مغبوط من يطلع الجبل.
الصوت الذي وصلني أمرني بفعل الرواية عن التيه.
التيه في كل شيء، الآن فقط أدرك صحيحا أنه أمرني بالرواية.
من يدري؟ قد يكون نفس الصوت أمر القراء بأشياء، ولا شك أنه
أوصاهم بالانخراط والالتفاف.
عندما طلعت الجبل، قررت أن أنسحب من الرواية وأترك أبا المكارم
يواجه تيهه في هذا الخلاء، وكذلك أجدد الدعوة للقارئ بأن ينخرط، أن
يدخل لعبة من قواعدها الرعب ومقاربة المستحيل وكذلك معانقة المطلق.
قلت لليلى:
- إني، عزيزتي، سأنسحب من الرواية، سأترك أبا المكارم
حيث يوجد، أدعوه يتدبر عودته أو يسبر غور تيهه.
- ومن يوجه القراء وينير طريقهم؟
- القارئ، أبو المكارم، والذين سينخرطون ويصنعون
أحداث الرواية، أن يلتف الجميع من حولها.
- إنه تحايل على القارئ يا حسن.
- أبدا عزيزتي، وحتى عندما أكون راويا فإني لا أعقد
إلا وصفا سطحيا، ربما كلاما إيهاميا، ليس غير!.
- لكنه سيبقى أساسيا!.
- بإمكان القارئ ان يعقد مثله.
- صحيح، لكن ألا تظن أننا سنزيده عذابا إضافيا،
الرهان صعب يا حسن! ألا تعتبر...؟
- إذا كان لابد من ضجر بفضيلة ما فلم لا؟ ثم إنه وجب
على القارئ أن يكون في مستوى الرهان.
- ولماذا لا تبقى سطحيا ولا تراهن بالمرة؟
- لن يهم في شيء ما دام الكل يدرك أن الراوي مهما
فعل، وبالرغم من حسن نيته، فهو لا يجد مخرجا يوفر متعة في أعلى درجة
اختمارها. والأفضل أن يساهم
القارئ بدلا منه في تأسيس وبناء صرح متعته وامتداداتها.
الراوي يا ليلى لا يختلف في واجباته عن المرشد السياحي، في حين
حري بالسائح أن يصول ويجول كلما اخترق حدود وطن أو بوابة مدينة.
- جميل أن يتحقق هذا، لكن ألا ترى أنه مستحيلا؟..
- حتى الصعود إلى القمر كان يبدو مستحيلا!
على القارئ فقط أن يعجن من معدن الواقع والخيال والذات واللغة
ما شاء له، وإنه بهذا سيساهم في إنجاز صرح هذه الورشة...
تصبحين على خير يا ليلى.
قبلتها على شفتيها. استسلمت
للنوم بينما ركبت مكتبي وانخرطت في الورشة.
|