موقع محمد أسليــم
Le site de Mohamed ASLIM
جماليـــات صالـون الكتابـة حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة

مكتبات الموقـع كشك الموقـع صفحـة القصــر منشورات الموقع


9


تبدد الظلام وعم برد قارس يسكن العظام وينهش الرئة، وأما السحابة فقد اسودت سوادا لتضجر وتفرح أبا المكارم على السواء. في داخله تمنى لو أنها ازمجرت فرحا بموت كابر وأحضرت كل المطارق، وكذلك قرر أنه لها بالمرصاد إن هي أرادت أن تبعث به وتجرفه أو تزيغ عن قبره. أيقن أن معرفته بأنواع السحب ضعيفة، وأن كابرا وحده يعلم سر طبقات السماء الثلاثة وطبقات الأرض العديدة. أرجع بصره جهة القبر.

«كابر، إني أنتظر أن يسقط المطر وأعيد ترميم قبرك في أول ليلة من بنائه... لست أدري، وحق فصيلتك، ما مصير هذه الليلة التي تتعتم تارة وتنقشع تارة أخرى... أنت لم ترد أن تتحمل حتى عناء إخباري... حرك الشاهدة إذا تعذر عليك تحريك ذيلك... أخبرني عطفا منك، بسر هذه السحابة التي لم تتوقف عن زيغها... أخبرني متى ستنزل مطرقة الرب العزيز على هذه السحابة التي تكونت من جديد في شكل سندان... أنت لا ترحم أحيانا، وكأن الدمع الذي سال على خدي يفرحك ويجلب إليك الرحمة والمغفرة... اسعد في قبرك، بهذا أدعو لك... قلبك حجرة قاسية، حاول أن تدرك أني أركض بك كما يركض المحارب بزوجته ليلة العودة من الجبهة... لا الزلزال، لا الفيضان قادران أن يبعداني عنك ويفرقان بيننا، فقط لأن حبي لك سيدوم إلى ما بعد الموت... أخبرني إذن أين ستهطل شذرات الخير... لا تبخل علي فإني أعلم أنك لم تمت بعد... يستحيل أن تموت في لحظة... خبرني وأعدك أني سأمكث حارسا على قبرك، أعيد بناءه كلما وصل موسم الرعد والبرق والفيضان... سأبني لك قبة وستصل النساء قبة سيدي كابر... لن تكون قبة كالتي انتصبت على مشارف مدننا... لن تصلك ذبائح أو قرابين منهوبة... سيبقى قبرك نقيا نقاء الحليب تعتصم به النساء ولا تستجديك بركة ولا منفعة... لن يصل قبرك زيتون، حناء، ولن تشتعل شموع عند شاهدتك... لن تكون هناك أثواب ملونة ولا صناديق نذور... أرفض أن أصبح مزوارا ولكني سأواصل الليل بالنهار من أجل رعاية قبرك ما لم يفش سر هذه السحابة السوداء وطالما حبل الحياة لم ينقطع... يا كابر، إن الظلام انتشر وعم الأرجاء... لا الجبال التي تخيف العين بدأت تظهر في الأفق ولا هناك أفق... وحده الليل الدامس على عرشه استوى يأمر بالإرهاب والدمع والضيم... قلبه بارد وليست له أحشاء، تنفسه قاري يترك مثل أثر لسع الأفاعي... أنا يا كابر قادر أن أكابر معك ومثلك... أن أرابط من أجل إنقاذ قبرك ضدا على مئات الليالي والعتمات، وإنك تعلم أنني بقيت على قيد الحياة بعد أن هزمت عتمات كان يكسرها الرصاص والقنابل... لقد حاربت يا كابر، ومن يحارب لا يستسلم، يرد على المباغتة بالمباغتة... وكما أقر لك بامتلاك مفاتح السحب، أقر لي بدورك بمعرفتي للمتارس والجبهات... ما من مرة خرجنا سالمين، أنت تذكر هذا... إني لا أستنجد بك، فقط أردت أن أأتتمن على قبرك... التيه ورمك وعذبك... وإذا ضربت مطرقة الإله على السحابة السوداء وكان ما كان وخرجت سالما، سيفشى سرك وتصلك لعنتي بدل رحمتي... هيا يا كابر، أخبرني حتى لا أتورط في معاتبتك بدل الدعاء لك... أعدك أنني سأحافظ على قبرك مهما كلفني الفيضان من قذف وخسارة، والعتمة من وحشة وانهيار... الموت أرتضيه في جبهة الذود على قبرك... ثم إني أعتبر أن موتي لن يكون خسارة ما دام سيغيب عنه المواسون...»

