حسين كركوش

أحقا هي حملات صهيونية يتعرض لها جمال الغيطاني؟

 
 

 

هل حقا "ان ما يتعرض له الروائي جمال الغيطاني الان من اتهمات حول كتابته لرواية زبيبة والملك، هو جزء من الحملات المسعورة لاجهزة الاعلام الامبريالية والاستعمارية والصهيونية"؟

نشرت صحيفة الحياة في الخامس من يونيو / حزيران الجاري تقريرا لمراسلها من بغداد، علي عبد الأمير، بعنوان (عراقيون يتهمون سامي محمد بتأليف " رواية " صدام حسين).

وذكر التقرير ان صحافيين عراقيين عملوا في "المكتب الصحافي" التابع، سابقا، لرئاسة الجمهورية ذكروا ان مسودة رواية " زبيبة والملك " كانت عرضت على الراحل سامي محمد بترشيح من حميد سعيد.

وبالطبع، يتذكر القراء ان لغطا تردد، أو كلاما قيل، أو معلومات نشرت في مواقع على شبكة الانترنيت، ذكرت، أو افترضت، أو أشارت، أو أكدت على ان الروائي المصري، جمال الغيطاني، هو الذي كتب رواية صدام المذكورة.

وحالما نشر هذا الكلام بادر الروائي جمال الغيطاني فكذب الخبر، جملة وتفصيلا. وكان يفترض ان تقف الأمور عند هذا الحد، لان القضية بأكملها لا تتحمل اكثر من ذلك. فهذه ليست المرة الأولى التي يتهم فيها كاتب ما بأنه كتب عملا أدبيا، أو غير أدبي لشخص اخر. واكثر ما يفعله الكاتب المتهم، في حالات كهذه هو، ان يحتكم للقضاء للبت في الاتهامات الموجهة اليه. وقد أعلن الغيطاني، وهذا من حقه تماما، انه سيلجأ للقضاء، لتفنيد ما قيل بحقه.

لكن الأمور لم تقف عند هذه النقطة. فقد أثيرت زوبعة ثقافية ونشر بعض الأدباء العرب بيانا تضامنيا مع الغيطاني. وكتبت وزيرة الثقافة السورية السابقة د. نجاح العطار، رسالة للغيطاني قالت فيها " لم اصدق ان يجرأ أحد على توجيه مثل هذه التهمة التي وجهوها إليك ".

وذكر تقرير صحيفة الحياة، المذكور توا، ان اتحاد الكتاب الفلسطينيين نشر، هو الآخر، بيانا حمل عنوان " ارفعوا أيديكم عن الروائي جمال الغيطاني "، وجاء فيه ما يلي : " يتابع الكتاب الفلسطينيون بقلق بالغ الحملات المسعورة لأجهزة الأعلام الإمبريالية والاستعمارية والصهيونية التي ترافق العدوان البشع الذي يتعرض له شعبنا في العراق الشقيق والنيات المبيتة للنيل من استقلال الأقطار العربية في أجواء صراع الحضارات. وان ما يتعرض له الروائي جمال الغيطاني ألان من اتهمات حول كتابته لرواية زبيبة والملك، هو جانب من جوانب العدوان على واحدة من أهم القيم الإنسانية وهي حرية الرأي وحرية التعبير . وان محاولة اغتيالهما انما هو اغتيال للثقافة العربية التي هي المركز الأساس في حضارة الآمة ومستقبل وجودها".

لا نظن ان مثقفا واحدا لا تفرحه مواقف تضامنية يبديها مثقفون آخرون مع زميل لهم يتعرض لمحنة، مهما كانت.

ولا اعرف، شخصيا ، إذا كان اتحاد الأدباء العرب، أو اتحادات الكتاب في البلدان العربية، قد أصدرت بيانات تضامنية مماثلة، عندما تعرض الكتاب حيدر حيدر ونوال السعداوي وليلى العثمان والبغدادي ونصر حامد أبو زيد والموسيقي ميشيل خليفة، أو الكثير من الكتاب الجزائريين ، الى تهديدات بالقتل، واتمنى من الأعماق ان تلك الاتحادات فعلت ذلك.

ولا نعرف، أيضا، ان كانت اتحادات الكتاب العرب قد أصدرت بيانات مماثلة عندما أصدرت الكاتبة الأيطالية أريانا فلاتشي، كتابها الحاقد عن العرب والفلسطينيين والمسلمين، أو عندما أصدر الروائي الفرنسي، ميشيل ولبيك، روايته (الرصيف) التي أثارت احتجاجات منظمات مناهضة العنصرية، بسبب القدح الذي تضمنته ضد العرب والمسلمين.

