19

 

 

في الطريق إلى المنزل، استوقف صاحبَ السيارة غريبٌ، اتضح أن الثلاثة يتعارفون: سناء، سائق سيارة الأجرة والغريب، طوال الطريق تبادل الثلاثي أنباء معارفهم من البنات والأولاد...

أمام باب المنزل دار حديث طويل، أعياني تتبع تفاصيله الغائمة، انتابتي تعارضٌ وجداني: بين إيصال مغامرة هذه الليلة الليلاء إلى تخومها القصوى أو وضع حد لها على الفور:

سألت الثلاثة:

- فيم تحدثون؟

أجاب الغريب:

- إن هذه الفتاة لمني بمنزلة الأخت، وكل ما أريده هو الاطئمنان عليها فقط.

لكن، فيما بعد، سأعرف الموضوع الحقيقي للحديث: كانت العاهرة تقول للغريب:

- تعال معنا، لتنيك صديقته.

تلكأ في الاستجابة لدعوتها. تمطت عليّ سحٌُب ذكرى عصور سحيقة كنتُ أسافر فيها إلى بلدان أخرى، ما أضع عصا الترحال في صقع ناء وتشتعل فيها رغبة النساء بداخلي حتى يدلني صبيان البلد على بيوت، يستقبلني ربّ البيت استقبالا حارا ويقدم لي قربانا أنثويا، ويسوقنا إلى فراش النوم... هناك يختلي بي في الركن ويستعطفني قائلا:

- أرجوك، لا تسيء إليها، أحسن إليها

ثم يتركنا نقطف بذور الزهور، المغروسة بداوخلنا، في روض الكاماسوترا الفردوسي وينصرف بعد أن يتلو على قريبته حزب وجوب إكرام الضيف بسخاء...

لم أدرك لحد الآن أي بلادة ساقتني إلى تفضيل السفر في غيوم الذكرى على إدراك المغزى الحقيقي لحديث الثلاثة، وما يستوجبه من أخذ حذر.

لعبت الخمرة برأسي، استضفتُ الغريب بالحفاوة نفسها التي كنتُ أتلقى بها، في غيوم الذكرى، عرض مضيفي إكرامي بما ملكت يداه من النساء؛ بالكرم الحاتمي نفسه، دعوتُ صاحب السيارة، قلت:

- تالله لتكونا مرافقينا إلى البيت وما تجدانا لكما إلا من المكرمين !

تلكأ الاثنان في الاستجابة لدعوتي، أمسكتُ سناء من اليد، دسستُ أصابعي بين أصابعها، اتجهنا إلى المنزل، فتحتُ البابَ، خطونا خطوات إلى الداخل، نسيتُ الغريب وسائق السيارة، همستْ سناء في أذني:

- دعهما ينصرفان!

تذكرتهما، ندمتُ، انتابني إحساس بذنب التخلي عنهما، عدتُ، دعوتهما، استجابا معا...

 

 

 

رقصـة باخــوس

(رواية)

لمحمد أسليـم

المحتـــوى

القسـم الأول

1

2

3

4

5

6

7

8

9
10

11

القسـم الثانـي

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26
27

 

 

موقـع محمد أسليـــم - تاريخ الإنشاء: 27 ينايـر 2002.