عم الهدوء. قدمتُ
نفسي للغريبين، أبدى أولهما سعادته بالتعرف علي، ثم طلب رقم هاتفي،
سلمته إياه فورا، استضافني عن بُعد، مثبتا بصره في وجه السائق:
-
إن لي منزلا كبيرا، يتعين
علي أن أستضيفكما يوما كي تعرفان قدري ومنزلتي.
جملة سيكررها طيلة
الليلة رفقة جملة أخرى لن أعرف معناها إلا فيما بعد، وما سيُفهمني إياه
إلا فيفي.
ألا ما أقدر المرأة
على الغوص في عوالم الرمز والهجاء!
قالت:
-
ألم تعرف ما كان يقصد بقوله:
«نحن لا نأكل صلصلة
ولا حُسَاء»؟
كان يقصد أنني عاهرة، ومنزلتي بين العاهرات وضيعة لا تؤهلني لنيل تفضله
علي بالجماع!
قلت كأنه سافر فعلا إلى بلاد إقراء الضيف بقربان من نساء، ففهم من
دعوتي إياه بالبقاء معنا أني خدعته بأن دعوته لنكاح زوجتي حتى إذا تفضل
وتكرم علي بالاستجابة لم يجد في البيت سوى خليلتي !
فطنت سناء والغريب إلى نفاذ السجائر، تأهب السائق للانصراف، غمزني
بإشارة خفية، قمتُ وتبعته، همس في أذني :
-
اتبعني وتظاهر بأنك تبحث
عن علبة سجائر نسيتها داخل السيارة، كي لا يفطن الآخران إلى نصحي إياك.
فعلتُ، قال لي :
-
احذر الجميع، يبدو أنك إنسان
طيب، لا يستأهل كل هؤلاء وطء باب بيتك:
الآخر
[الغريب]
قواد، والبنتان
عاهرتان، لا شك أنهما تتعارفان، وأنهما بصدد التآمر عليك الآن، تصنعان
لك قالبا...
تبعَنا الغريبُ، تظاهرنا بالبحث عن شيء ضائع داخل السيارة، سألَ :
-
ماذا تفعلان؟!
-
نبحث عن علبة سجائر ضائعة
تظاهرنا باليأس من العثور على العلبة، عدنا إلى المنزل تحت حراسته
المشددة .
طلب الغريب جهاز الهاتف، اتصل بامرأة تخيلتُ أنها أمه، قال لها :
-
أنا الآن بخير يا حاجة، بل
وأكثر من بخير، أنا الآن رفقة شخص تعرفت عليه اللحظة، وما أقول لك فيه؟
أأقول إنه صحفي؟ لا، ما هو بصحفي.
أم أقول إنه أستاذ؟ لا
إنه ليس أستاذ، سأقول:
إنه شخص كأنه صحفي أو أستاذ
وكفى.
ارض عني يا حاجة.
عم الهدُوء، عدنا
الثلاثة
-
سناء، الغريب وسائق
سيارة الأجرة
-
إلى منازلة جيوش قنينات الجعة
التي اصطفت فوق المائدة.
أما فيفي، فأطفأت مصباح غرفة
نومها.
فيما بعد،
ستقول لي إنها ظلت
تتابع كل ما كان يدور بيننا من نافذة غرفة النوم المختفية
وراء رفوف
المكتبة...
نفذت السجائر، تطوع
السائق لإحضار علبة من محطة القطار، سلمته ورقة نقدية زرقاء، انصرف ولم
يعد لحد الآن.
لعله لازال يبحث عنها
في المدينة، ومن يدري؟
!
|