 |
|
|
24 |
|
|
|
قصدتني الراقصة، كما فعلت في الملهى الليلي، جذبها الغريب إلى جهته
بقوة بحيث جعلها تقف قبالته، عاد ليقول مخاطبا إياي:
-
تلك، التي عندك، النائمة،
عاهرة، وهذه بنت الناس، لكنك لا تستحقها..
والله ما بيني وبينها
شيء...
لعبت الخمرة برأسي،
تأثرتُ بإخلاص قسمه، حسبتُ هذا الإخلاص ينسحب على جهتي كلامه:
ما تربطه أي صلة
بسناء، وفيفي عاهرة.
توهمتُ أن صمت فيفي يعود فعلا
إلى أنها كانت تخونني، تخيلت صمتها يعود إلى انكشاف أمرها، قلتُ للغريب:
-
انتظر
!
ثم دخلتُ إلى غرفة النوم، قلت لفيفي :
-
أنت عاهرة، انكشف أمرك
الآن، راوغتني كثيرا، وها هي الصدفة تأتي بمن يفضح أمرك
!
أقسمت بالأيمان المغلظة أنها لا تعرف الغريب ولا امرأة بحي الطوارق
ولا يحزنون .
-
وإذن، فلماذا أنت صامتة؟
وقفت، ثم ألقتني فوق الفراش، اعتلتني، وضعت شفتيها على شفتي، ثم
سألتني بالفرنسية :
- قل
لي يا حبيبي
!
أتحبني أم لا؟ إن كنت تحبني
فعلا فقبلني، بدت لي هي الأخرى لصة؛ سعت إلى سرقة معلومة مني، تخلصت
منها بقوة، قلتُ:
-
اخل سبيلي يا عاهرة، لماذا
لا تواجهينه؟
التحقتُ ثانية بالاثنين، قال الغريب :
-
أنت ألعوبة بين يديها، نحن
لا نأكل صلصة ولا حساء، أدخلتنا سوق الصبيان، كلفتنا عناء المجيء
للاشيء...
قال ذلك، ثم همَّ برفع المائدة، هدأته الفتاة، أخذ يقيء، صرخ بأعلى
صوته :
-
عاهرة تلك، والله إنها
لعاهرة
!
عاد يسألني :
هل هي عاهرة أم لا؟
لم أدر بم أجيب،
ففي غمرة الخوف والسكر وفقدان الذاكرة توارى عني معنى العاهرة:
سألتُ نفسي سرا،
ومرارا، ما معنى العاهرة، فلم أجد له جوابا...
خشيتُ معاكسة
الغريب مقدار ما خفتُ مجاراته؛ فإن قلتُ إنها عاهرة وَجَدَ في جوابي ألف حجة
للمطالبة بحقه في مضاجعتها، وإن قلتُ ليست عاهرة فهم من كلامي أني أعتبره مُفتريا
واتهمني بالنفاق.
ما يجالس المرءُ
الكذابَ إلا نفاقا.
أسعفتني الخمرة في إيجاد جواب
فضفاض جدا:
-
كل النساء عاهرات عدا أمك
وأمي.
قال :
-
لا، هذه ليست عاهرة، أما
تلك فعاهرة.
سمعته فيفي، خرجت من غرفة النوم، هرولت نحن الغريب، سألته بمنتهى
التحدي والغضب :
-
أنا عاهرة؟!
إن كنتُ كذلك فما علمني
البغاء إلا أمك؛ ما تكون المرأة التي شاهدتني أتردد عليها سوى أمك أو
أختك.
هاج الغريب، وقف، أمسك فيفي من الياقة، دفعته بقوة إلى أن سقط فوق
الفوتوي، استجمع قواه ثانية، وقف، أمسك بقنينة جعة، تهيأ لرميها على
فيفي، خفتُ، أمرتها بالجلوس، امتثلت، بدأت المواجهة من جديد، سألت
الغريب :
-
أين شاهدتني؟
في حي الطوارق، تترددين على منزل قوادة .
أمسكت فيفي بقنينة،
صوبتها نحوه، خفتُ، غمزتها كي تلازم الصمت وتسايره في كلامه.
معاكسة السكير مجرة
للويلات.
عاد ليسألني:
-
هل هي عاهرة أم لا؟
قلتُ:
نعم، هي عاهرة
- وماذا
نفعل هنا؟
- ( صمت)
-
نحن لا نأكل صلصلة ولا
حساء.
التفت إلى الساعة، إذا بعقاربها مثبتة في السابعة صباحا، أردتُ صرف
فيفي :
-
قومي لعملك.
رفضت الامتثال لأمري :
-
احتج الغريب:
-
لماذا تصرفها؟ لماذا
تصرفها؟
- لأن لها
عمل
- أين تعمل؟
- ...
تذكرتُ أنه لما رأى
فيفي، بعيد الدخول إلى المنزل، همس في أذني قائلا:
هذه أيضا بنت جميلة...
|
|
|
|
|