن تبني مشروع خرافي مضحك ، وذلك عندما قاموا بتحويل
مقالة ( زبيبة والملك ) من فضيحة إلى قضية قومية كما ورد في بيان باريس
الذي لوح بوجود مؤامرة و(( حملة ترهيب متنكرة بقضية أدبية مزعومة _ هدفها
_ إقصاء الآخر العربي المدافع عن موروثه وثقافته والمحاسب على مواقفه
السياسية
…
والحملة
تتزامن مع الشكوى الأمريكية من ثقافة الممانعة العربية .. والشكوى الإسرائيلية
الدائمة من ثقافة المقاومة )) !!
يا لها من نكتة : كأن
تتحول الثقافة العربية لامرأة تمانع معاشرة الأمريكان ، وتمارس شهوانية
الصهيوني بالمقاومة التي بطلها القومي الوطني التقدمي اليساري الدفاعي
الخارق الحارق والوحيد في العالم العربي : جمال باشا الغيطاني !
نحن لا نعلم كيف حدث ذلك
بعد مقالة واحدة ، كان يمكن أن تمر لولا حجم الرعب الذي لبس الغيطاني
فجأة . فهاج على إيقاعه فزعاً ، ليقوم بمناشدة الضمير الثقافي العربي أن
يصحو قبل أن تسقط القومية العربية في البئر . وقبل أن يأكل الذئب تراث
العرب . وقبل أن يبتلع الجاموس ثقافة المقاومة التي يمثلها هو في سلوكها
. وقبل أن تجتاح رأسه قوات الاحتلال بعد احتلال أراضيه !؟؟
من منع الغيطاني من أن
يقاتل أمريكا أو يلعن والديها أو يضربها بالقنابل العنقودية إذا ما أراد
ذلك ؟
ومن وقف سداً بوجه
الغيطاني وقواته الأدبية ، ليحول دونه ودون منازلة إسرائيل ، هو الذي
يعيش موظفاً من الدرجة الأولى في بلد يعقد صلحاً مع إسرائيل ويطبع معها ؟
ولماذا يريد الغيطاني أن
يثور العراقي على أمريكا وحده ، فيما يقوم بدور المحرض من وراء مكتبه ،
فيمتنع هو وغيره من كتّاب الشعارات الطائفية الرخيصة حتى عن رفع عقيرته
بالاحتجاج ضد حكومة بلده ، ولو بتصريح مقتضب يندد بعلاقتها مع إسرائيل أو
مع أمريكا ؟!!
أم إن وطنية الغيطاني ما
تزال متأججة بعظمة مشروع صدام القومي للتحرير والنصر؟!!
أليست مسالة قبول غرب
نوبل والكاو بوي ، جائزة ومالاً وتمويلاً ومساعدات ، ما يناقض هذر هذه
الطائفة المنقرضة وفهمها في السياسة والأخلاق والثقافة ؟!
لماذا يلقي الغيطاني
بتبعات احتلال العراق على العراقي الأعزل الآخر . العراقي المعدوم
والمشرد والمنفي والمهجر أو المدفون في المقابر الجماعي ، فيما كان هو
وسواه من جنود (( الكلمات )) الحرة في حضن الديكتاتور يسهرون . وعلى
أعتاب بوابات قصوره يسكرون ؟!!
وفيما لو تركنا الهرج
والمرج حول مؤلف الرواية الساقطة ( زبيبة والملك ) بعيداً ، بسبب انعدام
الوثائق الدامغة ، فلماذا لا تتم مساءلة الغيطاني عما كتبه مدوناً
وموثقاً وصريحاً باسمه ، أي فيما يتعلق بروايته الشهيرة (( حراس البوابة
الشرقية )) التي كثيراً ما ينوه بأنها رواية بتمجيد الجيش العراقي في حرب
أكتوبر ، وهذا ليس صحيحاً . لأن بوابة العراق الشرقية هي إيران . وقد كان
الغيطاني وقتها في بغداد يشحن المعنويات بالهمم لسحق الثورة الإيرانية
التي فتحت على أراضيها أول سفارة لدولة فلسطين ، ويرفع عقيرته بتحريض
النظام الفاشي في بغداد وتبرير كل ما كان يقوم به في عمليات إبادة
الأكراد في الشمال ، ممن ما يزال الغيطاني يعتبرهم (( بالكانتون
الإسرائيلي )) في شمال العراق . وتشهد على ذلك حملته التشهيرية التي
أطلقها على كل الكتاب والشعراء العرب ممن ساهموا في إحياء سنوية شاعر
العرب الأكبر الجواهري في كردستان !!
إن رواية (( زبيبة
والملك )) كما نعتقد ، ليست هي ما يثير الذعر الحقيقي في نفس الغيطاني ،
ليقوم بتجنيد المثقفين بالدفاع عنه هنا وهناك . وقد يلمس هذا كل من يطلع
على الملف المنشور في الموقع . فالبيانات في واد ، والحقائق في واد آخر .
وكل ذلك يؤكد على أن تضامن بعض المثقفين مع الغيطاني يأتي مساندة مموهة
للديكتاتور العراقي صدام حسين وحنيناً لنظامه الذي يعد أسوأ نظام عرفته
بلاد الرافدين في تاريخها القديم والحديث على حد سواء . لذلك فثمة أسرار
لم تظهر في القضية بعد . نترك ذلك للزمن الآتي . أي لزمن ما بعد تحرير
العراق من الاحتلال على يد الغيطاني ونشامى اتحاد الكتاب العرب .
وإذا ما رفضنا أن ندخل
بلادنا على ظهور الدبابات الأمريكية
– البريطانية
في المواكب الأولى
.. فهل ستتحق أحلامنا
ونركب ظهور خيولهم إلى العراق ؟!
المهم أن نصل إلى عاصمة
( زبيبة والملك ) لنقف على حقيقة تسليم فارس البوابات الشرقية والغربية
والشمالية والجنوبية , للمحتل الأجنبي ، بعدما قام باستدراجه من وراء
البحار ، ليسلمه مفاتيح البلاد ومفاتيح قصوره وغرف نومه على طبق من ذهب .
محي الدين السامرائي
- لندن