موقع محمد أسليــم
Le site de Mohamed ASLIM
جماليـــات صالـون الكتابـة حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة

مكتبات الموقـع كشك الموقـع صفحـة القصــر منشورات الموقع


8


لا أعرف لماذا تبدلت علاقتنا ! .

همست لها لما تحولت حياتنا إلى ظلام من غير كلام.

- استجيبي لذلك الصوت وخبريني عن كابر إذا كان هذا سينفعنا ويسعد كوخنا التعس.

لم ترد، قبضت على بطنها واسترخت على السرير فيما بقيت أنا إزاء كوخنا أتأمل في خشونة الصحراء وأناجي نفسي في صمت... لا تعتقدوا أنها بداية جفاء... ليلى بطبع طيب وإلا ما كانت وصلت إلى هنا برفقتي ولا سكنت خيالي.

قالت لي ذات يوم من الأيام:

- يا حسن، إني مستعدة للعيش بجانبك في كل الغياهب والأدغال.

ليتها بقيت على عهدها ولم تدعوني للغربة.

خلال كل أيام الأسبوع، لم نتكلم ولم تكن غاضبة على السواء. احترت في اختيار الكلمات والحركات، كلما داعبتها استجابت ولم أشفع بأية مداعبة من طرفها. بقينا على حالنا تستبطن هي أخبار كابرا وأفكر أنا في أمر أبي المكارم.

في الصباح، باكرا بالتحديد، تزحلقت من السرير وخرجت للتو إزاء باب كوخنا. بقيت أرقب المسافة وأسمع لدقات قلبي، تراءى لي أبو المكارم وهو يقضي مآرب التيه وتمثلت كابرا وقد استسلم نهائيا للإغماء والموت.

تذكرت جورجينا سهوا.

قالت لي:

- إن انعتاقك بين يدي يا حسن... دعنا نتزوج !

- لا يمكن أن أعيش خارج وطني، جربت وما فلحت.

- سأرحل معك إذن إلى المغرب ونعيش هناك.

- وماذا نأكل؟

- نعيش بالحب والماء العذب فقط !

- إنها بعض سرياليتك المعهودة !

- هناك حل آخر.

- ما هو يا عسلي؟

- أن أذهب إلى أمريكا وأخضع لتكوين في سلك هيأة السلام وبعده أبحث عن تعيين بالمغرب.

مرت شهور وشهور، ذهبت جورجينا إلى واشنطن وقضت مدة التدريب، فعينت بعدها بدولة الزايير.

لم نتزوج، لكن رسائلها بقيت تحمل رماد احتراقها إلى أن تناسى كل منا الآخر... لم ألعب بعواطفها، ولم يسبق لي أن وعدت واحدة منهن بالنهاية السعيدة... اسألوا ليلى من تعرف حكمة الطاعة والتكاثر والحناء إذا طلعت سوداء على راحة اليدين... اسألوها تخبركم بأنني لا أخضع للمساومة ولا تنقصني المقاومة، وأني أرفض الغنى وأتحاشاه إلا إذا كان من عرق الجبين. ستخبركم ليلى بأنني أنتمي إلى سلالة الفقراء المتواضعين، إذا سألتموها عن أصل انحداري الاجتماعي.

كان الصباح بنور باهت. ليلى في الداخل وأنا إزاء باب كوخنا. تزفر زفرات جرح عميق، وأتنفس المرارة. ليتها تفكر في كابر وتمنحني أخباره ويعود الزورق إلى العوم. نوبة سرعان ما تخبو وتنطفئ نارها. جفاء عابر، عرضي لن ينال من حبي ومن عزيمتي أبدا.

ليلى ببطن جميل، قد أختار الغربة من أجل أن يبقى المولود المرتقب على قيد الحياة. لم لا؟ من أين لي بحليبه في هذه الأرض الماحل؟ وإذا مرض، أي طبيب أطفال أقصد؟ سأقترف جريمة إذا بقيت هنا والرضيع على صدر ليلى يبكي ويئن. لابد أن افكر جيدا في مصيرنا !

هي الآن نائمة بالداخل، لعلها تستفيق على مصالحتي وتفتح العنان لخيالها وتكابر معي. قالت لي وقد كنا نتبادل الحديث في موضوع كابر عندما كان يعيش مع المسيو غوني:

- أنت تعرف كابر أكثر مني !

- ممكن، لكن معرفتك به أنت يا ليلى عميقة وكذلك بأبي المكارم.

- طبعا، وأبو المكارم هو الذي أقنعني بضرورة العيش معك في غياهب الصحراء إذا اقتضى الحال.

دخلت إلى كوخنا من جديد، رأيتها وقد وضعت راحة يديها على بطنها. شعرها موج مضطرب، فخداها عاريتان للإغراء. نائمة مرهقة الأعصاب لكثرة التفكير بالمولود المرتقب، بالعودة، بمفارقتي، لست أدري!. ظلت عيناها منشغلتين طيلة اليوم. حسبتها ترسم وتنقش المكان في ذاكرتها قبل أن تغادره.

خرجت من جديد. السماء زرقاء، يمام تائه يحلق في الأجواء وقد استعار هديل الحمام الحزين، هديل حزين يبعث في النفس توهج الأسى وضجر الضيق، وكذلك يحث على ندم ما.

الفصل الموالي

     

الفصل السابق

 

منشورات الموقع

عبد النبي كـوارة، ورم التيه (رواية)

المحتــوى

2

1

4 3
6 5
8 7
10 9
12 11
14 13
16 15
18 17
19

 

 

 

جماليـــات صالـون الكتابـة حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة

مكتبات الموقـع كشك الموقـع صفحـة القصــر منشورات الموقع

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.