الضجة
التي أثارها جمال الغيطاني حول براءته من كتابة رواية (زبيبة والملك)
لصالح فرعون العراق المقبور، والتي دافع عنها عبده وازن قبل أيام، وتضامن
معها مجموعة من المثقفين العرب، ومجلة "الآداب" البيروتية، تبدو غريبة،
ونافرة، وتستدعي التوقف عندها في هذه الأيام، بعد سقوط الأصنام، وبدء
تساقط عبدة وسدنة وكهنة هذه الأصنام كذلك.
فقد
قالت مجلة "الآداب" البيروتية المعروفة بولائها السابق لنظام فرعون
المقبور، والتي لم توجه كلمة نقد واحدة ضد نظام الديكتاتور المقبور طيلة
عشرين سنة ماضية، وهو النظام الذي كان يشترى نسخاً كثيرة من أعداد
المجلة، ويدعم اصدارات "دار الآداب"، قالت المجلة: "عرف العالم العربي
قبل سقوط بغداد اجتهادات فكرية لا تميّز الاحتلال من التحرير، ولا
الديموقراطية من الإخضاع. وشهد بعد سقوط بغداد تنديداً بالعروبة في مختلف
وجوهها، وخلطاً لازماً لا فكاك فيه بين الوحدة العربية والديكتاتورية. بل
أرجع بعض المثقفين كلّ تطلّع وحدوي عربي الى موروث متخلف بائد، مسوّغين
السيطرة الأميركية على العراق وغير العراق".
فلماذا
هذا التكالب والحرص والتفاني كله غير المسبوق للدفاع عن الغيطاني الذي لم
يكن أول من اتهم بالكتابة للآخرين، ولن يكون آخرهم في ظل فساد الثقافة
العربية، وفساد وارتزاق بعض المثقفين العرب الذين يتزاحمون دائماً على
أبواب السلاطين طلباً للعطايا والهدايا؟
فلقد
اتهم عدد من المثقفين العرب في الماضي بالكتابة للآخرين، ولم يتحرك أحد
من المثقفين المحترمين للتضامن مع هؤلاء المتهمين بالكتابة لحساب
الآخرين، كما تحرك السادة المثقفون في هذه الأيام لنصرة الغيطاني.
فما هي
الأسباب يا ترى؟
هل هو
استباق لدفع ما هو قادم ومخفي وأعظم مما يقال عن كشف لقوائم طويلة لأسماء
السادة المثقفين العرب من كتاب ومعلقين وصحافيين، ممن كانوا ينعمون
بعطايا ومطايا وهدايا الفرعون المقبور في العالم العربي ولندن؟
أم أن
السادة المثقفين العرب ما زالوا متعلقين بظل ورمز القائد الرائد صدام
حسين والذي وصفه بعضهم بعد سقوطه وقبره، بأنه "الشهيد والرمز" كما قال
الكاتب المتأسلم ابراهيم العجلوني في صحيفة "الرأي" الأردنية إثر سقوط
فرعون؟
لقد
سبق أن اتهم بعض الكتاب والشعراء بالكتابة للآخرين، وصدرت بحق هؤلاء كتب
ودراسات، فلم يتحرك ساكن للمثقفين العرب، ولم يدافع عنهم أحد من السادة
المثقفين، ولم يتضامن معهم أحد كما تضامنوا هذه المرة مع الغيطاني.
فقد
اتهم نزار قباني من قبل، بأنه كان يكتب كثيراً من الأشعار للشاعرة
الكويتية سعاد الصباح. وتبني هذه الحملة الكاتب والصحافي اللبناني
المعروف جهاد فاضل، وأصدر كتاباً من القاهرة بهذا الخصوص تحت عنوان
(فتافيت شاعر) فلم يتحرك أحد للتضامن مع نزار قباني، ولم يتصد "القاضي
الثقافي" عبده وازن أو غيره للحكم بهذه القضية وتبرئة نزار قباني كما
يفعلون الآن مع الغيطاني.
