17

مغبوط من يطلع الجبل، ومغبون إذا لم تكويه شظايا الحكمة في الأعالي...

ليلى رحلت وبقيت لوحدي... الأوراق التي سجلت عليها أخبار كابر فوق منضدتي الوسخة التي سأستبدلها... يعز علي فعل هذه الصفقة... منضدة اشتريتها بأقل من ثمنها الحقيقي عندما علم صاحبها أنني سأستعملها فقط للكتابة.

كل شيء اختلط... الأفضل أن أنسحب من الرواية... خبر لن يفرح ليلى... ما أظن أنه سينشي القراء... أكيد أنه سيشاغب من لا شغل لهم إلا الحفر على مرمر كل كتابة... ليتوكلوا على الله... ورشة عذراء ستظل إذا لم يقربوها!...

الأوراق التي دونت عليها هذيان ليلى لن أعتمدها... سأتركها لربما إلى فرصة أدبية لاحقة... لو أن ليلى بقيت بجانبي كنا انزوينا على عدس وخبز وعلى هذيان وكتابة!...

لكل عربي ليلاه وليلاي سافرت... وإني سأسافر غدا... السفر لا يخلو من فوائد... المدير سيتدبر لي انقطاعا عن العمل أو اقتطاعا من الحوالة... سأفعل غدا... ليلى حائرة مريضة هناك وإني الطبيب المداوي... سألتحق بليلى وأتخلى عن إتمام الرواية... سأترك ذلك الصوت يتمم العمل... سأنسحب وأترك شخوصها الهاربة تعقد لقاءاتها وتتبادل هذياناتها... الأعراف تقتضي أن أحضر لحظة الولادة... أن أسمع الصرخة الأولى ولو من خلف الباب... لحظة الخلق العليا وطلعت الزغردة... نشوة المائة خطوة في الممر...!

طبعا إذا تمت الأمور بخير وسعدت بطلعة المولود، وكذلك وصلني ذلك الصوت وحثني على الكتابة فإني سأبعث كالعنقاء من بين سطور هذه الورشة، وسأعتمد الأوراق التي دونت عليها هذيان ليلى.

سأنسحب الآن وهنا... لست الراوي الأول والأخير الذي يثقب التزامه ويتنكر له... أنا على الأقل أعترفت بعجزي وإني سأعرضه عليكم... لم يسبق لي أن تحايلت على أحد... لم أتقب قسما ولم أشهد زورا... الله وليلى وحدهما على علم بالمكنون الطاهر النقي!...