لكن، ما ذكره بيان اتحاد الكتاب الفلسطينيين بشان " الحملات المسعورة لأجهزة الأعلام الإمبريالية والاستعمارية والصهيونية (... ) وصراع الحضارات (... ) ومحاولات اغتيال الثقافة العربية " هي أمور مبالغ فيها، ان لم نقل تثير الضحك، حقا.

يعرف الجميع، ان ما ورد من كلام بشأن احتمال ان يكون الروائي المصري، جمال الغيطاني، هو من كتب رواية صدام حسين( زبيبة والملك)، ورد على ألسنة كتاب عراقيين، وفي مواقع عراقية على شبكة الانترنيت ، وليس على مواقع " أجهزة الاعلام الامبريالية والصهيونية".

ولا أظن ، شخصيا، ان هولاء الأدباء العراقيين كانوا يضمرون الشر لكاتب بعينه، بقدر ما كانوا يسعون لمعرفة حجم الدمار الثقافي الذي لحق ببلدهم، طوال حقبة صدام حسين. وهو دمار حقيقي.

ويكفي، للتدليل على حجم هذا الخراب، ان نذكر أمرين لا ثالث لهما ، أولهما هو، ان آخر عمالقة القصيدة الكلاسيكية، محمد مهدي الجواهري، مات بعيدا عن بلده، والثاني هو، ان مراهقا مخبولا، بشهادة أقاربه، قبل أعدائه، أسمه عدي صدام حسين ، احتل نفس الكرسي الذي كان يشغله الجواهري، في رئاسة اتحاد الادباء.

وضمن مسعاهم هذا، فان الأدباء العراقيين واصلوا، وعلى الأرجح سيواصلون، طرح المزيد من الأسئلة، من اجل تقصي الحقائق. ولن يكون غريبا ان ترد اتهمات أخرى ، قد تكون صحيحة، مثلما قد تكون باطلة، لشخصيات ثقافية، تحملت دورها في عملية الخراب الثقافي، وتزوير الحقيقة في العراق.

وقد ذكر تقرير صحيفة الحياة الذي أوردناه، آنفا، ان بعض المثقفين العراقيين بدءوا يتهمون كاتب عراقي منهم ، هو سامي محمد، بأنه وراء كتابة زبيبة والملك. وربما طال الاتهام، غدا، كاتبا عراقيا اخرا.

فهل ان "أجهزة الأعلام الإمبريالية والصهيونية" هي التي تقف وراء هذا الاتهام؟

للمرة الآلف نقول، ان أية حملة تضامن يبديها مثقفون عرب، تضامنا مع زميل لهم، هي أمر يستحق التقدير.

ولكن، أليس من حق أدباء العراق ومثقفيه ان يطالبوا زملائهم في البلدان العربية، ان يتخذوا موقفا إزاء المقابر الجماعية التي يتم اكتشافها تباعا داخل العراق، هذه الأيام؟

ألم نتعلم منذ الصغر، وبفضل كتابات الكثير من الأدباء العرب، بان الكاتب هو، " ضمير وشاهد عصره"؟
فمتى يدلي الأدباء العرب بشهاداتهم، بشان المقابر الجماعية في العراق؟

بلى، قد تكون هذه المقابر " مفبركة " اصلا. وربما كانت جزءا من " الحملات الإمبريالية والصهيونية". وقد تكون مجرد أنباء بولغت في تصويرها ونقلها جهات أجنبية حاقدة.

لكن، أليس من الأجدر، ان تسارع اتحادات الكتاب العرب والهيئات الثقافية والمنابر الإعلامية في البلدان العربية، بإرسال وفود لتقصي الحقائق، حتى إذا تأكد لأعضاء هذه الوفود، ان هذه المقابر الجماعية مجرد اكاذيب، فضحوها أمام الرأي العام العربي، وان كانت وقائع حقيقية، اتخذوا موقفا بشأنها، وليكن موقفهم مثلما يشاؤون.

نحن، شخصيا، نقترح ان يتشكل وفد من الأدباء العرب، وليكن برئاسة الروائي العربي الكبير والحائز على جائزة نوبل للآداب، نجيب محفوظ، لما له من منزلة كبيرة عند العراقيين، ويعاونه الروائي المصري، جمال الغيطاني، حتى يكون تواجده في العراق مناسبة لرأب الصدع، الذي قد يكون حدث، بينه وبين بعض زملائه العراقيين. وليضم الوفد الأساتذة جابر عصفور ود. نجاح العطار وبهاء طاهر ويوسف القعيد وصاحب دار الآداب، سماح إدريس، وفاءا منه لموقف المثقفين العراقيين الذين احتضنوا "الآداب" منذ عددها الأول قبل عقود ، وكل من يرغب من الأدباء والمثقفين الأخرين في البلدان العربية.

