12

 

 

نفد ما معي من نقود. توجهت إلى أقرب شباك أوتوماتيكي، أخرجتُ مبلغا آخر، تساءلتُ:

- ألم أدخل إلى حانة رفائيل بعين الحكمة؟!

أجابت الخمرة اللاعبة برأسي:

- ولكن لي عين حكمتي الأخرى...

موضوعٌ قلبته مرارا وتكرارا في حالات الصحو عساني أجد له تفسيرا، وبالتالي علاجا، ولكن أفكاري تعشق البقاء في أبراجها؛ ما تحل بالجيب أوراق نقدية حتى يعلو نداء الحانة كالآذان، فما ينتهي إلى مسمعي حتى يلبي العقل والإحساس والجوارح جميعا النداء قائلين: «سمعا وطاعة»؛ ما أفطن لنفسي إلا والقدمان في عتبة أقرب خمارة، واليدان متأهبتان لطرد الدخيل من جيبي...

التحقت بحانة ومطعم «النقطة الزرقاء»، التقيتُ عاهرة بكماء نالت هي الأخرى من نهبي نصيب... ما رأتني حتى تهلل وجهها فرحا على نحو ما سيتهلل على الدوام، ما ألقاها إلا في أوقات متأخرة من الليل، في حانة أو علبة أو مرقص، لا ألقاها إلا إذا زلت بي الخمرة وفتحت عقال جيبي، ولذلك ما يقع بصرها علي حتى يتهلل وجهها فرحا، وتنادي صويحباتها أن تعالين تذقن معي طعم صيد لذيذ، تشير إليهن خفية مني قائلة لهن: «إنه صاحب مال كثير»، ثم تطلب أفواج الجعة زجاجات زجاجات وسجائر المارلبورو علبا علبا مني أنا الذي لا أدخن في صحوي سوى أولمبيك الزرقاء... هو ذا الحفل، هوذا العيد، فيتوالى الشرب وتكثر الثرثرة إلى أن يكون ما يكون...

كانت البكماء مخلصة أمينة أول ليلة صحبتها معي إلى البيت. التقيتُ بها في «النقطة الزرقاء»، كانت سكرانة وكنت سكرانا أيضا، ولذلك ما شربت معي أكثر من جعة واحدة. أمسكتني من اليد، ثم قالت: هلم إلى البيت. امتطينا سيارة أجرة صغيرة، عرضت عليها أن نشتري خمرا من بائعيها السريين الليليين، قالت: كفى!

في المنزل، أعدَّتْ طبقا لذيذا، أكلنا، دخَّنَّا، استمعتُ إلى الموسيقى، فيما شاهدتْ هي التلفزة، في السادسة صباحا كنَّا في الفراش، ألحت على مضاجعتي، وفعلت ما لا تفعله عادة بغي مع زبون؛ تجردت من ملابسها إلى أن صارت زبطاء كأنها نزلت لتوها من رحم أمها، عانقتني، لثمتني، أدخلت لسانها في فمي، اتخذت مني أما حنونا، رَضعتني مترنحة، ولكن عفريتي ظل في قمقمه... متى لعبت الخمرة برأسي رحلت الرغبة إلى أصقاع أخرى من جسدي، وأقعدتني ضريرا. هاجت البكماء، قلقتْ، غضبتْ، صفعتني، نعتتني بالأحمق، لكوني سدَّدْتُ مبلغ الجماع ولم أواقع، ارتدت ملابسها، جمعت أشياءها في حقيبتها اليدوية، وانصرفت تاركة لدي انطباعا جيدا عنها، ولذلك لم أتردد في المرة الموالية، ليلة زلت بي الخمرة إلى «النقطة الزرقاء»، في الاستجابة لكل طلباتها، سيما وأنه ما وقعت عيناها علي حتى تخلت عن الزبون الذي كانت برفقته، ثم وثبت على وجهي وأغرقت خذي بالقبلات اللذيذة. قالت بلغة الإشارات: «سأنصرف معك، سأتخلى عنه وأرافقك إلى البيت»، أحضر لها النادل خمس جعات على حسابي، سدَّدتُ لها مسبقا ثمن المبيت، ثم جلستُ أشرب وحدي...

حان أوان الإغلاق، انفضَّ الزبناء، لم يبد للبكماء أثرٌ، قلقتُ، وقفتُ بالباب أنتظر، أخبرني الحارس بأن كلَّ من في الحانة قد انصرف، أخبرته بما وقع، قال:

- عليك بالباب الأخرى، باب المطعم، وسأتكفل بحراسة الباب الحالي، إنها لم تخرج بعد، تلك خصالها مع العديد من الزبناء...

بالفعل، ما مضى وقت حتى لاحت البكماء مرفوقة بأجنبي وشاب مغربي، وإذن فقد أوقعتني في الشباك، تحدَّث الحارس معها في لغة الإشارات بلهجة صارمة معنفا إياها على صنيعها معي. بيد أنه سرعان ما لازم الباب وتركني فريسة في يد الثلاثة. فيما بعد سأفهم أنها رشته بأتاوة على نحو ما تفعله أغلب البنات اللواتي يترددن على الحانات الليلية والمراقص؛ كلهن تقريبا يدفعن أتاوة للفيدور، حارس الباب، ساعة افتتاح الحانة أو ساعة الإغلاق. من لم تتمثل فلتقرأ على رزقها السلام...

- سأقطع لدين أمها رزقها؛ لن تطأ قدمها فندق الأطلس ثانية ما لم تعد لك نقودك وهاتفك النقال وبطاقة السحب الأوتوماتيكي...

سيردد على مسمعي زيتون، مثل حزب، غداة ستكنس إحداهن بيتي وجيبي...

 تنحى الأجنبي والبكماء جانبا، فيما قصدني الشاب، أخبرته بما وقع، لم يرد الإنصات، هدَّدَني بكسر نظارتي وفقء عيني إن لم أنصرف إلى حال سبيلي....

 

 

رقصـة باخــوس

(رواية)

لمحمد أسليـم

المحتـــوى

القسـم الأول

1

2

3

4

5

6

7

8

9
10

11

القسـم الثانـي

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26
27
 

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.