د. عبير سلامـة

نص المستحيلان

 

نشر يوسف إدريس فى مجلة الكاتب مايو 1964 نصا بعنوان (المستحيلان) بدا مكتملا إلى حد ما ومستقلا، رغم أن العنوان مسبوق بكلمة رواية، دون تحديد رقم الجزء أو ترتيب نشره، ودون أن تسبقه فى المجلة، أو تليه، أجزاء أخرى من الرواية نفسها، وجاء نص (المستحيلان) فى ببليوجرافيا أعمال إدريس فى باب القصص القصيرة المنشورة فى دوريات، ولم يشر أحد إلى كونه نشر فى مجموعة، وهو لم ينشر حقا، وليس قصة، بل هو جزء من رواية (البيضاء) التى نشرها إدريس مسلسلة فى جريدة الجمهورية فى سنة 1959، وفى كتاب فى بيروت سنة 1970، وكان قد كتبها - كما قال فى المقدمة - فى سنة 1955.

يشكك بعض النقاد فى تاريخ كتابة (البيضاء)، ويرى فاروق عبد القادر أن يوسف إدريس اختلقه بسبب "أزمة ضمير" تعرض لها نتيجة نشره للرواية([1])، فهى - من جانب - التنازل الذى قدمه حتى لا يعود مرة أخرى إلى السجن. وكان قد اعتقل فى أغسطس 1954 لقيامه بنقد اتفاقية الجلاء، وأفرج عنه فى سبتمبر 1955 مع بعض الأفراد من تنظيم (حدتو) بعد أن تصور صلاح سالم - وزير الإرشاد فى ذلك الوقت - إمكانية الاستفادة منهم فى إقناع الحزب الشيوعى السودانى بدعم فكرة الاتحاد.([2])

و(البيضاء) من جانب آخر - وفقا لعبد القادر - بما عرضته من صورة سلبية للشيوعيين تبرير لحملة الفتك بهم، التى بدأت بعدما تلمس النظام خطر الوحدة بين التنظيمات الشيوعية الكبرى فى سنة 1958 فى "الحزب الشيوعى الموحد" خصوصا بعد الصدام العنيف مع عبد الكريم قاسم، وقيامه بإعدام بعض الضباط القوميين القريبين من الأجهزة السياسية فى الجمهورية العربية المتحدة.

وقد حاول إدريس أن يكون واسطة بين الشيوعيين والسلطة بترتيبه اللقاء الشهير بين محمود أمين العالم - ممثل اللجنة المركزية للحزب الموحد - وأنور السادات الذى عرض أن يحل الشيوعيون تنظيماتهم، ويدخلوا أفرادا فى هيئة الاتحاد القومى، فرفض "العالم"، وعرض بدوره أن يدخلوا الاتحاد بوصفهم كيانا تنظيميا مستقلا بعد الاتفاق على برنامج عمل موحد. وفشل اللقاء لتفتح فى ليلة رأس السنة - 1959 - أبواب المعتقلات أمام جميع التقدميين والوطنيين مستقلين ومعارضين.([3])

لكننى أميل إلى عزل الرواية عن هذا الظرف التاريخى، بل وإلى نفى صلتها به، ففى تقديرى أن يوسف إدريس كتبها بالفعل فى سنة 1955، لأن صورة الشيوعيين فيها لا يمكن أن تكون تبريرا لحملة الاعتقالات، ولأن إدريس لم يصل فى علاقته بالسلطة إلى حد التواطؤ، وأخيرا - والأهم - لأن من يرغب فى توجيه الرأى العام، وجهة محددة بصدد واقعة سياسية، معتمدا على نص أدبى - لا يقوم بنشر هذا النص مسلسلا على حلقات، إذا لم تقرأ إحداها ضاع التأثير، أو ضعف على أقل تقدير.

كتب إدريس البيضاء، إذن، فى سنة 1955، وليس فى الأمر "أزمة ضمير"، لقد أحجم عن نشرها عقب كتابتها بسبب طابع السيرة الذاتية المسيطر عليها، ولم يقدم على ذلك بعد أربع سنوات إلا عندما ضغطوا عليه فى جريدة الجمهورية لنشرها مسلسلة بعد أن بدأت جريدة الأهرام نشر رواية (أولاد حارتنا) لنجيب محفوظ على حلقات([4])، ثم أوقف نشرها لأن الصحيفة عرضت حلقاتها عرضا غير لائق ينم عن عدم ترحيب بإكمالها.

لقد حافظ إدريس، غالبا، على استقلال موهبته ونقاء أدبه من شعارات الأيديولوجية، وردود الأفعال الانفعالية المرتبطة بها بفجاجة ودعائية، ربما ليس لحرصه على ذلك أو كونه تعمده، إنما لأن رؤاه الأيديولوجية نفسها كانت غامضة، وملتبسة وراء ركام من المواقف المتعارضة والمتغيرات. وكان الالتباس خيرا لإبداعه، فقد تغيرت الرؤى والتوجهات، وظل الإبداع النقى من تأثيراتها باقيا حتى الآن.

 

(221) البحث عن اليقين المراوغ، ص 95 وما بعدها.

(222) د. ناجى نجيب، ص 24 وما بعدها.

(223) البحث عن اليقين المراوغ، ص 94.

(224) الإبداع القصصى عند يوسف إدريس، ص 113، هامش رقم 117.

 

 

موارد نصيــة

د. عبير سلامـة

 

نداهة الكتابة

نصوص مجهولة في إبداع يوسف إدريس

المحتــوى

1. بدايــة

2. مفيستـو والتزام الكتابـة

3. تعديل أزمات الثعلب

قصة الورقة بعشـرة

قصة القديسة حنونـة

قصة جيوكندا مصرية

نص المستحيـلان

رأس المثلث الرمادي

قصة المثلث الرمادي

4. موهبة النظير في القصص المجهولة

قصة أنشودة الغربـاء

قصة لعنة الجبـل

قصة نهاية الطريـق

قصة قط ضـال

قصة القبـور

قصة تمليذ طـب

قصة مجرد يوم

قصة الكابـوس

قصة (قصة مصرية جدا)

5. نداهة الكتابـة

قصة (طابور خامس) لمحمد يسرى أحمد

قصة (النداهة) لسليمان فياض

6. قصة المقالات وحدود التجريـب

7. بداية أخـرى

8. ببليوجرافيا قصص يوسف إدريـس

 
 
 
 
جماليـــات إضــــــاءات

حــوارات

مقـــــــالات

تر جمــات دراســـات نصــوص سرديــة بطاقـة تعريـف   
للاتصـــــــال خدمـــــــــات

خــــــاص

مواقع مفضلـة مواقع صديقة مكتبات الموقع كشك الموقـع مـوارد نصيـة

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.