وسيكون تواجدهم في العراق فرصة يطلعون خلالها على ما يجري هناك، سواء فيما يخص تواجد قوات الاحتلال الأميركية، أو ما يقال من شائعات عن وجود مقابر جماعية، أو التعرف عن قرب على المشاكل الكبيرة التي يعيشها العراقيون، والمثقفون من بينهم.

نحن نعرف ان هذه الشخصيات الأدبية الرفيعة، وغيرها، لن تعيد الحياة الى أكوام العظام العراقية، لكنها ستعيد الحق الى نصابه، وربما جففت دمعة في عين ثكلى عراقية، أو حتى لمجرد الإلمام بما حدث من مأسي، إن كانت هذه المأسي قد حدثت، حقا.

ألم يشد الفرنسي، جان جينة، الرحال الى مخيمات الفلسطينيين، ويكتب عنهم أخر كتاب في حياته؟

ألم يتظاهر فوكو ودوراس وسارتر في شوارع باريس، دفاعا عن حقوق المهاجرين الأجانب؟

ألم يرفع أدباء بريطانيا شعارهم العتيد "اعط، اعط، حتى الألم"، أبان أندلاع الحرب الأهلية الأسبانية عام 1936، ويجود بحياته هناك، على الأرض الأسبانية، الشاعر جوليان بيل، والمنظر الأبرز في علم الجمال، كريستوف كادويل، ومواطنه الأديب، رالف فوكس؟

نعم. أختلفت الظروف والاماكن والأسباب والمسميات، لكن، هل أختلفت قضايا الحرية والعدالة، والظلم والسعادة وألام البشر؟

 

حسين كركوش - إيلاف - 11 يونيو 2003

 

موارد نصيـة

قضية «الإمبراطور - جمال الغيطاني»

المحتـوى

سليم عبد القادر: زبيبة والملك لصدام الغيطـاني

نبيل شرف الدين: «زبيبة والملك» عنوان أولى حروب المثقفين بعد سقوط صدام حسين

وائل عبد الفتاح: حروب المثقفين بين نميمة المخابرات وسقوط الديكتاتور.

مصطفى محمد غريب: مهزلة زبيبة والملك والحديث عن الماضي اليساري

وليد العاني: جمال الغيطاني من أصحاب السوابق!!

الآداب تضامنا / مثقفون عرب يتضامنون / الغيطاني يقاضـي

د. إحسان طرابلسي: الغيطاني و«الزبيبة» والقاضي

عبده وازن: ملفـات وفضائـح

عبده وازن: رواية صدام الركيكة.. هل يمكن أن يكتبها الغيطاني؟

شوقي بغدادي: «زبيبة والملك». لا أعتقد أن الغيطاني قد فعلها!!

فاضل السلطاني يهاجم ادوارد سعيد والغيطاني ومنيف ومجلة الاداب

محمد أسليم: تدبير قضية («الإمبراطور» - «جمال الغيطاني»)

ا. خ. «زبيبة والملك» والغيطـاني

علي عبد الأمير: عراقيون يتهمون سامي محمد بتأليف «رواية» صدام حسين

شعـلان شريف: بيان التضامن حراس البواية الشرقية

عبده وازن: مداحو أدب الزعيم

أسعد الجبوري: مخيلة اليورانيوم.

روايات صدام كتبتها لجنة بوزارة الإعلام

محمد رضا نصر الله: هؤلاء شاركوا في الجريمة

سلام عبود: من يكون «الروائي» صدام حسين؟ عن «زبيبة والملك» وكرة الثلج

حسين كركوش: أحقا هي حملات صهيونية يتعرض لها جمال الغيطاني؟

مصطفى محمد غريب: الرواية الرابعة "أخرج عليك اللعنة" والروايات السابقة.. حقيقة مؤلفها وليس كاتبيها

علي عبيد: ليس دفاعاً عن الغيطاني

محمد ناجـي: الضميـر العربي في اجازة!

شاكر الأنباري: بين العراقيين والعرب: مماحكات ثقافية لها بعد سياسي

د. نصار إبراهيم: تعقيب على تعقيب الأستاذ أسليم

محيي الدين السامرائي: ذعر الغيطاني والحنين إلى رئيس المقابر والتماثيل

جماليـــات إضـــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع موارد نصيــة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.