موقع محمد أسليــم
Le site de Mohamed ASLIM
جماليـــات صالـون الكتابـة حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة

مكتبات الموقـع كشك الموقـع صفحـة القصــر منشورات الموقع


15


سألت ليلى بعد أن أيقنت أنها تخبئ عني سرا ما:

- بربك، قولي ما بك يا ليلى؟

- ما رأيك إذا سافرت إلى دارنا؟ الوجع بدأ يشاغبني، وإني أخشى أن يلحقني المخاض وأنزف ويموت المولود المرتقب.

- لا قدر الله، وليكن سفرك إذن يوم السبت.

- يعز علي أن أذهب لوحدي وأتركك لكآبة الرواية.

- أنا مطالب بالعمل قبل الرواية يا ليلى، فسافري متى شئت، إنه المخاض وإننا نسعى إلى مولود يكون ثالوثنا.

عندما وصل علينا يوم السبت،كانت ليلى قد أخبرتني بكل شيء عن كابر. اضطررت إثر وفرة الأخبار أن أسجل كل شيء على الورق، وأرجع إليه كلما دعت الضرورة.

خرجنا من كوخنا ننتظر وصول الشاحنة التي من المفروض أن تعبر القصر في ذلك الصباح. كانت ليلى بعينين منتفختين من فرط البكاء على الفراق، لحظتها بات من المؤكد أنها تتنفس بي وأنها تركتني فعلا لأنياب التصوف وكآبة الرواية.

بقينا ننتظر والشمس تشتعل فوق رأسينا إلى أن تراءت لنا الشاحنة تخترق الفج، لحظتها عانقتني وانهمرت على خدها دمعة ساخنة شربتها فأثملتني.

لم أستشعر توديعها حقا، بقيت أتوسل إلى السائق لكي يضمن لها مقعدا بجانه ولا يركبها في الخلف كسلعة يأخذها أصحابها إلى السوق.

المكان بجانب السائق يوفر راحة ومع ذلك فإن ثمنه لا يؤدى بالمرة، تستفيد منه النساء، لا لكونهن نساء ولكن لأن السائق يحتاج إلى وجود أنثى بجانبه يتلهى بها عند اختراقه لمجال الصحراء وتنفخ فيه خشونته، هو ذا الثمن الرمزي.

قبلت ليلى عند ركوبها الشاحنة فإذا بكل الركاب ومعهم السائق يديرون أعناقهم وكأنهم يرفضون انفتاحي. كان علي أن أحترم عواطفهم في نظركم ! . صحيح لكني لم أفعل لأني أعلم جيدا أنهم يقترفون أبشع الجرائم وأنهم يسكتون عنها بإجماع، ثم إنه من حقي أن أقبل ليلى أمام الملأ، ألست أحبها؟!

سبق لليلى أن قدمت مع نفس السائق، وقد أخبرتني أنه لم يغازلها، على العكس، دعاها لتشاركه وجبتين أثناء السفر، وكذلك زودها بماء بارد من جرته. نفس المعاملة كان يخصني بها، لا تقلع شاحنته إلا إذا أمنني في مكان لائق في الخلف وأوصى الركاب بي خيرا. هذا لا يعني أنني أستفيد على حساب الآخرين. أبدا، إنه لا مفر لمن يخترق الصحراء من عناء السفر واستحضار المقاومة رغبة في البقاء.

عندما أقلعت الشاحنة، بقيت عند نبتة الدفلى أراقبها حتى غابت عن نظري. لفحتني ريح الجنوب الصحراوي وجعلت من المكان مستقرا ريتما تفتر حرارتي. أفكار كثيرة جابت خاطري ولم أراع وجود الأطفال الذين تجمعوا خلف بناية القسم يرقبونني، لم أفكر في العودة إلى كوخي إلا إذا اشتد بي العطش.

رجعت توا للماء أشربه مباشرة من الجرة لأطفئ عطشي الممتد إلى كل الأشياء. أحسست بوحدة قاتلة، وأدركت أن ليلى تعمر علي كوخي وقلبي على السواء، لكن لا يهم، لقد اعتدت على الفرحة المغتالة والتطلع المجهض.قاس علي أن أتذكر كل الغربات التي اشتقت خلالها إلى الوطن وليلى، ثم إن تعدادها لاينفع بقدرما يوقظ ألم القرحة وشقاء الذاكرة.

ومرة سرت في غربة طويلة تناسيت خلالها أخبار الوطن والأهل. كان الواقع أقوى من أن يسلمني للحنين. رأيت شعبا بأكمله ينتفض وقد أضرب إضرابا لا محدودا ولا مشروطا. كان المكان مختلطا، دبابات على رأس كل درب ، ودوريات تصول وتجول، وجنود بعصيهم كالمجانين لا يجرهم إلى الخلف قدم أو ندم، والشعب، الشعب مجيد يقضي مآربه باعتزاز.

يكفيني إذا نبشت في ذاكرتي المتعددة لأجد ما يقصي عني عزلتي ووحدتي بعد سفر ليلى وأروي، أهمس لكم ما جد من الفرص فتدركون ان لي سوابقا ضد نفسي وأنني كالفيل يعود إلى موطنه لينتظر نحبه. فلتكن سيدا وأميرا يا ألمي ولتجعل لك في جنبات القلب موطنا تنهش فيه ما تشاء وتفوز بالذي تتمنى!.

بقيت عند العتبة أصارع اختلاط أفكاري، العين ترى شظايا من شمس عنيدة بلون النحاس الأصفر، الأذن لا تسمع إلا صدى صراخ شعب يخترق الجبال والوهاد، أما القلب فبه ألم مأساة لم تنته بعد. في لحظة، زحفت الشظايا على عيني، تراءت لي آمال البشرية سرابا أمام زحف الحزن على العالم. اختلاط تام بتداخل الليل والنهار وتجانس الموت والحياة وحب الماء للنار ينتابني ويحثني على نزع عيني من وقبيهما فلا أكتب ولكن أبصر الصحراء في الخشونة ،والرمل في السراب، والجبال في البركان، وأتمثل الفضائل في أعراس الغصب رذائلا، وسواء السبيل في أعلى درجات التيه داهية.

ليلى سافرت وقريبا ستضع، وإذا كان المولود ذكرا سأسميه عبد الكبير.

الفصل الموالي

     

الفصل السابق

 

منشورات الموقع

عبد النبي كـوارة، ورم التيه (رواية)

المحتــوى

2

1

4 3
6 5
8 7
10 9
12 11
14 13
16 15
18 17
19

 

 

 

جماليـــات صالـون الكتابـة حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة

مكتبات الموقـع كشك الموقـع صفحـة القصــر منشورات الموقع

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.