ذرف أبو المكارم دمعة عسيرة، ثم تكوم بجانب القبر بعد أن لف سلهامه من حوله. لقد لفح البرد وجنتيه وتجمدت رجلاه ويداه. رفع بصره إلى السماء في خشوع ثم خفضه وجلا مرتعشا.

«ما هذا الذي أراه يا كابر؟ أرشدني، من أية جهة سيسقط المطر وإلا أخذنا الانجراف وشملنا السيل... أما ترى معي أن السحابة قد تحولت إلى سحابتين وعلي أن أحضن قبرك أكثر... أتذكر يوم نبحت هامسا أن السحابة متى تفرقت إلى اثنتين كانت عاصفة نكراء وجاء بعدها الطوفان وكان الجريان عنيفا لا ينتهي... أنت تذكر يوم تحول دربنا إلى صهريج وتحولت أنت إلى كلب إغاثة يركبك الأطفال من جهة دكان الأم طربوشة حيث يصل الماء الركبتين، إلى دكان الحاج حمو بائع التراويق حيث يبدأ المنحدر... أنت تذكر، تحول دربنا إلى مستنقع ورجع عمال البلدية ومنتخبو الحي منهزمين...أتمنى فقط أن لا يحدث لقبرك ما حدث لدربنا يا كابر!...»

في خشية وخشوع رفع أبو المكارم رأسه جهة السحابتين، أمعن النظر فيهما فانحدرت من عينيه دموع حجبت عنه النظر. نظر من جديد بعد عناء شديد، أصابه دوار وألم، استرخى على ظهره وجعل من الشاهدة وسادة ثم أرسل تنهيدة عميقة.

«إني أرى سحابتين غاضبتين، فتحرك يا كابر ورم عنك غشاوة الموت. إن الأمر ينذر بالخطر والمطر الكثير، فشكل السحابة يخفي خدعة مقيتة وتهديدا مريرا... نحن لن نخلص إلا إذا أدى أحدنا الثمن باهضا... سحابة في شكل سندان وأخرى في شكل مطرقة، شرهما إذا التقتا سيكون كبيرا يا كابر... سيدثرنا ويمحونا من وجه هذه القاحلة... لن يذكر أحد اختفاءنا هنا... الأمر يختلف عما هو عليه في المدينة... في المدينة، يقولون لربما هاجرنا إلى لا عودة، أو إننا اختطفنا ليلا وحملنا إلى حيث لا ندري... أنت تذكر، لقد تركت متاعي وتركت باب داري مفتوحا على مصراعيه... لا يهم يا كابر الأهم أن تخبرني إذا كانت السحابة المطرقة ستعانق السحابة السندان وأين سيسقط المطر... كن مرنا كما عهدك سكان دربنا، أولئك الذين أنذرتهم بالغرق والفيضان وخرجوا سالمين على عكس أهل بريمة الذين حملهم الماء كالخرفان، وبدد كل ما ملك كدحهم... هيا يا كابر، ما عهدتك تخشى وحشة الليل... أخبرني فليس في الأفق عشوة أقصدها... داهية حالكة، أفضل أن لا أركبها لأتركك... قبرك الليلة خندقي وجبهتي على السواء، وإني لن أتخلى ولن أحيد عنه...»

الفصل الموالي

     

الفصل السابق

 

منشورات الموقع

عبد النبي كـوارة، ورم التيه (رواية)

المحتــوى

2

1

4 3
6 5
8 7
10 9
12 11
14 13
16 15
18 17
19

 

 

 

جماليـــات صالـون الكتابـة حــوارات مقـــــــالات ترجمــــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خــــــاص

مواقع مفضلـة

مواقع صديقة

مكتبات الموقـع كشك الموقـع صفحـة القصــر منشورات الموقع

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.