فكرت جيدا لما ركنت إلى مكتبي في القسم.
كان التلاميذ منهمكين في عملية حسابية.
تساءلت مندهشا !..
«ليلى تقاطعني؟!»
رجعت لنفسي لما أدركت أنني لازلت أشك في حبها بعد الذي عشته بعيدا
عنها، وما أعيشه وهي قريبة بعيدة في أعلى فراغ الصحراء، فحاسبتها.
لحظتها انفلت سؤال.
«هل أحبها حقا ؟»
وعيت عنادي وتمنيت لو أتجاوزه للإقرار بالذي نهش قلبي وقتئذ.
«أحبها، أحبها وإنها أم ذريتي المرتقبة!»
أجبت في انخطاف. نفس
الإحساس غمرني إثر عناق حار ذات غربة.
البحر مسافة زرقاء للعوم والمغامرة...
حسبت الفتاة ذات العينين الزرقاوين تنفلت من حضني ومن تحت إبطي
وتغيب شيئا فشيئا في المسافة الزرقاء...
حاولت اللحاق بها عوما، لكن ثلجا جمد كتفي وعدت تتقاذفني
الأمواج وتلطمني على صفحة وجهي حتى خلتني طحلبة أونفاية حملتها أمواج
بحر المانش.
الأيام تساوم الأيام، والفرصة تساوم أختها...
أبدا لن أحب... وما أحب
إلا التي تعرف حناء الصحاري وكحل المناجم، ولن أستبدل العيش في وطني
بالغربة.
كانت حاملا ولم تخبرني بذلك...
ولأنها كانت أول تجربة أعيشها لم أدرك الهفوة...
لقد بات صحيحا أن من الهفوات يتعلم ذو الألباب.
ذهبت إلى كاترين ليلا مع العلم أنها كانت على سوء تفاهم معي
لمدة طويلة، قصدت شقتها في الطابق العاشر وكان المصعد معطلا إثر هزة
كهربائية. كنت أدرك أنها لن تردني
خائبا ولن تتردد في مساعدتي. قلت
لها بمجرد أن فتحت الباب:
- مهما يكن فأنت عزيزة على قلبي، فلا تردني خائبا يا
كاترين !
- صحيح، وأنا أذكر دوما أنني شاركتك الخبز والماء،
وينقصني فقط دمك لأسعد ويهنأ قلبي
!.
- المهم، جورجيانا حامل وإن المولود المرتقب غير
مرغوب فيه.
- هي عنيدة، نمط للأمريكية المتعجرفة خارج أمريكا.
- لا يهم، أنا لا أرغب في ذرية من صلبها، تدبري حلا
!
- كما رفضت ذرية من صلبي
!
- أبدا لم أكن حينها على استعداد لأصبح أبا.
- وهل ناقشتها في عملية الإجهاض؟
- مستعدة، وإلا رحلت عنها وتنكرت للمولود المرتقب.
- الثمن باهض، ثم إننا سنتحايل على القانون.
- ما الحل إذن؟ ثم إن جورجيانا لم...
- لم تتوصل بالدولار؟!
- أرجوك كاترين، الدولار سيصل قريبا، وإذا اقتضى
الحال من السفارة ومن يد سعادة السفيرنفسه.
- المهم سأحاول وسأتحايل على القانون باسم الخبز
والماء والحب.
- افعلي ما شئت، لكن تدبري حلا في أقرب الآجال.
قلت لجورجيانا ونحن نغادر العيادة:
- لك طريق ولي طريق آخر.
- لكن!...
هرولت وركبت أنا سيارة كاترين التي أقلعت تحت وطأة الغيرة.
- أنت ترى لقد أديت مهمتي بامتياز
!
- شكرا جزيلا.
- لا داعي، المهم أن لا تظفر بك جورجيانا ولا تفرح
بذرية من صلبك وإلا انهزمت وانسحقت.
- لكن لماذا الغيرة يا كاترين؟
- إني امرأة تحب يا حسن، والمرأة وحدها قادرة أن تقصي
المرأة من حياة رجل فحل مثلك.
- دعيني أنزل هنا ؟!
- وأين حقيبتك ؟
- تركتها في فندق إكسلسيور.
- وهل أنت غريب حتى تنزل في فندق، دعك من حماقتك
وتعال إلى بيتي، أنا وحيدة يا حسن، عد من فضلك...
Bref, je veux un fils de toi!
- شكرا يا كاترين، إني أرفض أن أكون مستعمرة، أحبك...
بالرغم !
رحمة بها عدت ورحلت من جديد إلى حضن أخرى فأخرى، من وطن إلى وطن
لأنتهي عند حضن ليلى وحضن وطني.
غادرت القسم بعد حصة المساء، وكان غبش المغيب يستر خشونة الصحراء.
أيقنت أنني لست سائحا أو مصورا محترفا يلهث وراء مناظر، فدخلت
توا إلى كوخنا العكش. ليلى نائمة.أكلت
لقمتين فقط من عدس بشحم وقرع ثم انزويت للرواية.
|