واتهم
الشاعر العراقي سعدي يوسف بأنه هو كاتب رواية الكاتبة الجزائرية أحلام
مستغماتي (ذاكرة الجسد) فلم يتحرك أحد من السادة المثقفين للتضامن مع
سعدي يوسف، أو الدفاع عنه، ولزم "القضاة" و "الحُماة" الصمت .
واليوم
تقوم الدنيا ولا تقعد على اتهام الغيطاني بأنه كاتب رواية (زبيبة والملك)
التي نسبت لمقبور العراق.
لقد
حاول عبده وازن بفهلوته اللبنانية المشهورة أن يُنصّب نفسه "قاضياً
ثقافياً" للحكم النهائي في قضية الغيطاني وروايات فرعون، وأن يثبت بأن
الغيطاني ليس كاتب هذه "الرواية" عندما قال بأن هذه الرواية ركيكة، ولا
يمكن أن يكون كاتبها هو الروائي المجيد الغيطاني. وفات على القاضي وازن
أن الغيطاني سيكون أهبل وعبيطاً لو كتب رواية (زبيبة والملك) باللغة
وبالأسلوب وبالبناء نفسه الذي كتب رواياته الأخرى كـ "الزيني بركات" و
"وقائع حارة الزعفراني" و "رسالة البصائر في المصائر" وغيرها.
وهل
بلغت "العباطة" حداً بالغيطاني – وهو المصري الصعيدي الذكي والفصيح - لكي
يكتب رواية تنسب إلى صدام حسين بلغة وأسلوب روايات الغيطاني لكي يُقبض
على الغيطاني في يوم من الأيام بالجرم المشهود، والغيطاني يدرك أن هذا
اليوم المشهود لنهاية الفرعون العراقي آتٍ لا ريب فيه. وأن كتابه (زبيبة
والملك) بأسلوب الغيطاني المعتاد هو الحبل الثقافي الذي سيلتف حول رقبة
الغيطاني في يوم من الأيام؟!
لقد
قال "القاضي الثقافي" عبده وازن في حثيثات تبرئته للغيطاني "إن أدب جمال
الغيطاني كفيل بدحض هذا الاتهام. فالرواية (زبيبة والملك) الكلاسيكية
البناء واللغة، غاية في الركاكة والضعف. وقد أضفى البعد الترميزي عليها
طابعاً "أخلاقياً" و"وطنياً" يتجلّى في النقاشات المضحكة التي تدور بين
"زبيبة" وهي امرأة من عامّة الشعب و"الملك" حول مفاهيم نافرة: كالوطن
والوطنية وأطماع الأعداء وانفتاح السلطة على الشعب وسواها..."
ولكن
فات على "القاضي" عبده وازن أن الغيطاني أذكى مما يتصور وازن. وأن
الغيطاني الذي كان صديقاً حميماً للنظام العراقي المقبور كان يحسب
حساباته جيداً، ولم يدع في الصفقة مجالاً للشك أو الريبة. والدليل إن هذه
التفاصيل الدقيقة بالأسماء والوقائع التي وردت في اتهام الغيطاني من خلال
موقع "الامبراطور" الاليكتروني لم تأت من فراغ. فلا دخان دون نار. وما هي
مصلحة المتهمين لاتهام الغيطاني بالذات دون بقية المثقفين المصريين الكثر
الذين كانوا يتقاطرون زرافات ووحدانا على عراق الفرعون ويقدمون له قرابين
الولاء والطاعة كما كانوا يقدمون لفراعين مصر السابقين واللاحقين من آلاف
السنين وحتى الآن. (...)
إن ما
ينفي تهمة الغيطاني بالفساد الثقافي، ويضع الأمور في نصابها السليم،
تشكيل لجنة من النقاد العرب المحترمين والشرفاء للبت في هذه القضية
وقضايا أخرى مشابهة، ولتكن هذه اللجنة بمثابة "محكمة ثقافية" أهلية تبتُّ
بمثل هذه القضايا، ولا تترك هذه القضايا للفزعات الأخوية، والنجدات
القبلية، واصحاب المصالح المشتركة من شِلل وعُصب المثقفين.
|